إن تم ذكر اسم أحمد عدوية في أي منبر مرئي أو إذاعي أو في حديث خاص سوف يتبادر إلى ذهن الجميع من يدعونه أهله وذويه سابقا ب صبي العالمة ! ذلك الرجل الذي يغني خلف الراقصات في المسارح والملاهي الليلية , سوف تنتزع صفته الإنسانية وسوف تحل محلها مهنته , وإن تم ذكر أحد أشياخنا الكرام بلحاهم الوقورة قطعا سوف يتبادر إلى ذهن أغلبنا الصلاح والتقى والزهد والقرب من الله ! ليس في ذلك غرابة لأننا أعتدنا أن نقيّم الأمور بهيئتها الظاهرة فقط , و لا نكلف أنفسنا عناء البحث حتى نقف على قاعدة حقيقية متينة في حكمنا على الأشخاص والظواهر .. أعتدنا في مجتمعاتنا العربية أن نغفل حسنات البشر في وجودهم وقد يطالهم ظلمنا وتجاهلنا وهم بين جنباتنا , ولا نتذكر محاسنهم إلا حين ينتقلون إلى الرفيق الأعلى , بعد ان يصبحون ذكرى , ولكن الغريبة في الأمر اني منذ أكثر من 15 عاما مضت وأنا أسمع عن أمور قد لا يصدقها بعض من يهتمون بالقشور عن عدوية وكرمه وسخاءه الحاتمي ! أغلب أفراد أسرة أحمد عدوية قد تبرأوا منه قي بداياته وقاطعوه وقطعوا صلتهم به عندما أصر على امتهان مهنة الطرب الذي يحبها ويجيدها وكانوا يعايرونه حين يناودنه ب صبي العالمة و لكنه حين بدأ يشتهر و يظهر في التلفزيون المصري بعد انتهاء مدة المنع المفروضة عليه في جميع مرافق الإعلام المصري وأصبح مشهورا وغنيا ! لم يجازي إخوته بالجفاء ويعاملهم بالمثل بل وقف معهم مواقف لا يفقهها إلا شخص معدنه أصيل ودعمهم وأبنائهم بكل ما يملك ولم يتبرأ منهم ولم يقوم بتذكيرهم بمواقفهم معه لأنه يملك روحا نقية لا تحمل ذلك الحقد الذي يمكن ان يصيب أي أحد جرح او تمت إهانته من قبل أهله وذويه ! أشترى شقة تمليك لأحد عازفيه كأنه يشتري له أمر رخيص وقام بشراء دور كامل في إحدى العماير لأحد أصدقائه الأوفياء القدامي , و قام بأعمال خير لا تعد ولا تحصى ولا تستطيع ان تذكر أحمد عدوية في أي من أحياء مصر الشعبية إلا ويصفون كرمه وجدعنته مع المحتاج ! استوقفتني جزئية بسيطة من حوار طويل أجراه مع طوني خليفة و تأملت إجابته حين سأله طوني خليفة : متى يبكي أحمد عدوية ؟ وأين يبكي ؟ *لا أبكي إلا في غرفة نومي , أبكي كثيرا لسه أولة أمبارح بكيت بحرقه ! لماذا بكيت ؟ *لأني شعرت بالألم لأن ممرضة حماتي سرقت بعض المال من غرفة نومي ؟ وهل كان المبلغ يستحق ان تبكي عليه كما أعرف انك لاتهتم كثيرا بهذه الأمور ؟ اجابه بحدة ... *لم يكن بكائي لأجل المال ولكني شعرت بالغدر والخيانة من إمرأة تأكل من مأكلي وتشرب من شربي وأكسيها وأعطف عليها ! بكيت منها وعليها لأني شعرت بالوجع مما حدث ! كان يكفيني لأن ألتقط هذه الإلتقاطة لأدرك اني أمام كيان ممتلئ بالإنسانية لم تمنعني مهنته التي قد يستعار منها بعضنا لأحيله إلى كيان معدم دون قيمة خالي من أي معنى من معنى الإنسانية ! مقاييس العفة معلومة ولكنها قد لا تكون ظاهرة وملحوظة ! وإن تمسكنا بالعفة الظاهرة سوف نذهب إلى ما ذهبت إليه تلك الثرية الإيطالية في نهاية السبعينات عندما أبتعثت أبنتها للدراسة ولم توافق إلا بعد أن قامت بتوقيع اتفاقية مع إحدى شركات التأمين للحفاظ على لحمة العفة لم يتم إبتعاثها إلا بعد ان تمت توقيع الإتفاقية متناسية تلك السيدة ان التأمين على الجزء الأسفل لا يمنع الجزء الأعلى من ان يخوض مئات الحروب ايضا ويمكنه ان يغني عن الجزء الأسفل لبعض الوقت ! بكى عدوية وأعتصم في غرفته لإحساسه بالألم من موقف لم يكن له دور فيه ولكنه إحساس بوجع الآخرين و مدى قسوة الحياة التي قد تجبر المرء على ان يخون ويغدر ولي نعمته ! ولكن هل بكى العواضي او أحس بالذنب او دخل في مرحلة إكتئاب وتأنيب ضمير عندما قام ذويه بإزهاق تلك الأرواح البريئة , روحي حسن وخالد ؟ هل يجوز لي ان أقارن ؟ لا أستطيع ان أتخلى عن إنسانيتي وأقارن بينه وبين بعض من ندعوهم بالشيوخ لأنها سوف تفتقد الى العقل والمنطق و لا مجال للمقارنة بين من يزرع الحياة لمن حوله وبين من يزرع الموت للمارين من أمام موكبه .