انتهت أعمال دورة حقوق الإنسان 45 هذا الموسم منذ أيام قليلة بقرارين بشأن اليمن القرار الأول ينص على استمرار عمل لجنة فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين التي شُكلت وفق البند الثاني برئاسة الخبير كمال الجندوبي والتي تضطلع بمهام أساسية هي؛ رصد حالة حقوق الانسان والإبلاغ عنها، استقصاء جميع الانتهاكات، الكشف المسؤولين عن الانتهاكات المرصودة و تقديم توصيات عامة للمجلس وتقديم إرشادات بشأن الوصول للعدلة والمساءلة القانونية و المصالحة حسب الاقتضاء كما أن من مهام اللجنة تفعيل التعاون بينها والسلطات اليمنية واصحاب المصلحة في تبادل المعلومات والعمل على تطبيق المساءلة لمرتكبي الانتهاكات، وأخيراً تقديم تقرير كتابي سنوي للمجلس و تقرير شفهي نصف العام يحسب منذ تاريخ إنشاء اللجنة. أما القرار الثاني فقد كان بشأن استمرار الدعم الفني والتقني للحكومة اليمنية وللجنة الوطنية وفقا للبند العاشر الخاص ببناء ودعم القدرات هذا الدعم كان يقدم لليمن بشكل دوري ومنتظم منذ سنوات.
لكن لنعرج سريعاً لتوضيح بعض المسائل المتعلقة بسير أعمال مجلس حقوق الانسان وما هي الية عمله. مجلس حقوق الإنسان الذي يتبع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والذي يعد واحد من أجهزة الأممالمتحدة يعقد مجلس حقوق الإنسان اجتماعات منتظمة في السنة ثلاث مرات بشكل دورات تسمى "موسم" ويحمل كل موسم ارقم لتمييزه وهناك اجتماعات غير منتظمة اذا ما استدعت الحاجة لها، في كل اجتماع من الاجتماعات المنتظمة يتم مناقشة حالة حقوق الإنسان في العالم من خلال عشرة بنود كل بند منها يعنى بدراسة ومناقشة حالة حقوق الإنسان في أي بلد كانت موضوع النقاش ويتم النقاش واخذ الكلمات على مستوى الدول الأعضاء في المجلس وعددها 47 دولة ثم تأتي الدول المراقبة وهي باقي الدول الأعضاء في الجمعية العامة الأممالمتحدة وبمشاركة المنظمات غير الحكومية وهي كثر.
إذاً لماذا تناقش حالة حقوق الإنسان في اليمن وفق للبند الثاني والعاشر، كما أسلفت فان اليمن كانت تناقش ضمن البند العاشر في جميع دورات مجلس حقوق الإنسان وكان في نهاية كل دورة يصدر قرار باستمرار الدعم الفني والتقني والخبرات والاستشارات القانونية عبر مكتب المفوضية فاليمن منذ فتحه في العام 2012وكان هذا الدعم يقدم بشكل أساسي للحكومة اليمنية وللجنة الوطنية التي شكلت بموجب قرار جمهوري رقم 140 لسنة 2012،
لكن بسبب محدودية عمل اللجنة الوطنية حتى في الادعاءات التي رصدت واحيلت الى القضاء تعطلت هناك مع غياب العدالة وغياب جهاز قضاي نافذ، كما أن عدم تمكن اللجنة من الوصول الى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي التي لم تتعرف بهذه اللجنة وشككت بحياديه عملها، ، كل ذلك برر وجود نقاشات وجدالات واسعة في أروقة المجلس حول إمكانيات اللجنة وقدراتها حيال قضايا انتهاكات حقوق في الانسان مما استدعى عدد من الدول الاوربية على رأسها هولندا وبلجيكا وأيضا وكندا الى الخروج بمشروع قرار لجعل اليمن خاضعة للبند الرابع الخاص بالحالات الخاصة. مشروع القرار هذا لقى الكثير من المعارضة من قبل المجموعة العربية وتم رفضه تماماً بالأخص من قبل دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ولكن بعد العديد من المشاورات بين ممثلي الدول المعنية حول مشروع القرار "الهولندي-البلجيكي " صدر قرار من المفوض السامي في سبتمبر 2017 بتشكيل لجنة فريق خبراء دوليين وإقليميين بارزين في اليمن بقيادة الخبير الجندوبي وكان اول تقرير صادر من هذه اللجنة في سبتمبر 2018 ثم تم تمديد ولاية الفريق حتى أن صدر مؤخراً التقرير الثالث في سبتمبر 2020. مع استمرار الصراع المسلح في اليمن والذي لم يصنف حرب دولية من قبل فريق الخبراء رغم الانتهاكات الجسيمة الحاصلة والتي تدخل في إطار انتهاك القانون الدولي الإنساني وقانون الدولي لحقوق الإنسان كما أن الصعوبات التي تواجه اللجنة الوطنية واستمرار الانتهاكات وتردي الوضع الإنساني دعت الحاجة أن تتقدم الدول صاحبة مشروع إنشاء اللجنة الدولية لمجلس حقوق الإنسان بطلب تمديد ولاية الفريق لعام رابع حيث سيقدم ها الفريق تقرير شفهي في الدورة 46 أي في شهر مارس من العام 2021 كما سيقدم تقريره السنوي الرابع في الدورة 48 في سبتمبر 2021 كما طالبت هذه الدول من المجلس السماح لفريق الخبراء بإجراء تحقيقات شاملة في جميع الانتهاكات المزعومة منذ سبتمبر 2014 وبهذا الطلب هي تريد توسيع صلاحيات الفريق، كما طالبت أن يعمل الفريق مع جميع أطراف النزاع المسلح للوصول للمعلومات والتعاون المشترك في الوقت الذي صرحت فيه الحكومة اليمنية عن وقف تعاونها مع الفريق بعد صدور تقريره الأول وتسمية الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات، كما أن الامر كذلك بالنسبة لجماعة الحوثي التي ترفض التعاون فعلياً مع فريق الخبراء. يستمر بالمقابل دعم اللجنة الوطنية وتوصية المجلس بالقيام بعملها وفقاً للمعايير الدولية وان تتعاون اطراف الصراع مع اللجنة للوصول والنفاذ في رصد الانتهاكات بشفافية وحيادية. لكن يبقى موقف الحكومة اليمنية علامة استفهام حول المدى التي تستطيع ان تعمل فيه لجنة فريق الخبراء البارزين في ضل تعنت اطراف الصراع وعدم التعاون معها لتسهيل مهمتها، أرى أن ما ستؤول اليه قرارات مجلس حقوق الانسان في الدورات القادمة بسبب هذا التعنت والنكران أنه قد تدفع المجلس فعليا لإصدار قرار بتشكيل فريق للتحقيق في سياق البند الرابع الخاص بدراسة حالات بعينها.