الفساد التعليمي في اليمن وفي تعز بوجه خاص كم سيمتد؟، وهل ما يحدث منذ عدة أسابيع في بعض الجامعات الخاصة وما يتعرض له الطلاب المعتصمين أمامها يدخل ضمن تعريف الفساد التعليمي فحسب؟ أم أن كلمة الفساد لا تليق به ولا تفيه حقه؟ التساؤلات كثيرة ومخيفة وليست المسميات أكبرها ولا أكثرها الحاحاً. إلى أين نحن ذاهبون بكل هذا التنكيل والتعزير للتعليم في تعز، الأمر لم يعد تشويه وحوادث عارضة وصعوبات مبالغ فيها فحسب الأمر لم يعد عرقيل ومطبات، أنها كمائن وقطعُ طرق. لقد وصلنا إلى أعلى هرم الفساد في تعز، نحن في الزاوية الحادة تماماً، لا مكان اخر يمكننا الذهاب إليه، سنسقط خارج الحضارات الإنسانية بل خارج السلوك والنمط البشري، أو ربما أننا قد سقطنا بالفعل؛ فعندما تمارس بعض مؤسسات التعليمي العالي الإبتزاز على طلابها: تهددهم، وتهينهم، وتذلهم، وتنتهك كرامتهم، وتنتهك كل عرف اجتماعي وإنساني وبشري فتستأجر بلاطجة بزي عسكري لتقمع الوقفات الاحتجاجية السلمية ضد سياسة الإبتزاز التي تتبعها، ويتعرض الطلاب للضرب والتهديد والإهانة وتوجه نحوهم الأسلحة _ التي كان يفترض بها أن تحمي ابناء تعز وتفك الحصار عنها أو تؤمن طرقها وشوارعها من العصابات _ ، وقبل ذلك كله عندما يصبح التعليم بضعة يتاجر بها في السوق السوداء، فلا شك أننا خرجنا من سيناريو الحضارات البشرية و حوار السلوك الإنساني وحبكة الأعراف الاجتماعية. نحن لم نعد خارج التاريخ أو الحضارة البشرية فحسب نحن أصبحنا خارج الوجود العاقل على هذا الكوكب. الطلاب في بعض الجامعات الخاصة بتعز يُتاجر بمستقبلهم بشكل مخزي وحقير من خلال سياسة ( أدفع الرسوم بالدولار وبسعر صرف الدولار اليوم)، أو تحتجز شهاداتهم ومستنداتهم التي لديها، فلا يستطيعوا مواصلة التعليم في جامعة أخرى ولا العمل بجهدهم وسهرهم وسنواتهم التي بذلوها في التحصيل العلمي، ( وآخرهم بلاطجه أو بائعي قات!!)، والسيد " دولار" كما نعرف راقص تانغو محترف وريالنا اليمني لا يستطيع مجاراته بتلك الرقصة البهلاونية الشبقية، فأنى لطالب جامعي يزدحم رأسه ووقته بكل الدروس والمحاضرات التي يتلقاها بمجارات سعر الدولار هو الآخر؟، أنى لولي أمر يحفر الصخر بأظافرة لتوفير مصاريف ورسوم تعليم ابناؤه أن يجاري قفزات الدولار الشاهقة أو سرعة دورانه وتمايله؟. أن معظم طلاب الجامعات الخاصة لا يدرسون فيها لأنهم مرفهين أو لأنهم يملكون تلك الرسوم _ الباهضة من الأساس وقبل أن تفرض عليهم الزيادة الشاقة _ ، بل لأن الجامعة الحكومية الوحيدة في تعز فاضت بهم وتقيتهم على أرصفة الجهل؛ فكان لهم خياران لا ثالث لهما أما الاستمرار بكونهم فضلات بشرية زائدة تزدحم بهم الحياة والطرقات وتزداد معها ظلمة هذه البلاد وظلمة مستقبله، أو الإتجاه إلى الجامعات الخاصة وخوض معركة إثبات وجود واكتساب حق، ليكونوا هم والعالم من حولهم أكثر إنسانية ورقي، لكن معاركهم لم تنتهي ولا تنتهي، وحرب التعليم في اليمن لم تتوقف قط، هي ممتدة منذ عصر الأمام في أوئل القرن التاسع عشر إلى ساعتنا اليوم، نحن فقط انتصرنا في بعض المعارك لكننا لم ننتصر في الحرب بعد، فالتعليم بمستوياته العليا لازال رفاهية لا يقدر عليها إلا الميسروين، والآن نحن نخوض معركة أشد شراسة من كل ما سبق فحتى الميسورين لم يعد بإستطاعتهم توفير مصاريف الدراسة الدولارية، وأصحاب تجارة التعليم لا يرضون إلا برقصة التانغوا وفي مراقص وفنادق عالمية. ويبقى السؤال الأكثر الحاحاً إلى أين نحن ذاهبون؟. تسنيم المروني