لم تحظ أغلب المدن الإسلامية بما حظيت به مدينة عدن قبل الإسلام وبعده من ذكر وثناء، فقد قال عنها مؤرخو العصر الجاهلي بأنها كانت سوقا تجاريا لمنتجات الصوفية وبعض السلع الأخرى التي كانت تصلها من أفريقيا، ويذهب التجار إلى سوق العرب المركزي (مكةالمكرمة حاليا)، وقد تناولها الشعراء الجاهليين في قصائدهم وهذا دليل على أن المدينة كان لها حضور غير عادي، وقد ذكرها شاعر قريش الجاهلي: لا يسأل السائل عنه ابن من أشبع آل الله من بر عدن وعندما أشرقت الأرض بنور الإسلام وجاء الرسول حاملا كلام الله أخذت مدينة عدن نصيبها في كثير من الأحاديث الشريفة ومن ذلك ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج جيشا إسلاميا كبيرا من عدن يطهر القدس من رجس اليهود، هذا الحديث الذي لا يروق لليهود وبعض النصارى وللمنبطحين من المحسوبين على الإسلام سماعه، فهم يعرفون صحته وأنه قادم لا محالة. ولو نظرنا إلى واقع الحال وما تعيشه هذه المدينة من ضنك الحياة وعدم الاستقرار فإننا سنجد أن هناك هوة بين الحالين، وأن هناك خطأ في التعامل مع هذه المدينة من قبل الحكام والدول الذين تعاقبت سلطتهم على إدارة شؤون هذه الأرض، والحقيقة المرة أن عدن لم تهنأ بشيء من الطمأنينة والراحة خلال تاريخها وكل تاريخها السياسي متقلب وغير مستقر ويدل على أن هناك سر خفي يقف وراء تلك الإخفاقات والهزائم، فكل الذين تسابقوا على الظفر بها لم يكتب لهم الخلود وخرجوا منها منكسرين منهزمين أكان دولا خارجية أو وكلاء محليين لدول خارجية، فمثلا عندما احتلها الإنجليز كانت بريطانيا أكبر بلاد العالم وهي الدولة التي لا تغيب عنها الشمس وقد خرجت من عدن عام 67م نتيجة للإرادة الثورية الجنوبية بعد أن تقلص نفوذ هذه الدولة وقد تخلت عن لقبها وأصبحت دولة عادية. وبعد الاستقلال مباشرة أخذ النفوذ السوفيتي يتنقل عبر وكلاءه المحليين وقد رأينا احترابهم فيما بينهم وكيف كانت نهايتهم مكلفة ومؤسفة إضافة إلى ذلك تفكك الدولة السوفيتية التي كانت تملك نصف ما يملكه العالم من مساحة، وأصبحت تنحصر في دولة روسيا فقط، ليأتي بعدهم النفوذ الشمالي في عام 94م وما كان يملكه من قوة وجبروت وخرجوا منها عام 2015م بقوة السلاح وقد ذهبت دولتهم إدراج الرياح. أي أن كل من حشر أنفه وقادته قدماه ليحكم هذه المدينة وما يتبعها من الوطن الجنوبي قد تحطمت أمانيه وخرج خائبا وفي ذلك موعظة وعبرة لمن لا تزال تدفعه الرغبة في حكم هذه البلاد، وكأني بهذه المدينة وهي تصرخ وتقول للعالم وكل الناس: قفوا.. لا تقتربوا مني فأنتم تطوعوني لأمر لم اخلق من شأنه وقد اعدني مولاي لأمر آخر، هو بيدكم يا أبنائي إن شئتم أما غيركم فلا.. والله ما وراء القصد.