تتجسد فكرة الوقاية في مكوناته الحمائية، وأجلى تجسدا لها في كون المعنى الذي صاغه الخطاب الإلهي في القران الكريم وكذلك الأمر في السيرة النبوية، لتأخذ معنى لها اصطلاحها اللغوي، وأعمق مدلولا في الشريعة الإسلامية شمولية من حيث المعنى وجوهر الفكرة وأبعاد الغاية لفكرة الوقاية. فالوقاية لغويا هي من وقى: وقاه الله، ووقاية أي صانه: وجاء في الحديث'' فوقى احدكم جسمه النار " ووقيت الشئ أقية إذا صنته وسترته عن الأذى، وهذا اللفظ أريد به الأمر أن يقي أحدكم جسمه النار بالطاعة والصدقة. والوقاية بشكل عام هي أجراء تقوم فيه جهة معينة لاجل منع الشئ قبل وقوعه. والوقاية من خلال التعريفات لاصحاب الاختصاص انهم متفقين في الهدف، وان كان ثمة اختلاف بينهما فإنها أختلافات لفظية، إلا أن الوقاية هي التي يقصد بها الحماية من كل ما يعكر صفو الفرد والمجتمع وجاء في القران الكريم أجلى معنى ومفهوما ومدلولا للوقاية، وذلك في العديد من الايات الكريمة، مجسدة الوقاية في الإيمان والعمل الصالح والتقوى، فقد ورد مصطلح الوقاية باللفظ في دعوة الناس إلى الإيمان والعمل الصالح، والعبادة من خلال الصلاة هي وقاية للجسم ، والصيام وقاية لصحة الانسان، والزكاة وقاية لتطهير الانسان كذلك وكلها عبادة لله لله ووقاية للمسلمين، وتارة بالدعوة إلى تقوى الله عز وجل، وتارة بالدعوة إلى الوقاية من النار. وهي آيات كثيرة يصعب حصرها هنا، لذلك احب ان ابين ان الوقاية للانسان في المجتمعات الاسلامية هي بالتقوى الجامعة المانعة التي من خلالها اجتناب كل ما فيه ضرر الدين والدنياء لتنعكس على المجتمعات وافراده وصيانة الحريات المكفولة للانسان شرعا، وتقوى الله تعالى في مدلولها العام ترجع إلى اتقاء الإنسان كل ما يضره في نفسه وفي بني جنسه. ومن الآيات الكريمة ما تتعلق بالوقاية النفسية التي تقي الإنسان أمراضا كثيرة وعللا عديدة من أهمها شح النفس وأمراض القلب، وذلك في قوله تعالى " ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون" وهناك وقاية أخلاقية تسلم الإنسان من الفواحش والفتن كما جاء في قوله تعالى " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلا تشركوا به شيا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون " ومما وضحناه اعلاه ان الوقاية من الاضرار والاحداث قبل وقوعها قد بينه الله عز وجل في كتابه العزيز، وكذلك بينه الرسول المصطفى في سنته النبوية من تعاليم النبي محمد عليه الصلاة والسلام ومن اقواله وافعاله، تجسد أعمق المعنى في جوهرها وشموليتها عن الوقاية، فقد ورد مصطلح الوقاية في كثير من الأحاديث التي تدعو إلى الوقاية من الأعمال السيئة ومن النار، نذكر منها: حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" وهناك الكثير والكثير من الادلة في الكتاب والسنة وكذلك القوانين الوضعية لاجل الوقاية بما يخل المجتمع وافراده. لذلك على الانسان ان يعيد حساباته وخاصة في مثل هذة الايام الذي اصبحت بلداننا اشبة بالغابات والقوي يأكل الضعيف ناهيك من انتشار المخدرات والبلاطجة وانشار السلاح الذي جعل من مجتمعنا في وضع لا يحسد عليه. كل ذلك لن يحسمه امرا الا بالرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله وكذلك القوانين الوضعية المستمدة من الدين الحنيف، وتحصين كل مسلم بما قاله الله ورسوله ورع بيد من حديد في تطبيق القانون الوضعي وعمل التدابير الوقاية والاحترازية لتجنب كل ما هو مكروه ومحرم. وبذلك سوف نجد انفسنا جميعا في امن وأمان واستقرار اذا حصنا انفسنا بذلك. اخيرا على الدولة الشق الاكبر من المسؤولية اتجاة ما يعكر صفو المواطن وافراد المجتمع وصيانة الحريات. ان اغرض الدولة التقليدية هي ثلاثة الامن العام، والسكينة العامة، والصحة العامة وهذه هي الاهم فيجب على الدولة ان تعمل التدابير الوقائية اللازمة لتأمن المجتمع وافراده والعمل بكل جدية لتحقيق تلك الاغراض والتي من خلالها اذا ما وصلت الدولة لتحقيقها سوف يوجد الامن والاستقرار والبناء والتنمية والتهيئة لانجاز الاغراض الاخرى مثل الاقتصاد المادي والمنظر الاجمالى للمدن. اللهم اني بينت ذلك ولكم التوفيق والنجاح والصلاح الى ما ينفع ودمتم. الدكتور جمال المدعامي