لقد انتابني شعور لا يوصف وأنا أتابع خبر استكمال المبلغ المقرر دفعه كدية لعتق رقبة الشاب منصور الجلاعي من أبناء مديرية مودية محافظة أبين وذلك بعد أن تداعت الآيادي البيضاء لجمع المبلغ المقرر دفعه مقابل خروجه من السجن والحقيقة أن حدثًا كهذا ينبغي ألا نمر عليه مرور الكرام ...لا لذاته ولكن لدلالته ورسائله التي يحملها في طياته . ولعل أبلغ رسالة يبعثها هي إحياء قيمة التكافل الإجتماعي في المجتمع . وهذا هو روح الإسلام ولباب الدين وجوهر العقيدة وحقيقة الرسالة وتلك لعمري هي الصفات الرائعة الجميلة النبيلة التي تميزنا كأمة عن غيرنا من أمم الأرض تحقيقا لقوله سبحانه وتعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) . ومصداقاً لقول الرسول الأعظم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد .....) . والحقيقة أن رسالة الإسلام لم تنزل إلى الأرض لنقرأ تعاليمها ونسمع مواعظها ونردد أحاديثها ,وإنما نزلت لتعمل عملها في النفوس , وتحدث أثرها في القلوب , وتفعل فعلها في الأفكار والعقائد وتؤتي ثمارها في الأخلاق والسلوك . ذلك أنه لا قيمة لعقيدة لا تحرك الضمير ولا تشعر بقيمة الأخوة ولا تؤثر في الوسط الإجتماعي ولا تهتم بمعاناة الاخرين ِ فأي معنى لإيمان لا يثير المشاعر , وأي فضل لتدين لا يرقق القلوب وأي ميزة لعبادة لا تثمر أخلاقًا فاضلة وسلوكاً حسناً . ما فائدة أن نبرهن ونثبت وندلل بمائات الأدلة على وحدانية الله وأهمية تلك العقيدة ...بينما هي عقيدة تجردت من فاعليتها وفقدت بريقها ولمعانها وتأثيرها في النفس والمجتمع . إن العقيدة الصحيحة لا تستهدف تطهير النفس من أدران المعاصي فحسب ...وإنما تهدف إلى إيقاظ الدافع الداخلي وإحداث ثورة حقيقية في القلب يتفلت فيها من جميع القيود ...قيود الشهوات وقيود الأنانية وقيود حب الذات وقيود الشح والبخل والطمع ويتجاوز ذلك إلى فضاء الأخوة العامة وإلى رحابة الحب الصادق وإلى دوحة العطاء المتدفق وإلى ينبوع السعادة الرقراق . وهذا ورب الكعبة هو جوهر ما جاء به رسولنا العظيم بل هو جوهر ما جاء به موسى وعيسى والرسل من قبلهم فلقد كانوا جميعاً مصدر الطاقة الأخلاقية العظيمة التي أوصلوها إلى نفوس الناس . إن مأساتنا اليوم تكمن في حرصنا على التزين بمظاهر الدين والانكفاء على ذواتنا بل ربما وصل الأمر بالبعض إلى التعالي على الآخرين لتأديته صلوات لا روح فيها ظاناً أنه قد بلغ ذروة الكمال مع أنه في الوقت ذاته لم يكلف نفسه العناء في تطهير قلبه وتهذيب خلقه وإصلاح حاله وتقويم سلوكه ..فهو كما قيل كامل كمال العقم أو كمال الموت أو كمال العدم. ومن هنا ندرك سر القيمة التي خص بها نبينا الفضائل الخلقية باعتبارها محور الرسالة وجوهر الدين ولباب العقيدة ِ. وهذه القيم الخلقية مصدرها الحقيقي الإيمان الصادق المحيي للروح المزكي للنفس المطهر للفؤاد المحدث ثورة حقيقة في القلب تنقل حياة صاحبها رأساً على عقب ..فيصبح في الأرض كأنما هو الغيث حيثما وقع نفع . تلك خواطر جالت في خلدي وأنا أتابع التفاعل الغير مسبوق مع الشاب منصور الجلاعي من شتى أصقاع الارض حيث تداعت تلك الأصوات لإنقاذ حياته كأنها جسد واحد تتحرك أعضاؤه كلها لإنقاذ حياته . فيالتك الصورة الرائعة الجملية الموحية المعبرة عن المشاعر الأخوية الصادقة التي يحركها الإيمان الخالص والأخوة الصادقة فكم نحن اليوم بحاجة إلى إحياء هذه القيمة النبيلة في المجتمع خاصة ونحن نملك الثروات الطائلة التي بها نستطيع أن نتغلب على أعتى المشكلات وأصعب العوائق التي تواجهنا في حياتنا . فيا لروح الأخوة ويا لرياح الإيمان ويا لصدق المشاعر الفياضة ويالعظمة البذل والعطاء التي تجسد حقيقة الأمة الإسلامية الواحدة حتى تغدو كأنما هي جسد واحد تتألم كل أعضاؤه إذا ما أصيب عضو منها . وكم والله يحز في النفس أن نرى أناساً من بني جلدتنا يبذرون مائات الملايين من الدولارات لشراء ناقة أو لمسابقة أجمل ديك أو أسمن خروف أو ينفقونها في مقاهي القمار والملاهي الليلية في الوقت الذي لا يجد فيه ملايين من المسلمين ما يقتاتون به . إننا اليوم بحاجة إلى إحياء روح الإسلام وبعث تلك القيم الأخلاقية الرائعة في حياتنا لأنها هي الترجمة العملية لحقيقة الدين . وصدق الله حيث يقول : (كنتم خير أمة أخرجت للناس ).