للزكاة أهدافا عظيمة ونبيلة ، تتعدى الثواب، ومساعدة الفقراء إلى العلاج النفسي من امراض القلق والتوتر بطهارة نفس الفقير من الحسد، وطهارة نفس الغني من الشح البغيض، اضافة الى انها طهارة للمجتمع والمال، و نماء للمال وتزكيته، ووسيلة فعالة للضمان والتكافل الاجتماعي، كما ان لها أهدافا أخرى أسمى وأعمق. ويؤكد عدد من علماء النفس والاخصائيين النفسيين على أن أداء الزكاة المفروضة شرعا يعد احدى الوصفات الناجحة لعلاج امراض القلق والتوتر التي يعاني منها الكثير .. معتبرين ان عملية العطاء واخراج المال عملية نفسية من الدرجة الأولى فدافع الاعطاء يستفيد منه الطبيب النفسي في علاج مرض الاكتئاب والقلق لان طاقة الاعطاء في هذا الحالة مقرونة بما ينعكس على المعطي من الرضا والسعادة لشعوره ان عطيته ستساهم في ادخال الفرحة الى قلوب المعوزين والمحتاجين الذين تتكفل بهم الدولة .. وهو ما يؤيده علماء الدين الذين يرون ان العطاء راحة نفسية ونضوج الى مراحل ومراتب سامية و ان الزكاة علاجا لمعطيها لقوله تعالى " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم"... مبينين ان التكافل الاجتماعي الذي يصل لمجتمع الزكاة هو في الحقيقة وقاية من المرض الجسمي والنفسي وهذه الأموال سوف تصرف لإسعاد الآخرين وعلاجهم جسميا ونفسيا مما يقي المجتمع من الأمراض النفسية وينعكس كذلك على معطي الزكاة. ويشمل العطاء الزكاة والصدقة والقرض الحسن والزكاة واجبة والصدقة محببة ولها ثوابها. ويقول الدكتور معن عبد الباري استاذ علم النفس بكلية الطب جامعة عدن رئيس الجمعية اليمنية للصحة النفسية " الزكاة كاحد اشكال العطاء يؤثرا تاثيرا كبيرا على النفس الانسانية من حيث شعور المزكي بعمل الخير فذلك يجعله سعيدا مما يعني تخلصه من القلق والاكتئاب " موضحا ان الزكاة كفريضة شرعية تعمل على جلب السعادة النفسية للمزكي وتمنحه الراحة والاطمئنان والشعور بالرضا وهذه العوامل هي الاساس في التخلص من القلق والاكتئاب والتوتر. ويشاطره الرأي الاخصائي النفساني عبد الرحمن عبد الوهاب ويضيف " العطاء نضوج وسعادة لقوله سبحانه وتعالى " فأما من أعطى وأتقي وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى" وقوله على الجانب الآخر في الذي تقوقع وأنطوى على ماله " وأما من بخل واستغني وكذب بالحسني فسنيسره للعسرى" 0 ويلفت إلى أن الكرماء في اعطاء الزكاة وصلوا الى رشدهم المالي وعاشوا مع الآخرين في تكافل ومحبه فهم السعداء الذين أبعد القلق والاكتئاب عنهم0 ويؤكد الدكتورياسر عتيق محمد اليمني الاستاذ المساعد بقسم الدراسات الاسلامية بكلية التربية بجامعة عدن ان الانسان عندما يكثر ماله يحدث لديه مايشبه الطغيان فجاءت الزكاة لاخراجه من هذا الشح وحب التملك ولامتصاص هذه الطبيعة في النفس .. مشيرا إلى أن الزكاة أحدى الضوابط التي شرعها الاسلام لتقويم السلوك الفردي للانسان حتى يتلائم مع بقية المجموعات الانسانية الموجودة معه في المجتمع..موضحاً أن الحكمة التي شرعت منها الزكاة محاربة الشح والبخل الموجود في النفس البشرية مسترشدا بقول الله سبحانه وتعالى (ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى) . وتبين الاحصائيات الحديثة ان ثمانين في المائة (80%) من مرضى المدن الأمريكية الكبرى يعانون أمراضاً نفسية يعزو علماء النفس جذورها الى الكراهية والحقد والجريمة والخوف والإرهاق واليأس والترقب والشك والاثرة والانزعاج من البيئة.. منوهين الى ان كل هذه الأعراض تتعلق مباشرة بالحياة المحرومة من الإيمان بالله. ويجمع الأطباء النفسيون على ان الزكاة كاحد الشعائر الدينية تدريب على عادات سلوكية إيجابية محددة ومع تكراريتها تصبح جزءا لا يتجزأ من سلوك الإنسان.. مشيرين الى ان قيمة المال ليست قيمة مادية نهائية متناهية وإنما فيما يؤديه من وظائف وأعمال دنيوية ودينية فالزكاة طهارة للمال بالمعنى الديني كما ان التعود عل الأخذ والعطاء في حركة ديناميكية إيجابية تمتد لتشمل كل إمكانات الحياة وليس المال فقط . ويوضحون ان التكافل الاجتماعي الذي تحققه الزكاة بين أفراد المجتمع غنيهم وفقيرهم يؤدي إلى وحدة الأمة وجدانيا وبالتالي إلى استقرارها وأمنها... ومن هنا نصل إلى كثير من الطمأنينة النفسية للقادر وغير القادر. ولإن المال محبوب بالطبع فالاستغراق في حبه يذهب بالنفس بعيدا عن حب الله تعالى وعن التأهب للآخرة، فاقتضت حكمة الشرع تكليف مالك المال باخراج جزء من المال محدد من الخالق عز وجل ليصير ذلك الاخراج كسرا من شدة الميل الى المال وتنبيها للانسان على أن سعادته لا تحصل عند الاشتغال بطلب المال وانما