ليتني أستطيع أن أزرع كفي ومكان نومي قمحاً لأطعمَ شعبي المغلوب على أمره!! .. ليتني أستطيع أن أعجن بيدي ابتسامة طويلة الأمد لأخبزها على وجوههم!! .. ليتني أستطيع أن أعيد تشكيل عقول الساسة. لا أستطيع .. ولكن!! ماذا لو استقال الحكام واستبدلناهم بفقراء الكوكب .. وحدهم الفقراء من يجيدون الوطنية عن ظهر قلب، وحدهم من يستطيعون بناء الوطن ؛ لأنهم لا يجيدون تمثيل الأدوار، بل يعلمون جيداً أن الوطنية تكمنُ في التضحية لا في الفائدة، ويعلمون أن الوطنية ليست في المناصب التي يتبوأها الفرد بل فيما يقدمه لوطنه حلَّ الجوع .. ووحده الجوع من يقصم ظهورنا. تخيل أن تقضي يومك فوق تراب هذا الوطن عاملاً ومعلماً لتعود إلى منزلك وأنت تحلم بكسرة خبز يابسة تسد بها رمقك. نمضي بخطىً واثقة كما تتقدم أمواج الغضب نحو شواطئ مجهولة، نحو تلك المدينة المنكوبة التي أصبحت اليوم رهينة جوعٍ وحرب طاحنة أفقدتها شهيقها وزفيرها. نناشد الزمن .. لأن الزمن يقهر الزوايا المنغلقة في روابي المأساة، ويُغلق الجراح .. نريد أن ننسى هذا الزمن العاري، زمن الحياة الزائفة، زمن الخجل من التقدم، الزمن الذي وُلدنا فيه داخل الفقر والجوع والمرض، الزمن الذي انقلب فيه السلام رأساً على عقب، زمن الدموع والقلق. دروب مغلقة وأحلام بسيطة وقيود عتيقة وحلمٌ مكبّلٌ بأحلام الساسة، ولم يتبقَ على الموت إلا نبضة، ولم نعد نحلم أن نقضيها بالرفاهية والفخامة، بل بالحصول على كسرة خبز تشغلنا عن الموت بضع نبضات. الموت متشبثٌ بنا من جميع النواحي .. حربٌ وجوعٌ، ومن لم يمت بالحرب مات بالجوع. الموت مؤكد .. ولكن من حقنا أن نموت بطريقة إنسانية. الآن بدأتُ أتذكر تلك الذكريات المؤرقة لأدوّنها بجمرات أوقدها خيال الكتابة. هل سبقَ أن حلمتَ بكسرة خبز تسد بها رمقك؛ خوفاً من الموت ..؟! نعم .. فلستَ في زمن عمر بن عبدالعزيز الذي قال : "انثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طيرٌ في بلاد المسلمين" .. ولكن أريد أن أعرف، كيف كان عمر بن عبدالعزيز لا يجد فقيراً ليعطيه الزكاة، رغم أنه لم يكن تاجر نفط؟!