لا تستطيع أن تبني شرعية حكم في هذا البلد قائم على إرادات الناس ووفق الآليات المدنية الحديثة في وسط أقليمي لا يبني شرعية حكمه على نفس الأدوات والوسائل, ويستمد شرعية حكمه عبر الإكراه والغلبة, ولذا فإن معضلة هذا البلد هو الوسط الجيوبوليتكي في الإقليم ذاته, ولهذا فإن هذه الدول التي تعاني من هذه المعضلة لن تسمح لأي تغيير يتم عبر إحترام إرادات الناس وإعتبارها المعادل الحقيقي والأساسي لأي شرعية حكم .. وهذه الوفرة المالية في المنطقة ستظل عائقاً رئيسياً وبواسطتها يتم تخريب كل تطلع لأصلاح المنظومة السياسية في المنطقة, حيث ستظل كل مشاريع الثورات عرضة للأجهاض, وستظل الوفرة المالية وسيلة تخريب وشراء الضمائر وتقوية صفوف القوى التقليدية في المنطقة من مشائخ ورجال دين يغيبون عقول الناس ويعطلون الإرادات.. حتى يظل الطابع اللصوصي للأنظمة قائماً والمعتمد على إقتصاد الريع النفطي, وفي هذه تلتقي مصالح قوى الهيمنة المحلية مع مصالح قوى الهيمنة الدولية المتمثلة بالشركات العبارات للقارت, وهدفهم المشترك أن يظل العقل مغيباً في هذه المنطقة الحيوية, وستظل قوى الحداثة والمدنية تحرث في بحر خيباتها إذا لم تدرك هذه المعضلة وتترك أوهام تفكيك هذه التركيبة بالتحالف مع جزء من التركيبة التقليدية أو من داخلها, ففي الأخير هذه القوى مربوطة بحبل سري إلى أنبوب النفط وتتغذى منه ولا يمكن أن تلتقي مصالح هذه القوى مع الأفكار المدنية والحداثية, وعلى قوى المدنية والحداثة أن تعي أن التغيير يحتاج إلى طول بال وصبر ونفس طويل في العمل وسط الناس عبر النضال الدؤوب وطويل الأجل, وعليها أن تغادر عقدة فولتير وديدرو والتنويرين.
كان ديدرو مثل غيره من مفكري التنوير يعتقد أن التقدم الاجتماعي يمكن أن يكون أصلاحيأ يبدأ من أعلى،وأنه يتوجب على المصلحين أن يضفروا برضا الملك. لكنه أيقن بعد مناقشاته - مع ملكة روسيا كاثرين الثانية(1729-1796) - خطل فكرة كهذه ؛ إذ قال حينها" يبدو لي أن مصدر كل سلطة سياسية ومدنية لا يمكن أن يكون سوى رضا الأمة.. فليست هناك سيادة حقيقية إلا سيادة الأمة، وليس ثمة مشرع حقيقي سوى الشعب... وسوف تكون القوانين عقيمة لا فائدة منها إذا كان هناك عضو واحد في المجتمع له الحصانة في انتهاكها.. الخط الأول في التصور السليم للقانون هو أنه ينبغي أن يكون ملزما للسيادة" لذلك فإن كل الإصلاحات المبنية على الناس كقاعدة مأمونة ومضمونة وتؤسس لمشروعية عمادها الناس .