الأخلاق: وأعني هنا، الجانب العملي من الأخلاق بالذات، هي الاختبار الحقيقي لمدى صلاحية ومتانة أي إنسان، فكرة، فلسفة، كما أيضاً نظرية علمية إذ لا فائدة من أي نظرية علمية تهدم الأخلاق من الحياة فأي فكرة لا تأخذ على عاتقها حماية الأخلاق وتهذيبها وغرسها في المجتمع تظل فكرة ناقصها وغير منتجة مهما كانت قيمتها. ومن هنا يمكنني مناهضة فكرة داروين عن استمرارية النوع الإنساني التي أوردها في نظريته الذائعة-نظرية التطور-، واستناده إلى قانون القوة في تفسير بقاء الإنسان وتمدده، تحت ما أسماه بقانون-البقاء للأصلح- وبمعزل تام عن أي رؤية أخلاقية. فقبل أن تكون النظرية متناقضة وغير دقيقة في تفسيرها لبقاء النوع الإنساني، حيث وقانون البقاء للأقوى، تبطله هياكل الحيونات المنقرضة منذ الالاف السنين والتي تفوق الإنسان قوقً وفتكاً ورسخواً، هي أيضاً خاطئة بدايةً، إذ ليس يعقل أن يحافظ هذا الكائن على وجوده لملايين السنين دون الاستناد إلى قيمة أخلاقية فاعلة. ثمة قيمة أخلاقية وازنة وراشدة رافقت هذه الاستمرارية البشرية الممتدة وبلا شك. وهي برأيي الميزة الخاصة لهذا الكائن البشري التي يتفوق بها عن باقي الكائنات الأخرى، الساري عليها قانون الانقراض. ولو أني لا املك الكفائة المطلوبة لكشفها أو التعبير عنها، فإيماني بالقوة الأخلاقية التي رعت الامتداد البشري ليس اعتباطياً ولا عبثياً بل إيمان حقيقي راسخ، يعوزه السند المادي فقط، واثق من أن العلم سيكشف عنه يوماً ماً، ربما للأجيال التي ستأتي بعدنا. فالأخلاق هي العجينة المتينة التي يعتمل عليها مفهوم الحياة، فلا حياة مستقرة ومستمرة دونما أخلاق، بل هي المعنى الفعلي الذي يحمي النوع الإنسان ويحرسه من التلاشي والانقراض ويمنحه القابلية للتمدد. وبوصفها شوكة التوازن والقاعدة الرئيسة التي تحافظ على استمرارية الحياة البشرية، وبناء المجتمع القوي والمتماسك القابل للصيرورة الأبدية، هي ملاذنا الوحيد نحو الطمأنينة والاستقرار، وركيزتنا الضرورية لتأثيث حياة تشاركية عادلة ومتساوية تتناسب مع طبيعتنا ككائنات بشرية، تحافظ على بقاءنا وتحمي مكتسباتنا. حياة أخلاقية قائمة على الانضباط والتقيد والحكمة، وباعثة للسكون الداخلي والطمأنينة الروحية المطلقة. في النهاية أستطيع القول أن الفكرة الأخلاقية، بمثابة السفينة التي ستحملنا نحو النجاة. عبدالقادر زايد