دفع تفجر الغضب بالشوارع احتجاجا على اعمال القمع التي قامت بها الشرطة والفقر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الى التخلي عن السلطة يوم الجمعة مما أثار حالة من القلق في أوصال حكومات لا تتمتع بدعم شعبي في المنطقة العربية. وترك ابن علي السلطة بعدما أمسك بزمامها لنحو 25 عاما وقد غادر البلاد ولم يعرف الى اين على وجه الدقة. وقال رئيس الوزراء محمد الغنوشي في كلمة للتونسيين انه سيتولى السلطة لحين اجراء انتخابات مبكرة. وساد الهدوء شوارع تونس في ظل تواجد أمني كثيف لكن بعض المحللين شككوا فيما اذا كان تغيير واجهة السلطة سيرضي المحتجين. وبعد أيام من الاضطرابات التي انتشرت من بلدات اقليمية الى العاصمة تونس وخلفت عشرات القتلى بعدما حاولت قوات الامن احتواء مظاهرات الشبان الغاضبين أعلنت الحكومة حالة الطواريء وفرضت حظرا للتجول من غروب الشمس حتى الفجر. واخفقت اخر محاولة لاعادة الهدوء وفي غضون ساعات اعلن ان ابن علي ترك السلطة. وأثار العنف والتحول السريع في مسار الاحداث قلقا في أنحاء العالم العربي حيث تواجه أنظمة حكم ضغوطا مشابهة من أعداد متنامية من الشبان والمصاعب الاقتصادية وتزايد التشدد. وقالت مؤسسة ستراتفور الامريكية لاستشارات المخاطر السياسية "يمثل سقوط ابن علي أول سقوط لنظام استبدادي في مواجهة انتفاضة شعبية في العالم العربي. "سينظر الان الزعماء في أنحاء العالم العربي لاسيما في منطقة شمال افريقيا الى المثال التونسي بقلق بشأن كيف يمكن أن يتكرر الوضع في بلدانهم." وبدت تونس هادئة نسبيا مساء الجمعة ولم تظهر ادلة على وقوع احتجاجات جديدة بعد اعلان الغنوشي تولي السلطة الي حين اجراء انتخابات. وما زال من الممكن سماع اصوات اطلاق نار بين الحين والاخر. وحلقت طائرات للشرطة فوق المدينة بعد ان وعد الغنوشي خلال مقابلة مع محطة تلفزيون خاصة بحماية الناس من اللصوص. وبدا ان الهدوء الذي حل بعد ايام من اعمال العنف الشديدة في الوقت الي قال فيه بعض التونسيين ان المظاهرات قد تستأنف قريبا. وقال فاضل بالطاهر وهو شقيق رجل قتل في الاشتباكات لقناة الجزيرة ان الاحتجاجات ستستأنف قريبا. وقال ان المتظاهرين سيعودون الى الشارع يوم السبت في ميدان الشهداء لمواصلة العصيان المدني الى ان يذهب هذا النظام. ولكن البعض كانوا في حالة ابتهاج بشكل اكبر. وقال محمد فاضل وهو عضو في نقابة عمالية محلية ان نحو خمسة الاف شخص تجمعوا في مدينة منزل بو زيان جنوبي تونس في الشوارع للاحتفال بمغادرة ابن علي . ولم يعرف بعد مكان تواجد ابن علي مع اعلان قناة الجزيرة انه في طريقه الى الخليج وذكرت قناة العربية المملوكة للسعودية انه متوجه الى قطر.
وكان يعتقد اصلا انه توجه الى فرنسا ولكن وسائل اعلام فرنسية نقلت عن الرئيس نيكولا ساركوزي قوله ان فرنسا رفضت اعطاء ابن علي اذنا بدخول البلاد. وذكرت صحيفة لو موند الفرنسية أن طائرة قادمة من تونس وصلت الى مطار لو بورجيه بضواحي باريس الساعة 1830 بتوقيت جرينتش تقل ابنة وحفيدة لابن علي. وقال محمد بن كيلاني وهو طيار في الخطوط الجوية التونسية لمحطة هانيبال التلفزيونية التونسية الخاصة ان افرادا من عائلة زوجة ابن علي طلبوا منه نقلهم الى خارج البلاد صباح الجمعة ولكنه رفض. وتغض الدول الغربية الطرف منذ فترة طويلة عن الحكام في المنطقة الذين يوفرون لها حصنا في مواجهة الاسلاميين الراديكاليين. وقادت الولاياتالمتحدة دعوات دولية للهدوء واعطاء الشعب التونسي حرية اختيار حكامه. وقال الرئيس الامريكي باراك اوباما في بيان "أدين واشعر بالاسف لاستخدام العنف ضد مدنيين عبروا سلميا عن ارائهم في تونس وأشيد بشجاعة وكرامة الشعب التونسي. "أدعو كل الاطراف الى التحلي بالهدوء وتجنب العنف واطالب الحكومة التونسية باحترام حقوق الانسان واجراء انتخابات حرة ونزيهة في المستقبل القريب تعبر عن الارادة الحقيقية للشعب التونسي وطموحاته." ونصحت عدة بلدان غربية مواطنيها بتجنب السفر الى تونس بسبب انعدام الاستقرار. وقالت شركة توماس كوك للرحلات انها قامت باجلاء نحو اربعة الاف سائح الماني وبريطاني وايرلندي من تونس. ولم يعرف بعد الى اي مدى يستعد الاشخاص المحيطون بابن علي للتخلي عن السلطة لجماعات المعارضة. وقال الغنوشي "اعتبارا لتعذر على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بصفة وقتية أتولى بداية من الان ممارستي سلطات رئيس الجمهورية." وأضاف "وأدعو كافة ابناء تونس وبناتها من مختلف الحساسيات السياسية والفكرية ومن كافة الفئات والجهات الي التحلي بالروح الوطنية والوحدة لتمكين بلادنا التي تعز علينا جميعا من تخطي هذه المرحلة الصعبة واستعادة أمنها واستقرارها." وأعلن ابن علي الذي يتولى السلطة منذ عام 1987 حالة الطواريء في وقت سابق الجمعة وهدد باطلاق النار على المحتجين اذا تصاعد العنف. كما أقال الحكومة ودعا الى انتخابات برلمانية مبكرة. واندلعت الاضطرابات حين منعت الشرطة شابا عاطلا من خريجي الجامعات من بيع الفاكهة بدون ترخيص مما دفعه الى اضرام النار في نفسه ليلقى حتفه بعد ايام متأثرا بجروحه. ومع تصاعد العنف أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق حشود في وسط العاصمة تونس تطالب باستقالته فورا. ولم يقتنع المحتجون بتعهده بعدم خوض انتخابات الرئاسة القادمة في 2014 . ورأى مصور لرويترز اشخاصا ينهبون متجرين كبيرين في ضاحية النخيلات على مسافة عشرة كيلومترات من العاصمة. واضاف انهم اضرموا النيران في مركز الشرطة المحلية. وقال مراسل لرويترز انه في كل مربع سكني تقريبا في تونس العاصمة كان الناس يقفون في الشوارع وقد امسكوا بعصي لحماية العربات والمنازل من عمليات النهب. ووصف زعيم المعارضة نجيب الشابي -أحد أشد منتقدي ابن علي- ما حدث بأنه "تغيير نظام". وقال لتلفزيون اي-تلي الفرنسي "هذه لحظة حاسمة. هناك عملية تغيير نظام جارية. الان مرحلة الخلافة. "يجب أن تفضي الى اصلاحات عميقة.. لاصلاح القانون وترك الاختيار للشعب."