مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب يمني    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكرى ال 52 لحركة 14 مايو 1968م
نشر في عدن الغد يوم 14 - 05 - 2020

في 13- 14 مايو من عام 1968م كُلفت من قبل الرئيس قحطان الشعبي والقيادة العامة للجبهة القومية بالتوجه الى زنجبار وجعار للقاء مع المناضل سالم ربيع علي الذي كان يعد لانتفاضة شعبية انطلاقاً من أبين. وأقتبس عن هذه الحادثة مما جاء في مذكراتي كتاب "ذاكرة وطن.. جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967 – 1990م" الصادر عن دار المدى 2020م، وجاء فيها:
"أتذكر في صباح 13 مايو 1968م توجهتُ إلى جعار مع كل من محمد سليمان ناصر ومحمد صلاح، بتكليف من الرئيس قحطان الشعبي والقيادة العامة، حيث انتقل فريق من القيادات السياسية إلى هناك ضمن محاولة لتحدي الرئيس قحطان. التقيتُ في أبين العديد منهم، وعرضتُ على سالم ربيع علي الذي كان قطب ذلك التجمع، صورة الوضع الخطر، مؤكداً أنّ البلاد لا تتحمل هزة تزيد من التمزق والتناحر، ولا تتحمل أكثر من رأس، وأنه لا بد من تغليب العقل على ردود الأفعال، وتطويق الانفعالات قبل أن يستثمرها الطرف الآخر والقوى المعادية للثورة. فالقرار الخاطئ يولد دائماً من رحم الانفعالات، وهو الابن الشرعي لها. ونصحته بالعودة معي إلى عدن للقاء رئيس الجمهورية.
ومن بين مَن ردوا عليّ، عبد الله الأشطل الذي قال إننا نقوم الآن بثورة في داخل الثورة، مهما كانت الظروف، ومهما ترتب عليها من آثار.
فسألته: ما القدرات البشرية التي تعتمدون عليها في هذه الثورة؟ ومَن القوى التي ستحاربونها؟ وما الأهداف والبرامج التي تريدون تحقيقها؟ ومَن حلفاؤكم في هذه المعركة؟ وهل حددتم النتائج والاحتمالات وانعكاسات الوضع اليمني والإقليمي؟ بدت تساؤلاتي للأشطل وعدد من زملائه أنها محبطة.
قال الأشطل: سنقوم بالثورة، وسيدعمنا الحزب الديمقراطي في الشمال. فأكدت له خطأ هذا الاحتمال ومحدودية تأثيره، وقلتُ إنّ العمل الناجح ينبغي أن يكون بين جماهير الشعب، ولا بد من العمل البناء الهادئ لتجاوز المصاعب والخلافات التي تواجهها الجبهة القومية. ثم أخبرتهم بما يجري تداوله داخل القيادة من أفكار، وأجواء الحيرة التي تنعكس سلباً على الثورة وعلى المكاسب التي تحققت. شعرتُ بأنهم لم يدركوا خطورة الوضع في البلاد وحماية السلطة والشعب من الذين جاءت بهم الثورة، بين عشية وضحاها من بيروت وغيرها، ولم يُقَدِّرُوا أهمية هذه السلطة التي كان الجميع يناضل من أجل الوصول إليها عبر مراحل نضال شعبنا المختلفة.
حين استمع "سالمين" إلى هذا العرض، بدا عليه الانفعال، وردّ عليّ مقاطعاً: "شفنا بانسويها".
قلتُ: كم من الأيام ستصمدون؟ أجاب: سنصمد في المُطلع هنا 24 ساعة.
قلتُ: وبعد ذلك؟ قال: سننتقل إلى المخزن ونصمد لمدة أسبوع.
قلتُ: واصل. قال: وأسبوعين في جعار، ثم سنطلع يافع.
