قد لا تكون فكرة مناقشة من هو الذي سعى أو يسعى للاختلاف مع الآخر أو كان متسببا فيه أو سعى لرفضه وحتى لاستئصاله وجوديا هي الفكرة المستقيمة التي توجه ضد طرف بعينه بل يشمل كل المكونات الثورية والسياسية بكل توجهاتها في كل تاريخ جنوباليمن الحديث الذي مزقته الخلافات والصراعات السياسية من قبل جميع الأطراف الحاكمة أو الساعية للتفرد بالسلطة والثروة والتي ظلت حتى اليوم تعمل ضد الآخر على مبدأ الرفض له مناطقيا وجهويا قبل أن يكون سياسيا ومع كل ما حصل ويحصل من تشويه في تاريخ الجنوب السياسي إلا أن عوامل وأسباب التسبب ستظل نسبية وتختلف من مكون إلى آخر والثابت منها أن رفض الآخر في الجنوب هي فكرة شاملة الصحيح فيها أن تُوجه التهمة دائما للأغلبية كما أن الثابت فيها عند كل الأغلبية هو الشمولية وواحدية الوطنية عند من يستطيع استئصال الآخر أو احتوائه أو الانتصار عليه كما حصل في (13/يناير/1986) حيث كانت كل الأطراف حريصة على رفض الآخر ومن ثم استئصاله وكما تشير الأحداث اليوم إلى رفض الآخر ومن ثم الصراع معه. وبما إننا نناقش هنا فكرة اختلاف أغلب المكونات الجنوبية مع المجلس الانتقالي الجنوبي فإن ما نريد طرحه هنا موضوع حساس لا يتقبله البعض أو لا يريد طرحه أو حتى النقاش فيه لا من قريب ولا من بعيد وهذا يرجع لفكرة الشمولية في الجنوب تاريخيا وخاصة عندما نتكلم عن الأسباب التي ذهبت بنا اليوم نحو تكرار رفض الآخر في الجنوب ومناقشة من يختلف أو يرفض الآخر؟. في الحقيقة أن ما يجعلنا نناقش مثل هذا الطرح مع أنه بسيط ومنطقي ولا يدعو لاستهداف أحد هو التصحيح ومعرفة الحقيقة ونقد الذات ومن ثم التوضيح لمن يقول عند كل نقد للمجلس الانتقالي لماذا تختلفون معه والمفروض تتوحدون معه ما دام التوجه واحد لكل من يؤمن بفكرة استقلال الجنوب؟ وهذا مطروح بقوة وتراه دائما عندما يفكر أحد برأي يصحح أو ينتقد فيه المجلس أو حتى يختلف معه! فمن هنا كان لزاما علينا مناقشة وطرح هذا الموضوع بتجرد ونترك من يقرأ حكما على من يستهدف الآخر لأن السطحية في الحكم على الآخر والتعصب عند البعض الآخر حولت الكثير من أبنائنا إلى التجني على كل من ينتقد أو يختلف مع المجلس أو وحوّلت البعض الآخر إلى عدم معرفة من يرفض الآخر أو من يريد استئصال الآخر أو يسعى للحوار معه ؟!. منطقيا لا يريد أي مكون جنوبي استهداف المجلس الانتقالي أو التجني عليه أو السعي للخلاف لمجرد الاختلاف معه بل كانت هناك أسباب موضوعية ذهبت بكل مكونات وقيادات سياسية وثورية جنوبية نحو النقد ومن ثم الاختلاف مع المجلس الانتقالي عندما طغى المجلس على الآخر بواحدية تمثيل الجنوب بل حتى عدم تفهم المجلس للضرورات السياسية التي قد تجمعه مع الآخر في أي عمل تنسيقي يخدم القضية الجنوبية وهذا بالضرورة لا يختلف عن الخطأ في كل تاريخ الجنوب السياسي الأسود مهما حاول البعض تبريره أو تبسيطه أو القفز من فوقه؟!. على سبيل المثال تعاملت الشرعية أو نسقت مع عدة مكونات جنوبية فكانت مساندة للشرعية رغم اختلافها مع الشرعية في فكرة الهدف أو التوجه السياسي وهذه المكونات كانت وستظل جنوبية ونعني هنا بعض مكونات الحراك الجنوبي ومن ثم لعبت مع الائتلاف الوطني الجنوبي أو ساعدت في إنشائه على الرغم من واحدية الهدف ثم لعبت الشرعية على التعامل مع المكونات والأحزاب اليمنية الأخرى دون النظر إلى فكرة استئصال الآخر أو التخوف منه على الرغم من كينونة تفردها بالسلطة دون الآخر الذي بالضرورة سخرته لصالحها فهي لعبت مع كل المختلف أو المتفق نسبيا معها على القواسم المشتركة ضد الآخر الذي كان بالضرورة الانتقالي الذي رفض العمل مع كل المكونات الجنوبية وادّعى حصره تمثيل الجنوب وسمح لإعلامه وأنصاره بالذهاب نحو تخوين كل من يعمل من خارج المجلس أو ينتقده أو يختلف معه؟!. ومن هنا نرى أن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يجتمع مع أي مكون وطني جنوبي آخر وفضل السباحة عكس اللعبة والقاعدة المتعارف عليها في العمل السياسي كما عملت