تحصل عند انفاق المال في طلب مرضاة الله تعالى . ويقول فضيلة العلامة عبد الرحمن مكرم عبد الله مكرم إمام وخطيب الجامع الكبير في الحديدة " الزكاة تطهير لنفس الغني صاحب المال, فاخذ جزء من مال الغني بأمر من الواهب له هذا المال وهو الله سبحانه وتعالى الذي أراد بذلك أن يطهر نفسه من الإمساك وأن يحرره من سيطرة حب المال الحب الممقوت الذي يرفع صاحبه إلى عدم الإنفاق مما استخلفه الله عليه فجاء الأمر من الله ملزما كي لا يحصل التردد في تنفيذه". ويشرح الشيخ نصر محمد عبد الله سميح أحد العلماء البارزين بمحافظة أبين الحكمة من فرض الزكاة ويقول " تسعى الزكاة الى تحقيق جملة من الاهداف فهي تطيهر للمزكي من الشح وتحريره من عبودية ماله لقوله تعالى ( ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون ) ، وهي ايضا تدريب على الانفاق في سبيل الله وهي صفة ملازمة للمتقين في سرائهم وضرائهم ، وهي شكرلنعمة الله وعلاج للقلب من حب الدنيا وتزكية للنفس قال تعالى ( خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، كما انها تزكية للمال ونما له لقوله سبحانه ( وما انفقتم من شيئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) ". وينوه الى ان الزكاة من الجانب الآخر تحرر آخذها من الحاجة سواء كانت مادية كالمأكل أو كانت حاجة نفسية حيوية لزواج اوحاجة معنوية فكرية ككتب العلم ، مبينا ان الزكاة تطهر آخذها من الحسد والبغضاء فالانسان الفقير المحتاج حين يرى من حوله من الناس يعيشون حياة الرخاء والترف ولايمدون له يد العون فانه قلماّ يسلم قلبه من الحسد والحقد والبغضاء عليهم وعلى المجتمع ، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الحسد والبغضاء فقال ( دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء ، والبغضاء هي الحالقة اما اني لااقول حلق الشعر ولكن تحلق الدين ) 0 ويقول فضيلة الشيخ أبو حامد الغزالي في كتابه " احياء علوم الدين " ..ان البخل من المهلكات قال صلى الله عليه وسلم " ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه " وقال تعالى " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " ولا تزول هذه الصفة الا بأن تتعود بذل المال فحب الشيء لا ينقطع إلا بقهر النفس على مفارقته حتى يصير ذلك اعتياداً فالزكاة إزالة للبخل وتضعيف لحب المال . ويضيف " الزكاة بهذا المعنى طهرة أي تطهر صاحبها عن خبث البخل المهلك وإنما طهارته بقدر بذله وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى الله تعالى". ويلفت الغزالي الى ان حب الجاه أشد استيلاء على النفس من حب المال وكل واحد منهما مهلك في الآخرة ولكن صفة البخل تتقلب في القبر في حكم المثال عقرباً لادغاً وصفة الرياء تقلب في القبر أفعى من الأفاعي وهو مأمور بتضعيفهما أو قتلهما لدفع أذاهما أو تخفيف أذاهما فمهما قصد الرياء والسمعة فكأنه جعل بعض أطراف العقرب مقوياً للحية فبقدر ما ضعف من العقرب زاد في قوة الحية ولو ترك الأمر كما كان لكان الأمر أهون عليه. ويقول علماء الدين " اداء الزكاة المفروضة فيها إزالة للأحقاد والضغائن التي تكون في صدور الفقراء والمعوزين ، فالفقراء إذا رأوا تمتع الأغنياء بالأموال وعدم انتفاعهم بشيء منها ، لا بقليل ولا بكثير ، فربما يحملون عداوة وحقداً على الأغنياء حيث لم يراعوا لهم حقوقاً ، ولم يدفعوا لهم حاجة ، فإذا صرف الأغنياء لهم شيئاً من أموالهم على رأس كل حول زالت هذه الأمور وحصلت المودة والوئام". فيما يعتبر الامام شمس الدين ابي عبد الله بن قيم الجوزية في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد الزكاة احد اسباب شرح الصدر... ويرى ان البخيلُ الذي ليس فيه إحسان أضيقُ الناسِ صدراً، وأنكدُهم عيشاً، وأعظمُهم همَّاً وغمَّاً .. مستدلا بما ضربه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الصحيح مثلاً للبخيل والمتصدِّق، كمَثَل رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا هَمَّ المُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ، اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ، حَتَّى يَجُرَّ ثِيَابِهُ وَيُعْفِىَ أثَرَهُ، وكُلَّمَا هَمَّ البَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ، لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، وَلَمْ تَتَّسِعْ عَلَيْهِ . فهذا مَثَلُ انشِراحِ صدر المؤمن المتصدِّق، وانفساح قلبه، ومثلُ ضِيقِ صدر البخيل وانحصارِ قلبه . من هذا نرى ان الزكاة صحة ووقاية جسمية وصحة وعلاج نفسي لأمراض القلق وتوترات العصر0 سبانت