قلتُ: إذاً، ماذا ستكسب من ذلك كله؟
تدخل الأشطل ورد بنوع من التخيل: إذا ما سارت الأمور أفضل، سنحرّر الريف وننتقل إلى تطويق المدن وندخل على كل قائد عسكري وضابط في مكتبه. وكان الأشطل العائد من الدراسة من الجامعة الاميركية في بيروت قد التحق نهاية عام 1967م بالقيادة في المكلا بحضرموت وعلى رأسهم علي البيض واستطاع أن يؤثر على بعض أفراد القيادة بأفكار نايف حواتمة المتطرفة، والذين يدعون الى تدمير الجيش وتطهير الإدارة وتأميم الصناعة والتجارة والبنوك، بل إن بعضهم أطلقوا لحاهم كثوار جبال سيرامسترا في كوبا، الذين حرروا الريف في طريقهم الى مدينة هافانا، وكما سمي البعض بكاسترو.
أمام هذا الطرح أعدتُ على سالم ربيع علي المخاطر المحدقة بنا، وتوقفتُ عند نشاط القوى المعادية للثورة، التي تنتظر الجولة الحاسمة لإلحاق الهزيمة بحكم الجبهة القومية كله، وعندها سيدفع شعبنا ضريبة الهزيمة.
عند هذا الحدّ وقفنا في نقطة الافتراق، لم أجد سبباً يدعوني إلى تأييدهم في الخطة الرومانسية التي ستؤدي - حسب تصورات خيالهم - إلى الدخول على الضباط في مكاتبهم، خاصة أنّ الشعب كان خارجاً من معركة طويلة مع الاستعمار والسلاطين.
وقد شرحتُ لربيع ما دار بيني وبين الأخ عبد القادر سعيد، أحد القياديين في الحزب الديمقراطي، الذي كان قادماً من تعز، فأخبرني بما يمرّ به الحزب من ظروف حرجة، وعبّر لي عن مخاوف جدية من اندلاع الصراع في الجبهة القومية، أو نشوب حرب أهلية. وأكد أنه يرى ضرورة أن تتجنب القيادات السياسية للجبهة القومية مبدأ التقاتل، والعمل على معالجة المشكلات وتسوية الصعوبات بحكمة عالية. مما يؤسف له، أنه استُبعِد من قيادة الحزب، باعتباره وعبد الحافظ قائد، يمثلان الجناح اليميني الذي يرفض الانخراط في المعركة المسلحة. وللتاريخ، فإن عبد القادر سعيد كان الرجل الأكثر نضجاً والأكثر تطوراً في قيادة الحزب الثوري الديمقراطي.
نقلتُ وقائع هذا اللقاء إلى سالم ربيع علي، وشرحتُ له اتجاهات الوضع في الشمال، وكيف أنها لا تسمح بتفجير الأوضاع في الجنوب. فلم يُبدِ أيّ نوع من الاستعداد لاستيعاب ما قلته. وفي هذه الأثناء دخل علينا عبد الله الأشطل وهو يحمل بياناً باسم "أغلبية القيادة العامة" عرضه على سالم ربيع علي الذي قال لي: سنصدر البيان اليوم. وطلب مني الأشطل التوقيع على هذا البيان والذي كان يعتبره بيان إعلان بداية الثورة الحقيقية، ولكنني رفضت ذلك وقلت: إن الثورة بدأت من ردفان 1963م والتحقنا بها في فحمان ومرّان وكمران وبيحان ولا داعي للمزايدة.. وأضفت: إنكم لن تصمدوا، لأن الأوضاع في غير مصلحتكم، لا داخلياً ولا خارجياً، وإن 1963م تختلف عن 1968م.