وتعمل الشرعية وهذا لا يعني بالضرورة أن الانتقالي ليس لديه حلفاء لكنه فضل أن تكون تحالفاته مختلفة ومحصورة بحلفاء الإمارات فقط ونعني جزءا من حزب المؤتمر الشعبي العام الذي أصبح في إطاره ثلاثة مكونات رئيسية تلعب اليوم مع كل التوجهات كحلفاء حركة الحوثي وحلفاء الشرعية وحلفاء الانتقالي!. قد يكون خطأ المجلس يرجع إلى ارتهانه بالخارج أو يرجع كما تكلمنا سابقا إلى العقلية السياسية الجنوبية التي ترفض دائما الآخر وعلى الرغم من ذلك فالانتقالي بهذه السياسة مع المكونات الجنوبية الأخرى يفارق مضامين نشأته التأسيسية التي تشبه تكوين حزب المؤتمر الشعبي العام ونعني الطريقة التي عمل عليها حزب المؤتمر مع المكونات الأخرى قبل تفكيكه والتي تشبه عمل الشرعية اليوم مع الآخر وفضل الانتقالي التقوقع على نفسه بالطريقة الشمولية التي مارسها الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب قبل وحدة اليمن في (22/مايو/1990) والطريقة الإماراتية مع خصومها اليوم وهي الطريقة الشمولية التي لا تقبل القسمة. إلى جانب هذا الاضطراب في عمل المجلس الانتقالي بين الشمولية في حصر العمل الوطني والسياسي فيه فقط وبين كينونته التأسيسية التي ترفض الشمولية نستطيع حصر العوامل التي ذهبت بالمجلس نحو رفض الآخر بالآتي: عدم قدرة المجلس على العمل التنظيمي المتكامل بين كل دوائره وحصر العمل السياسي بعدة أفراد في رئاسة المجلس ونحن نتكلم هنا عن القرار الجماعي والفردي الذي ذهب بالمجلس نحو التبعية والارتهان للخارج من جهة وبين بقاء القاعدة الكبيرة في المجلس التي تعمل بشكل مختلف عن بنية الانتقالي ومختلفة عن القاعدة التي تصادر اتخاذ القرار في المجلس وهي القاعدة الكبيرة في المجلس والتي ذهبت بالمجلس نحو تهيئة الجو العام نحو الشمولية والرجعية للماضي وبالتالي ذهاب المجلس نحو رفض العمل السياسي مع المكونات الأخرى الجنوبية التي قد تساعد المجلس على تقديم نفسه كقوة تعمل تحت عباءتها أغلب المكونات الجنوبية الأخرى لا العكس. عدم قدرة المجلس في الخروج من دائرة رهن قراراته للخارج ولو جزئيا منع المجلس من الذهاب نحو أي عمل وطني يعمل على توحيد المكونات الجنوبية أو حتى التنسيق معها - كما تفعل الشرعية وكما تفعل جماعة أنصارالله وكما يعمل حزب الإصلاح – فلهذا ظهر المجلس الانتقالي ليس فقط معاديا للشرعية ومكوناتها الرسمية وغير الرسمية بل معاديا لكل المكونات الجنوبية الأخرى التي قد تكون عندها تحفظات على العمل مع الشرعية أكثر من المجلس الذي حصر كل عمله السياسي والوطني مع الشرعية!. عدم قدرة المجلس ومن ورائه داعموه الخروج من عقدة حصر تمثيل الجنوب به فقط ذهب بالمجلس نحو العمل الشمولي ورفض أي مكون آخر قد يتقاسم مع المجلس أحقية التمثيل في السلطة والعمل السياسي واتخاذ القرار وهذا الخطأ كلف المجلس وكلف الجنوب استقرار وحدة الصف الجنوبي وذهاب كل طرف نحو أحقية ادعاء تمثيل الجنوب والعمل الوطني سياسيا وثوريا. قد يكون من العوامل الرئيسة التي ذهبت بالمجلس الانتقالي الجنوبي نحو الفشل مع الآخر هو عدم قدرة إدارة العمل الوطني والسياسي ومن ثم عدم اعتراف المجلس بذلك داخليا ونعني هنا عدم الشفافية التي ذهبت بالمجلس نحو التبعية لأنصاره لا العكس وبالتالي ذهاب المجلس نحو الشمولية وحصر ادّعاء العمل الوطني والسياسي في تمثيل الجنوب تبعا لفكرة ميلاد الاستعجاب بنفسه ثم الاستحمار للآخر ورفضه وذهابا مع الصوت المتشنج الذي يرى في المجلس واحديّة الجنوب وطنيا وسياسيا وعسكريا دون الآخر. ومن العوامل الرئيسة بنظري التي ذهبت بالمجلس الانتقالي نحو رفض الآخر واستهدافه هو استغلال فكرة الاستقواء بالخارج وهذه النزعة لا يتفرد بها المجلس الانتقالي الجنوبي بل كل المكونات اليمنية والفارق النّسبية في التعامل مع الآخر. ومن هنا ترى أننا لا نختلف مع المجلس الانتقالي إلا بقدر ما نرى أن سكوتنا يعني الذهاب بالعمل الوطني والجنوب نحو الفشل فلهذا اختلفنا معه لأنه لا يريد أحدا. د/ علي جارالله اليافعي