للتو وصلتني عدة رسائل من فتاة لا أعرفها عبر بريدي الخاص ؛ أخبرتني بأنكِ تعيشينَ لحظات تعيسة ، أياماً سوداوية يا سارة ، وجهكِ غادر منه الضوء ، طغت عليه عدة ألوان فبات يشبه الحرباء ، جسدكِ أصبح نحيلاً كعود ثُقاب وقدماكِ متشققتان من شدة الوحدة ، وجدتُ عدة خفايا عنكِ في تلك الرسائل العظيمة التي لا أدري من وجهها صوبي ، أتت نحوي كحسناتٍ فجعلتني سعيداً يا أيتها المرأة البعيدة ! منذُ فترة بعيدة أبحثُ عنك ِ، أفتشُ عن حياتكِ ؛ وحسناتكِ وسيئاتكِ ، وهل رزقتما بطفلٍ أم لا ، لكن الحقيقة التي علمتها بأنكما ما زلتما كما أول ليلة ، أول ليلة تركتِ فيها منزل أباكِ ثم توجهتي نحو عاشقٌ غيري وهذا الشيء يسعدني ، تلك دعواتي اللواتي كُنتُ أصدح بهن في الثُلث الأخير من الوجع ، في الساعاتِ النقية ، في تلك الساعات حين ينزل الرب إلى سماء الدنيا ، كان من المُفترض أن تأتي إليَّ أنا لا أن تتخلاي عن عاشقكِ الذي عشقكِ حد الثمالة وذاب بجميع تفاصيلك كما يذوب السكر في الماء ، ها أنتِ تدفعين ثمن تهوركِ يا فتاة ، تهورك الذي قادكِ نحو المادة والورق المُتسخة لا نحو الحُب والمشاعر الصادقة وشتان بين هذا وذاك ، بين عاشقٍ صادقٍ وعاشقةٍ جَشعة. الأخبار المؤكدة تثبت أن وجناتكِ أصابهما القحط نتيجة عدم تلقيهما للقُبلات ، شَعركِ مُبعثرٌ كما لو أنه تلقى قُنبلة نتيجة الإهمال ، يشتاق ل عاشقٍ يقوم بِتصفيفه ، يداكِ يابستان كجذع شجرة في أعلى جبل ، خِصركِ لم يعد ضيقاً كما كان سابقاً بل أنه أصبح مليء بالتعجرفات كخطٍ فرعي ، قامتكِ لم تعد مُستقيمة كَنخلة ، باتت تشبه قامة عجوزاً كهلاً بَلغ من العُمر مائة عام ، عيناكِ مُنطفئتان كمدينة ضاجعتها قذائف الحَرب ، شَعر أهدابكِ تساقطت كما تتساقط الأرواح في هذا البلد ، فَمكِ لم يعد يشبه قوس قُزح بل أصبح عريضاً كفمِ التمساح ، صَدركِ لم يعد مليء بالفواكهة بل أنه أصبح ينافس أرض اليباب ، رأسكِ غزته القُمل والندوب أتخذت من ظهركِ موطناً يا فتاة . بعد أن علمتُ بِكلِ هذا أود أن أخبركِ بأنني أطلق الزغاريد من فَمي المُنتشي سعادة وفرحة ، أتمايل من أعلى رأسي حتى أخمص قدمي ، أقهقه كثيراً كما لو أنني سكيراً زار ملهى ليلي فأرتشف عشر قوارير من النبيذ المُعتق ، أقبض قَلمي وأتفنن بكتابة الدعوات ، بتُ على وشك القيام بأعظم مناسبة في التاريخ القديم والحديث ، سأفعلُ وليمة ضخمة وسيأتي إليّ الجميع ، الجميع من كل حدب وصوب إحتفاءً بإنتكاستكِ يا سارة ،إن هذه الإنتكاسة التي تطوقكِ زرعتيها بِيداكِ وها أنتِ تجنينَ ثمارها على هيئة عُزلة ووجعٍ ودموع ، أدرك جيداً بأن الإكتئاب تغلغل في جذورك ، اِغتصبكِ بدون رحمة ، جعلكِ شاردة لا تستطيعين لملمتكِ من شتاتك ِ، أجبركِ على أن تظلين ساعات الليل رفيقة للأرق وللهواجس المُجرمة ، غير نظرتكِ للحياة فأصبحتِ ترَينَ نفسكِ وحيدة كقطة على ضفاف مدينة مليئة باللصوص والمجرمين ، حياتكِ لم تعد آمنة ، لم يعد فيها مثقال ذرة من الفرح، باتت جميعها عزاءات وأتراح وهذا الشيء يسعدني كثيراً كثيرا وهذه الحروف شاهدة. ها أنتِ تعيشينَ لحظات تعيسة كاللحظات التي عشتها بعد أن تلقيتُ قُنبلة مُغادرتكِ مِن قلبي فَ وجهتي قِبلتُكِ نحو قلبِ عاشقٍ غيري ، أعترف أنني عِشتُ ليالٍ مُعتمة كليلة بدون ضوء ، ظَليتُ سنوات أحاول نسيانكِ حتى طردتكِ من خيالي لكني جَنيتُ مُقابل حُبي النقي ومشاعري الصادقة العديد من التَعب حتى داهمني المَرض نتيجة تراكمات الوجع ، الوجع الذي سَببه رحيلكِ بحثاً عن المال لا عن الحُب ، تعبتُ كثيراً وعِشتُ دقائق من لَهب وثوانٍ من جَمر ، اِستخدمتُ عدة أدوية بِطعم مرارة الفقد والحرمان حتى عُدتُ لحياتي السابقة ، ثم إن الحسنة الوحيدة التي جنيتها من ذلك العناء أنني أصبحتُ فنانا ، هأنذا أغني ، صوتي بات جميلاً كاُغنيات العصافير وهديل الحمام ، أصبحتُ عازفا ً، أداعب حبات البيانو بِأصابعي النقية ، أقبض الريشة ثم أمررها في جسد العود كما لو أنني موسيقار بارع ، أطرب جميع الناس حولي ، أزيح من وجوههم علامات اليأس والبؤس والعذابات فأحصد مُقابل هذا العديد من الحسنات . أنا لستُ عدوانياً يا فتاة ، لستُ حقوداً كما تظنين، لكنني أؤمن بِجملة " لا أخلاق مع المُجرمين " وأنتِ مُجرمة من العيار الثقيل، لستُ شيطاناً لكنني إنسان من لحم ودم وطين ، أتألم ، أبكي حتى تجف عيناي، وأتنهد من قاع قَلبي ، جريمتكِ التي إقترفتيها توازي جريمة القُنبلة النووية التي دَمرت هيروشيما فتسببت بحريقٍ هائلٍ وعلى إثرها غادرت أرواح وبُترت أقدام وسواعد سُكان تلك المدينة البريئة ، جريمتكِ قَتلت عصافير قَلبي وجعلتني أعيشُ وحيد كجثة في ضَريح، وحيات قَلبي أنني لم أكن أحب التشهير بكِ عبر اللُغة إنما أفصحتُ عن هذا لكي أنقذُ الفتيات من جَريمتك ِ، أن لا يسلكن الطريق التي سلكتيها عندما بحثتِ عن المال وتركتِ الحُب وها أنتِ تدفعين ثمن طيشكِ ونزقكِ واللعنة عليكِ وعلى شبيهاتكِ . وثيق القاضي 1-2-2021