في طريقنا لنُعيد فرحة الألف بشر .. في تلك الطريق الرابط بين الصحة والمرض، بين المدينة والريف، بين الحياة والموت. كانت رحلتنا .. نحو تلك المنطقة التي عم الخراب نواحيها، شُرِّد أهلها، ويُتم أطفالها، ودُمرت منازلها. لفَظَتهم الحياة ووحدها تلك التُربة من فتحت لهم أحضانها. تحدثنا عن الوطنية .. وكيف لك أن تتحدث عن الوطنية أمام فقيرٍ جائع .. الجائع لن يرى الوطن إلا على هيئة رغيف خبز. كيف لك أن تتحدث عن الصبر أمام مريضٍ مُقعد يَعلم الصبر بكل نواحيه. أجرينا بحوثنا، وجرت دموعنا نحو سواحل الخدود، ولم نجد تلك الوطنية الصادقة في قلب أحد بقدر ما وجدناها في قلوب الفقراء والمشردين. "القناعة كنزٌ لا يفنى" عبارة لا أُنكرها أبداً، ولكن ليس إلى ذلك الحد الذي لا ريب فيه؛ فأنا أظنّ أن من ابتدعها هم الحُكام، فقط ليقنعوا شعوبهم بكذبهم، وحتى يتسنى لهم سرقة الشعوب؛ ليُقنعوهم بالرضا بما يأتيهم من حقوقهم ولو كان لا يسدّ رمقهم، ابتدعوها ليأكلوا الأخضر واليابس، ويكفي شعوبهم تلك العبارة التي أحدثوها، لتكون دليلاً كافيًا وحُجةً مقيتة لأفعالهم؛ لتكون غطاءً لجشعهم، لأن جشع الحُكام أكبر مما تتصور، ولن تَفهم ذلك إلا إذا أذلك الله وصرت حاكماً. القناعة .. ليس كما رُوج لها ..!! القناعة الحقيقية أن ترضى بما أعطاك الله، لا بما أعطاك الساسة. لأن الساسة يقنعونك بأن تُعطي لا تأخذ، بأن تصمت عن المطالبة بحقوقك المشروعة دون تحدث، بأن تكون عبداً ذليلاً لا مواطناً صالحاً، يقنعونك بالصمت في مَواطن الجوع والألم. في هذا الوطن .. كل شيء غالي الثمن .. الأرض، الأكل والشرب، الدواء والوفاء .. سوى الدماء والهواء؛ رخيصةٌ ك رُخصهم ..! وحده الأكسجين الذي نستنشقه .. بالمجان، لأن الساسة لا تملكُ سُلطةً عليه. وأخاف أنت يأتي زمنٌ يطالبنا فيه الحُكام بدفع ثمن الهواء.. شكراً على مجانية الهواء ..!!