بدأ بإنقلاب تلفزيوني على أبيه بإستقباله وجهاء الأماره صباح 27 يونيو 95م, ليعرضهم في المساء على الشاشه صامتين وكأنهم يؤدون له ببعة الحكم. ناطح دول الشرق والغرب خلال فترة حكمه بعدسة التلفزيون فقط. حطم صندوق الإعلام العربي الرسمي بعد إزآحة الكثير من عفنه. رمى حجر ضخمة في بركة السياسة العربية الراكدة منذ قيام الدولة القطرية. وبالصورة التلفزيونية خطف دورة كأس العالم من أمريكا واليابان, ومن بوابة التلفزيون دفع ثلاثة من طغاة المعمرين في الحكم للهرب. الأول للمنفى والثاني للسجن والثالث للقبر, وقَبلِهم لم يتردد في الحَجَرَ على ابيه ومنعَه من العودة الى سِدَة الحُكم, لم يكتف بإِتهام أبيه بالفسَّاد بل ودَفَعَ البنوك السوسرية للحجز على أمواله, بإعتبارها أموال الدولة. واليوم يقوم تلفزيونياً بدور المتنازل عن السلطة لأبنه. وكأن (روزاليوسف) المجلة المصرية كانت تَضِرب في الغيب في عددها نهاية يونيو 1995م عندما أطلقت عليه بمعية التلفزيون المصر أطلقا على ما قام به ب (الإنقلاب التلفزيوني). وكانت الكرش التي بقى (جَادِمها) لمبارك حتى خَلعِه.
إنه الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني الذي يقوم حالياً بإنقلابٍ أبيض ليس على حُكمِه وإنما على فكرة التوريث بذات الطريقة التي إنقلب فيها على حكم ابيه مع فارق السيناريو كون الاول من موقع ولي العهد والثاني من موقع الأمير. أهم عناصر هذا الإنقلاب: التخلص من الرجل الأقوى الشيخ حمد بن جاسم بن جبر الذي غاب عن كل مراسم النقل المزعوم للسلطة. وثانيها حل مجلس الشورى الذي إسِّتدعي أعضائه فرادَ لمبايعة الأبن الى جانب إحالة قيادة الجيش الى المعاش التقاعدي. أما الإجراء الأكثر دلالة على تلفزيونية الحدث فكان الفرمان الأميري للإبن الذي سارع لإعتماد (صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني) كلقب رسمي للامير الأب, بعد ان كان الإعلام قد بدأ تداول لقب "الأمير السابق". إذن. فلنحسبها بالعقل: إذا سلمنا أن الشيخ تميم هو الأمير والشيخ حمد (الأمير الأب), فلمن يكون الحكم طالما الأول أمير والثاني أمير؟. دعك من حكاية الأب والأبن ومناقلة الأجيال للسُلطة. فالرجل الذي فعل كل تلك الأفاعيل بأبيه من أجل حكم جزيرة لم يك يعرف بها أحد وكانت غارقه في مئات الملايين من الديون, كيف له أن يتنازل عن الحكم بعد وصول ناتجها السنوي الى ما يزيد عن 170 مليار دولار امريكي؟. فالامرلا يتعدى, حدود الصفقة, والهدف: تصفيح بيته الزجاجي من الذين رمى بيوتهم بحجر التوريث, فعندما إستشعر إمكانية إنقلاب الحجة عليه بادر الى إرتداء ثوب الأمير الأبن وتغيير وجه الأمارة الحكومي, تجنباً للمحذور من قبيل سيناريوهات مرض حافظ الأسد في سوريا, عناد مبارك مصر, عنجهية قذافي ليبيا, وخلع عداد صالح في اليمن. وهو الذي يعاني من فتك مرضي السكر والضغط, ويعيش على كلية مزروعة. لهذا سارع بعرض مسرحية نقل السلطة بهذه الطريقة التلفزيونية التي تمكنه من "ضرب عصفورين بحجر". إذ يريدها محطة لتقييم الأداء وهو ما يستشف من أول كلمة وجهها الأمير الأبن بعد جلوسة على كرسي الإمارة عندما قال: "كلنا مسلمون ولسنا أخواناً مسلمين" وهي إشارة يمكن البناء عليها بعد هذا الأنفلات في الملفين المصري والسوري, وفي كثير من الملفات الأقليمية المحشور فيها الأنف القطرية, هذا من جهة. ومن الجهة الأخرى غَربَلة الجبهة الداخلية بالتخلص ممن يستشعرهم خطر على مستقبل التفرد في الحكم الذي يريده مقصوراً على أُسرته من الشيخة موزة, وقطع الطريق على البقية الباقية من الأسرة الأميرية, ومن بعض كبار عائلة ال خليفة الذين تجاوبوا مع مناداة معارضة الخارج بإسناد الحكم لأخيه الاصغر الشيخ عبدالعزيز بن خليفة ال ثاني الذي يوصف من قبل قطاع واسع من القطريين بما فيهم المقموعين في الداخل بأنه صاحب سيرة عطرة. الأمر ليس بغريب الأمير الأب الذي عُرف بدِقَةِ القراءة للمشهد منذ توليه الأمارة, وبجرأة إتخاذ القرار الصعب في الوقت الصعب, وجنوحه الفطري للخروج عن السرب. فعندما شعر الحاجة لحليف قوي يعوض به ضعفه العسكري والجغرافي, رأى بإستضافة دائمة لقوة ضاربه تقطع الطريق على أعداءه الكثُر حلاً. لم يتردد في إستغلال لحظة تراجع الرغبة السعودية بالإبقاء على القواعد الأمريكية في أراضيها بفعل الدعوات لإخلاء اراضي الحرمين الشريفين من الوجود الأمريكي وتحديداً عَقِب تفجيرات مجمع "المحيا" الرياض في 8 نوفمبر 2003م, لذا انتهزاً زيارة أعضاء في الكونجرس, ليبلغهم رغبته في استقبال قيادة القوة الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط, بعدد 10 الآف أميركي (بالعدد) للتمركز الدائم ودون شروط في قاعدة «العٌديد» الجوية التي كانت حينه في طور البناء, مع حرية مطلقة لضرب أيِ كان إينما كان وفي أي زمنٍ كان. ووفق تسريبات (ويكليكس) فإن تكاليف قاعدة (العُّديد) تغطى شراكة: 60% تتحملها قطر و 40% البنتاجون, في توافق غريب عجيب يجمع بين المتنافرين. فاموال الأرض المفتوحه للبنتاجون تتدفق على الإخوان المسلمين حزب الله, حماس, طالبان, بوكو حرام وغيرهم أكان معلوماً او مجهولاً, مع أخبار أكدها الإسبوع الماضي لقناة العربية الرئيس المخلوع عن علاقة قطر بتنظيم القاعدة. إجمالاً يمكن القول إن الأيام كفيلة بالأجابة على السئوال الملح: هل إقدام الأمير على لبس ثوب الإبن مؤشر على بداية النهاية لهذه الحالة المركبة.. الله أعلم!