هناك مثل شهير يقول: "أن الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين، بنفس الأسلوب ونفس الخطوات، مع انتظار نتائج مختلفة". في نوفمبر من العام 2019م تم توقيع إتفاق الرياض بين الفرقاء، وبعد اسابيع من ذلك أعلن كلا الطرفين إنسحابهم من هذا الإتفاق، وذلك بسبب فشل التوصل إلى تنفيذ الشق الأمني والعسكري منه، وبعدها نجحت المملكة العربية السعودية في إنجاز مفاوضات أخرى ليكون هناك إتفاق رياض في صيغته المعدلة في يوليو 2020م، وبين هذه الفترة وتلك كانت المعارك على اشدها بين طرفي النزاع حيث سقط فيها العشرات من القتلى والجرحى، في حرب إستنزاف يقتل فيها الجنوبي أخاه الجنوبي.
وبعد التعديلات الأخيرة اعلنوا أنه تم التوصل إلى حل لتنفيذ هذا الإتفاق بحكومة محاصصة بين الطرفين، وكان الإختلاف كذلك قائم في توزيع الحقائب وتسمية الوزراء، وهدد كل طرف بالإنسحاب مرة ثانية وثالثة من المفاوضات، ليعلنوا قبل يومين أن هناك وساطة من الاخوة في السعودية اسفرت على إتفاق تسوية لتنفيذ الشق الأمني والعسكري بقيادة لجنة من التحالف وصلت إلى أبين للإشراف على ذلك، ولكن لغة التهديد والوعيد وتبادل الإتهامات بين الطرفين مازالت تسمع إلى الساعة، والإتفاق مازال هشاً وهذا مؤشر خطير قد ينذر بتجدد الصراع مرة ثانية.
وفي خضم هذه التعقيدات السياسية والأمنية، وفي ظل التدهور الإقتصادي الكبير الذي وصل فيه صرف الدولار إلى 930 ريال، وفي ظل الأزمة الإنسانية التي حذرت منها المنظمات الدولية ودقت ناقوس الخطر عن مجاعة هي الأكبر في التاريخ، حشد في الأمس أطراف النزاع إعلاميهم ومحلليهم الفيسبوكيين ليعلنوا النصر الذي حققوه..! وبالإدلة والبراهين والتحليلات الرنانة والمقالات الطنانة حتى يقنعوا المواطن الذي يعاني الأمرين بسببهم، أن هناك طرف أنتصر على الطرف الأخر، مثلما فعلوا ذلك في اتفاق الرياض الأول الذي افشلوه، وهكذا يستمر الهرج والمرج واللعب على اوتار الوهم بتحقق مكاسب سياسية كبرى، والوطن يخسر كل يوم من خيرة ابنائه، فهل يعتبروا أن النصر الحقيقي هو بإستلام حقيبة وزارية أو منصب حكومي ..! وهم يعلموا بأنهم كانوا شراكاء من قبل في 2016م عندما كانت 80% من الحقائب الوزارية للجنوبيين، وجميع المحافظات الجنوبية يديرها محافظين جنوبيين، كل مافي الأمر أننا سنعود إلى الوراء لنقطة الصفر مع إختلاف الأسماء والمسميات (شرعية وانتقالي)، ليصبحوا شركاء من جديد ويعودوا لعدن مثلما كانوا من قبل. من هو المنتصر الحقيقي ومن هو الرابح والخاسر والوطن ينازع في الرمق الأخير ويعيش اسوأ أزمة إنسانية لم يشهدها التاريخ من قبل، حباً في الله اوقفوا هذا العبث ولا تمتحنوا صبر الشعب الذي ضحى من أجلكم بأغلى مايملك، واعلموا بأن البطون الخاوية لا تسمع للشعارات الفضفاضة، لاتفقدوا ثقة الشعب فيكم وهو يرى مستقبل ابنائه ينهار يوماً بعد يوم، إتفاق الرياض هو الأمل الأخير لنا بعد الله الذي يمكن ان ينقذ ماتبقى من الوطن ويحقن الدماء الذي تسيل كل يوم، وإذا كانت هناك نية صادقة في تطبيق بنوده هنا سيكون الإنتصار الحقيقي للسلام، والتاريخ لن يرحم وسيكتب كل شيىء.