الم يعد المواطن البسيط في اليمن قادراً على حل اللغز الذي يواجهه في جميع المحافظات المحررة وتحديداً العاصمة عدن ؛ كيف يتزامن الانفراج السياسي الذي تكلل بتشكيل حكومة الكفاءات التوافقية مع التردي المعيشي الذي يفتك بملايين المواطنين ؟ ثمة اجابتان تحاولان تفكيك هذا اللغز ؛ الأولى في غاية التسطيح وهي تلقي بكامل المسؤولية على كاهل الحكومة ، دون مراعاة للسياق التي جاءت فيه و مدى قدراتها الذاتية والموضوعية، وهذه الاجابة تنتهي الى نوع من العدمية السياسية لانها ترى المشكلة في الحكومة وبالتالي فان الحل في زوالها ، ولكن لا احد يطرح سؤال ماذا بعد . اما الاجابة الثانية والتي هي في غاية التعقيد فتحاول ان تفكك البنية العميقة لشبكات الفساد والمحسوبية المتغلغلة في كيان الدولة ، والتي تحالفت مع بعضها كي تعاقب الحكومة الجديدة لمجرد انها اظهرت ارادة حقيقية نحو احداث تغيير ايجابي في معيشة الناس حاولت تقويض اقتصاد الحرب والنهب، وقد اتضح ذلك مبكراً من خلال مؤشرين : صمودها رغم التهديدات بالتصفية الارهابية، وبرنامجها الذي جعل الملف الاقتصادي على قمة الاولويات . و الاخطر هذه المرة هو أن ممانعة الفاسدين تختلط مع نوايا العرقلة الصريحة لاتفاق الرياض، دون الاكتراث الى التداعيات المدمرة المترتبة على ذلك . وقد بدأت عمليات العرقلة منذ وقت مبكر للحؤول دون المضي بتنفيذ ما تبقى من اتفاق الرياض واعادة بناء الموسسات وعلى راسها الجهات ذات العلاقة بمحور حديثنا (البنك المركزي المجلس الاقتصادي الاعلى شركة النفط). و مؤخرًا برز إلى العلن صراع الفاسدين والمعطلين من جهة في مقابل الحكومة التوافقية، من خلال ملف توريد الوقود، بل تحولت المعارك الخفية الى مواجهة كسر عظم يراد من خلالها تصفية التسوية السياسية و الامعان في تجويع المواطن. لقد بدأت شرارة هذا الصراع حينما قرر الدكتور معين عبدالملك تحرير عملية استيراد الوقود من احتكار مراكز النفوذ المهيمنة على الشرعية، وكانت النتيجة ازمات متوالية هددت الرصيد الشعبي للحكومة وانذرت بانفجار الوضع. مع ذلك حاولت الحكومة الانفتاح على شركات اخرى وتفعيل الاطر القانونية لعمليات الاستيراد والتصدير ، لكن تزاوج المال والسلطة مكن المتنفذين من تعطيل هذا المسار ، وقد بلغ الامر حد التهديد بالقتل لرؤساء شركات منافسة ، وتفعيل لوبيات الفساد لإعاقة حركة الحكومة وتقليل بدائلها. ان الغليان الشعبي المتنامي اليوم ينذر بانفجارات خطيرة قد تلتهم الاخضر واليابس ، وقد تحرق نيرانها الجميع بما فيهم متنفذي السلطة والفساد ، والرهان هو على تدخل القوى السياسية الوطنية ورئيس الجمهورية لحلحلة هذا الملف كأولوية قصوى لا تقل اهمية عن التهديد العسكري الحوثي في مأرب . واي معالجات سياسية ستظل قاصرة مالم تأخذ بالاعتبار احداث حلول هيكلية تضمن كفاءة و استقلالية المؤسسات الاقتصادية الوطنية . وهذه يجب ان تكون على رأس اولوليات نشطاء المجتمع المدني او قادة الاحتجاجات الشعبية كي لا يتكرر سيناريو التظاهرات العدمية. * محلل سياسي واقتصادي