لقد عجزتُ حقاً عن فهم الأسباب الحقيقية لهذا الاندفاع اللا مسؤول الذي يعرّض الثورة ومصائر الشعب لخطر الضياع. ولاحظ "سالمين" على وجهي أمارات عدم الرضى إزاء البيان والنيات التي تختفي وراءه، وطلب مني قطعة سلاح له، فأعطيته البندقية (رشاش) التي كنتُ أحملها آنذاك، وهممتُ بالمغادرة وأنا أقول بتركيز شديد: أقول لك الكلمة الأخيرة، وأطلب أن تتأملها جيداً، إنّ التغيير لن يتم إلّا من الداخل وعبر القنوات التنظيمية وعبر الحوار، وليس عبر السلاح، وأنتم لا تملكون حتى السلاح الشخصي.
تركته ومضيتُ يخالجني شعور بالخوف من أن نكون مقبلين على جولة جديدة من الصراع تدفع به بعض العناصر الذين لا يهمهم سوى رفع الشعارات المتطرفة وكتابة البيانات مغادرة الساحات بعد الأزمات، تاركين الشعب وحده يدفع الثمن. وعدنا إلى عدن وأبلغنا الرئيس قحطان الشعبي بما دار بيننا وبين سالم ربيع علي وعبد الله الأشطل وغيرهما.
صدر في جعار بيان ما سُمِّي حينها "أغلبية القيادة"، ولكن عدد الأسماء الموقِّعة لم يشكل في الواقع أغلبية، إذا أخذنا بالاعتبار أنّ قوام القيادة التي انتخبها المؤتمر الرابع للجبهة القومية هو 41 عضواً، لم يوقِّع منهم على البيان سوى 14 عضواً، هم: علي عنتر، سالم ربيع علي، صالح مصلح، قاسم الزومحي، عوض الحامد، عبد الله الأشطل، محمد سعيد عبد الله، محمد صالح مطيع، أحمد صالح الضالعي، علي مقبل مرشد، محمد سالم عكوش، عادل خليفة، عبد العزيز عبد الولي وعائدة علي سعيد يافعي، التي أُضيف اسمها وهي في عدن، وأضيف عبد الفتاح وهو في بلغاريا.
عرض البيان صورة الأوضاع الاستعمارية حتى 30 تشرين الثاني/ نوفمبر يوم انتصار الثورة، وأشار إلى أنه بعد الاستقلال حدث "ازدواج في السلطة"، ما أدى إلى تعميق الخلافات بين قادة الجيش والأمن وقوى الثورة من حرس شعبي وجيش تحرير وفدائيين. وأوضح أنّ السيطرة الحقيقية في البلاد ليس للجبهة القومية وقيادتها المنتخبة في المؤتمر العام الرابع، بل إنّ الحكم بيد القيادات العسكرية. وكان هذا التقييم غير صحيح.
وحول المؤتمر الرابع، لخّص البيان موقفه بالقول: "مؤتمر زنجبار قرارات تقدمية وقيادة غير متجانسة". وذكر أنّ حركة 20 مارس "الانقلابية العسكرية"، جاءت كرد فعل على قرارات المؤتمر التي كانت القيادة العامة تدرس كيفية تنفيذها.
ولخص البيان موقف الموقعين على بيان "أغلبية القيادة" بما يأتي:
1- إدانة حركة 20 مارس، بوصفها حركة انقلابية رجعية، والمطالبة بتسريح القيادات العسكرية التي نفذتها من مواقعها القيادية العسكرية.
2- المطالبة الحازمة بتنفيذ قرارات المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية المنعقد في زنجبار مارس 1968م.
في الواقع، كرَّس البيان طابع الانشقاق في القيادة، بل نقل الخلافات القائمة التي كان يمكن احتواؤها أو ضبطها، إلى مستوى الصراع التناحري. وانحازت القيادات العسكرية - من جهتها - إلى جانب رئيس الجمهورية، وأعلنت التعبئة في وحدات الجيش وتجهيزها للتوجه إلى أبين لإطفاء "بؤرة" التمرد هناك، فيما أغلق المنتفضون بقيادة سالم ربيع علي الطرق بين العاصمة وأبين، ونشروا نقاط التفتيش في عدد من المداخل والمواقع، وقاموا بتعبئة مضادة في أوساط أعضاء الجبهة القومية وتشكيلات الحرس الشعبي والفدائيين وجيش التحرير والقبائل الموالية، لمواجهة احتمالات الصدام مع الجيش.
