30 نوفمبر 1967م هو يوم الإستقلال وذكرى خروج آخر جندي بريطاني من عدن، ومع أنه يوم التحرير إلا كان يوم النكبة على الشعب الجنوبي، إذ تقاتل رفقاء السلاح ورجال الثورة الواحدة قبله وبعده، والاشتباكات الأهلية كانت قبله تدور بين ثوار القومية وثوار التحرير تحت عيون الجنود الإنجليز، وما إن خرجت بريطانيا حتى تفجرت شلالات الدم وقُتل الثوار وهدمت المنازل وأحرقت المزارع، وقامت دولة يأكل بعضها بعضا، تقتل رؤساءها وترعب شعبها وتعمد إلى استعدائه وإفناء النخب الاجتماعية فيه، وعمدت إلى تدمير هوية الوطن العربية وعاداته القبلية والاجتماعية الى حد حذف (أل) التعريف من الألقاب العائلية، بل ومحاربة الدين الرسمي والتاريخي للبلاد (الإسلام) وفرض الإلحاد كثقافة بديلة وأقامت له المكتبات والندوات وبعثت الى القرى والوديان مبشرين بلينين واستالين، مع منع الصلاة والصوم في المعسكرات والمدارس والعبث بالآثار التاريخية وتدميرها، وأثناء ذلك قتلوا رجال الدين والثقافة وسحلوهم في الاسفلت أمام الناس، وقتلوا بعضهم صدما بالسيارات، وهجروا بعضهم، وقمعوا صوت الأدب والشعر، وفعلوا في أقل من عشر سنوات مالم تفعله بريطانيا في 129 سنة، مع أن بريطانيا كانت سببا رئيسيا في تلك الأحداث حينما أججت نار الصراع بين الطرفين وفرضت اعترافا سياسيا أحاديا لطرف واحد تفجرت نار الحرب بين قوى الشعب بسببه، وانتقمت بريطانيا من شعب الجنوب والى الان، وصدق العلامة البيحاني الذي كان احد ضحايا تلك الحقبة إذ قال: والإنجليزُ مثلُ داءِ السلِّ .. يكاد لايخرج من معتلِّ وعمدت تلك الفئة الحاكمة الى ترحيل رأس المال الجنوبي واضطروه الى الفرار بجلده، وصادروا ممتلكات الشعب باسم التأميم، وقيدوا حركة التجارة الحرة، وتكاثرت طوابير استلام المواد الغذائية أمام المؤوسسات الحكومية، ولم تكن الكماليات من اللباس والغذاء تأتي الا تهريبا من الجوار فوق الحمير عن طريق الوديان والجبال الوعرة، ولم يصنعوا من المنجزات شيئا يذكر الا خلافا شرسا بينهم حول نافورات الماء في جولة الجمهورية بخور مكسر، وأغلب المنجزات كالمطار والميناء والرياضة وبناء المساجد والمستشفيات كانت في عهد الإنجليز أو هبة كويتية أو خارجية، أما الأمر الذي تفننوا فيه فسجون الإعدام وحالة رعب سيطرت على الشعب، ومحكمة الشعب التي دشنت مرحلة احتلال داخلي أشد وأخبث من الاحتلال الخارجي، بل وأدخلوا في الخط محتلا خارجيا تمثل في السوفيت والذين تفننوا بأذنابهم الداخليين بفرض سجن حديدي كبير على الشعب كما قال المناضل الشعيبي، والذي لقي حتفه في الخارج حين عارضهم وكتب شهاداته عنهم حين ارتكبوا جرائم في حق الشعب يُستحى من ذكرها في كل جوانب الحياة، مرحلة في تاريخ الجنوب وصمة عار أمام شعوب الارض، لافخر فيها ولامجد الا الأحقاد الثورية المجنونة التي أكلت الاخضر واليابس، الثورة في عهدهم التي باسمها قتل الرجل أخاه وعمه وابن عمه وجاره، وباسم الثورة .... عفوا أي ثورة؟ بريطانيا قد رحلت!! ثورة على من؟. إنها الثورة على الشعب العربي المسلم وتحت يافطة لاتمت للعروبة والإرث التاريخي بشيء، حاربوا باسمها كل شيء جميل وكل قديم أصيل، وحاربوا عادات العرب واستقدموا ثقافة وعادات السوفيت، ورفعوا صورة لحية ماركس ولينين في كل مبنى، وحاربوا الهوية العربية وقاطعوا المحيط العربي، ونتيجة ذلك كانت في كل سنتين او ثلاث تدور مباراة دموية، كرة القدم فيها رؤؤس الشعب حتى جعلت بعض الثوار على بريطانيا كالصماتي الصبيحي يردد بملء الفم: غلطنا على بريطانيا. وسلمت تلك الأحداث الدامية- كما وصفها بن عليو اليافعي - الشعب من ذلك اليوم النوفمبري من مرحلة الى مرحلة حتى دخلوا في وحدة أحادية مستعجلة بلاضمانات، بل كانت هروبا من حالة صراع داخلي وفشل اقتصادي ذريع، الوحدة التي كانت أنذاك شعار الشعب وأمنيته والتي تعثرت تحت طيش النزغ الجنوبي والطمع الشمالي، ثم أوصلتنا تلك المراحل الى هذه المرحلة الحرجة والتي تجلت فيها حماقة القوى السياسية الجنوبية التي تكرر نفس تجارب الأخطاء الماضية، ومع أن كثيرا من أساطين الصراع السابق من كل الأطراف لازالوا أحياء، لكنهم يجبنون أن يعتذروا للوطن ويقدموا الحلول المجدية لشعبه وللجيل الذي لم يعش تلك الأحداث لكنه وجد أخبارها وآثارها، ولم يجد في بلده المستقبل الواعد ولا الوعود الكاذبة تحققت، وعليه فإن على الجيل أمانة الحفاظ على عقله ومستقبله، وعليه أن يكون حذرا من تكرار سلبيات الماضي، ويكون حذرا من الشحن الخاطئ ضد الآخر من هنا أو هناك، فالأطراف كلها كانت مخطئة في حق الشعب والمستقبل، وعلى الشباب الواعد أن يتجاوز المرحلة ويبني حاضره ومستقبله وفق قيم المحبة والتسامح والمشترك الديني والاجتماعي والوطني والإنساني، وهذا هو مقصد هذا المقال والتذكير بالتاريخ المؤلم، ويطالع تلك الحقبة للإعتبار فقط وتجاوز الأخطاء، وعلى الآباء وشهود تلك المرحلة أن يكون حاضر خير للشاب الصاعد لا أن يصنعوا قنابل ثأر لمستقبل هذا الوطن الجريح حاليا، علما أنه قد دونت مذكرات سياسية جنوبية وخارجية تلك الأحداث أبرزها - لا على سبيل الحصر - وكلهم شهود ومعاصرو تلك الحقبة، أبرز الكتب: - شهادتي للتاريخ . عبدالقوي مكاوي - الاستقلال الضائع . د عبده الأدهل - مأساة شعب . د عبده الأدهل - ذاكرة وطن . علي ناصر محمد -الأهداف السامية والأحداث الدامية . محمد قاسم بن عليو - اليمن الجنوبي تحت الستار الحديدي . محمد علي الشعيبي - ذكريات عمران المناضل الإنسان . صالح الصلاحي - الخروج من الدائرة الحمراء ابو بكر المشهور - حرب الايام العشرة محمد كريم الشمري - صراع عدن . شاكر الجوهري علي المحثوثي