أشرقت شمس الصباح ولأمست ألسنة أشعتها وجوة أبناء عدن، لتظهر ملامح الشيخوخة في سن الشباب من تجاعيد تحمل في طياتها الألم والبؤس والهلاك، وعيون قد نزفت دموعها قهراً لم يفارق خدودها سوى بنقشاً على الخدود ممتد إلى أخمص الأقدام، وعقول قد عانقت الأنتحار أكثر من مرة بسبب ضيق المعيشة . هذه الملامح التي أُشاهدها كل يوم تُضيق الخناق على جميع وجوة أبناء عدن، قد سببت لي حُزناً أليماً الذي أجبرني أن أشد رحالي إلى البحر لربما زرقة البحر تُطبطب على أكتاف أحزاني، وتذيب همومي النفسية والمعيشية التي أستحوذت ليس فقط علي بل على جميع أبناء عدن الحبيبة . وبينما نظراتي تتمخطر على موج البحر بطوله وعرضه وعلى السلسلة الجبلية المسورة حول بحر جولدمور، أنبت وعاتبت نفسي وقلت : مازالتِ ياعدن أجمل عروسة بحر على كوكب الارض، ولكن إلى متى ستظلي صامدة في وجه المؤامرات ؟ فإذا بأنين شاحب مشحون بأهات يقول : إلى أخر قطرة ماء في بحري سأصبر وإلى أخر ذرة أكسجين في هوائي سأصمد، فلن أيأس من رحمة الله الذي سيخلق من أصلابكم رجالٌ تخلوا أجسادهم من اليأس، وتفقه عقولهم المؤمرات المنسوجة ضدهم وتُنقى قلوبهم من المناطقية العمياء، وأخرها يتعلموا من أخطاء ماضيهم الأليم . هؤلاء الرجال الذين سينتزعوا من كبد العدم الأستقرار، وسينبشوا من قلب الحاضر أخلاق الحب وروح الأخاء التي ستجمع أكتافهم كالأسنان المرصوصة لبناء قواعد لمستقبلهم المُشرف المريح . فقلت: ياعدن أمازال لديكِ تفاؤل وأمل بعد مرور ثلاثين سنة على معاناتك، أي منذ الوحدة إلى ألان ، أمرك غريب ياعدن ؟!!، فتفاجأت من ردها الدقيق والسريع حيث قالت : بل تسعة وعشرين سنة و سبعة أشهر، فضحكت ، وقلت لها : أراكِ قد حسبتي مدة معاناتك بالأيام وربما بالساعات، فماذا تعني لكِ هذه الخمسة الأشهر التي حين نطقتيها أرتسمت على ملامح وجهك الأبتسامة والسعادة والشباب ؟!!. قالت : إنها الفترة الوحيدة منذ الوحدة التي بها أُعيد لي شبابي وبدأت مفاتني تظهر وعلى اليد الحنونة المخلصة الصادقة لسيدي وتاج راسي . فأنبهرت وأوقدت في جوف صدري نار الغيرة وقلت لها : من هذا سعيد الحظ الذي تناديه بسيدي وتاج راسي ؟ فقالت : انهُ البلسم الذي يشفي جراج اليأس في قلوب كل أبناء عدن بكافة أطيافة من المسؤولين الفاسدين ، ليعيد ذاكرة مهام المسؤول المستوحاة لاجل خدمة أبناء عدن وليس العكس . ومن ينسى أنهُ _ ولأول مرة والوحيد من المسؤولين _ الذي جعل أبناء عدن (عن بكرة أبيهم وبتنوع مناطقهم ) يعزفون على مسامعي أجمل سمفونية حب ورضاء تام عليه وعلى عمله المشرف في عدن ، بل انه من ناضل وحيداً _ وبأمكانياته الذاتية والنادرة _ في عدة جبهات خدمية ولم يجد اليأس له باب في قلبه رغم أنه خُذل من الحكومة ومن التحالف الذين وعدوه بوعود كاذبة وخائنة . فقطعت حديثها وقلت : لقد عرفت من تقصدين أنهُ محافظ عدن الأستاذ / أحمد حامد لملس الذي طرز الفصوص المرورية والأمنية على كل مسامة من مسامات شرايينك الطريقية وألبسكِ عباءة أسفلتية جديدة مصبوغة بألوان النظام والأمان والجمال . قالت : صدقت، بل أنهُ من يباغث المتقاعسين عن عملهم والفاسدين ويستبدلهم برجالً يُعيدوا النبض إلى كل عضو ( المؤسسات المتهالكة ) في جسدي ويُنعشوا موظفيها لتبدأ الحياة من جديد في خلايا أعضائي . كيف أنسى أنهُ من يحمل على كتفه نعشه ليصارع الهوامير المستحوذين على إيرادات عدن ليستخلصها في خدمة جميع أبناء عدن، بل أن وعده كالسيف القاطع لايُثنيه أي مستحيل، والدليل على ذلك أنهُ من وعد بصرف راتب شهرين لمنتسبي القوات المسلحة والأمن والمقاومة الجنوبية ووفاء بوعده رغم أن الحكومة والتحالف قد خذلوه . أنهُ من زلزل مضاجع المتأمرين والحاقدين على أزدهار وأمن عدن وأصبحوا يروه كالكابوس الذي يؤرقهم في منامهم وصحوتهم لدرجة أنهم فرضوا عليه الأقامة الجبرية خارج عدن، لذلك أخبر أبناء عدن بأن ينتفضوا ويطالبوا بعودة أبني البار من الغربة الجبرية لأني لم أعد أحتمل أن أنتظر عقودً من الزمن حتى يظهر رجل مثل سيدي وتاج رأسي .