إرادة الصدام كانت أقوى من إرادة التسوية ولغة العقل. وهكذا، اندلع القتال في منطقة المطلع على ساحل أبين، ثم انتقل إلى أبين وجعار، ودارت معارك طاحنة على مدى يومين متتاليين، انسحبت بعدها مجموعات سالم ربيع علي إلى الضالع وجبال يافع مثخنة بالجراح، وأخذ بعضها طريقه إلى شمال الوطن تحت ضغط الحصار والخسائر.
في ذروة المعارك الدائرة في أبين، وجّه الرئيس قحطان الشعبي بياناً مهماً إلى مجاميع الحرس الشعبي والقبائل في محافظة أبين، وإلى تنظيم الجبهة القومية في المحافظة الثالثة، وإلى المواطنين في أبين والعناصر الذين يتمركزون في جعار، يحذرهم من القيادة اليسارية الانتهازية التي تلتقي اليوم مع الثورة المضادة وأقصى اليمين لجرّ البلاد إلى حرب أهلية، وأشار البيان إلى أنه أرسل وفداً للقاء والحوار مع سالم ربيع علي الذي طرح بعض النقاط في لقائه مع الوفد، ولكن العناصر المتطرفة بقيادة عبد الله الأشطل دفعوا إلى إصدار بيان يوم 13/5/1968 أعلنوا تمردهم على الحكومة وعلى تنظيم الجبهة القومية، ولهذا فقد قررت حكومة الثورة الآتي:
أولاً: أن تتحرك القوات الحكومية إلى أبين وشقرة لإعادة النظام.
ثانياً: على سالم ربيع علي أن يصل فوراً إلى عدن بأمان رئيس الجمهورية، لشرح ما عنده من قضايا لمصلحة الثورة، وقد نصَّت الفقرات "ثالثاً" و"رابعاً" و"خامساً" و"سادساً" على أنّ على الحرس الشعبي في المنطقة الشرقية في الفضلي أن يغادروا زنجبار وجعار فوراً، ويعودوا إلى منازلهم، وأن يعود أفراد الحرس الشعبي في يافع إلى مناطقهم، وأن يعود باقي الحرس الشعبي والقبلي في المحافظة الثالثة إلى مديرياتهم. وأكدت الفقرة "سابعاً" أنّ من يرفض هذه التوجهات يُعَدّ متمرداً وملاحَقاً.
وفي ختام البيان ناشد الرئيس المتمردين تسليم المعتقلين للسلطات الحكومية الرسمية، وحمّلهم مسؤولية أيّ إجراء يتخذ ضدهم، وأكد أن حكومة الثورة ستكون عند مستوى مسؤوليتها التاريخية.
انتهى البيان الصادر عن "الرئيس قحطان الشعبي رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة" في 14 مايو 1968م.
أما سالم ربيع علي، فقد بقي محتاراً في تقديراته للنتائج وآفاق الحركة التي يقودها، في وقت راحت تنضب فيه قوته العسكرية وذخيرتها وسلاحها بمواجهة اندفاع القوات الحكومية، وكانت خطته للانتشار على رقعة أوسع قد ارتكزت على تقدير أنّ التحرك إلى الضالع مضمون بدعم عوض الحامد هناك، وإلى الشعيب بوجود صالح مصلح في المنطقة فيها، وإلى ردفان بوجود سعيد صالح.
كان علي شايع قد انحاز آنذاك إلى الرئيس قحطان الشعبي، فيما هُرِّب علي سالم البيض إلى حضرموت، في محاولة لتجنّب ردود الفعل، بحجة تحريك الانتفاضة في حضرموت والمهرة، لكنّ شيئاً من ذلك لم يحصل.
كان الرابع عشر من أيار/ مايو عام 1968م فصلاً من فصول المرارة التي تجرّعها شعبنا، وسهماً أصاب آمال البلاد في المعافاة والتطور. في منتصف ذلك اليوم، أصدر الرئيس قحطان الشعبي بياناً، كما أشرت آنفاً، وتعليمات بملاحقة انصار ربيع، فزحفت قوات الجيش من الغرب إلى أبين، وزحف العقيد محمد صالح المبرقي، قائد المناطق الريفية مع قوة من الأمن من جهة لودر الشرقية، وبدأت عملية تطويق محكمة بين فكَّي كماشة، فيما بحر العرب يمتدّ جنوباً، ولم يبقَ من منافذ لفرار المحاصرين غير الجهة الشمالية، يافع والضالع، وقد سلكوا هذا الطريق وسبقهم إلى هناك علي عنتر بعد أن استشهد العديد من المقاتلين، وفي مقدمتهم الفدائي "حسن علي بدر".
تولى سالم ربيع علي قيادة الحركة والتعبئة والإشراف على خطط المواجهة، بما عرف عنه من الصلابة في الرأي والاستبسال والصبر والتحمل. وكان أبرزَ أركان حركته على رأس مجموعاته: عادل خليفة، حسين عبد الله محمد (ناجي)، علي صالح عباد، جاعم صالح محمد، عبد العزيز عبد الولي، سالم محمد باجميل وآخرون، ولكنهم كانوا قليلي الخبرة السياسية والعسكرية والقبلية.
وعندما وصلت قوة "سالمين" المندحرة المنسحبة إلى يافع بعد يوم من القتال المرير، أبرق إليه علي عنتر يدعوه إلى الضالع، فتحرك بقوته إلى هناك، وفي الطريق وقعوا في كمين بالقرب من وادي بنا في ردفان، فانهالت عليهم النيران الكثيفة من كل صوب، وكادت القوة العسكرية الكامنة أن تقضي على المجموعة، لولا صلابة مقاتليها ومجاهدتهم. نجا "سالمين" بأعجوبة، فيما سقط حسين عبد الله "ناجي" شهيداً مع الشهداء سالم سهيم، بن نعم، بن جمال وعمر الدولة.
منذ الساعات الأولى لمعركة وادي بنا، كان التفسير السائد لعملية الرصد التي تعرضت لها قوة سالم ربيع علي، يتمثل بوقوع برقية علي عنتر و"شفرتها" بيد قوات الحكومة. غير أنه حين وصل "سالمين" ومقاتلوه إلى الضالع، لم يجدوا علي عنتر هناك، إذ إنه توجه إلى عدن تحت ضمانة "المقدم أحمد صالح بن لحمر". وتوجه سالم ربيع علي إلى قعطبة مع من بقي معه، وراح الجميع ينسقون فيما بينهم، وينظمون الاتصالات بعدن والمناطق الأخرى.
في الأول من حزيران/ يونيو 1968م، تسلّمتُ رسالة من سالم ربيع علي يؤكد فيها ما كنتُ أصارحه به في وقت سابق، من ضرورة الاهتمام بالناس في الداخل، وإيصال الحقائق إليهم. وفي هذا المنحى، تحرك كثير من القيادات والأطر والعناصر في تنظيم الجبهة القومية، حتى نجحت في تكوين قاعدة واسعة للضغط من طريق المذكرات المطالبة بعودة الرفاق الذين لجأوا إلى الشمال.
وامتدت تلك النشاطات إلى اجتماعات التنظيم في كافة المناطق، وفي غضون أسابيع تحولت تلك الحركة من الأسلوب العنفي العقيم الذي لا جدوى له ولا مبرر، إلى اللجوء إلى الحوار مع قيادة الرئيس قحطان الشعبي."
انتهى الاقتباس..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.