الدرزي (محمد حسين)، رحمه الله.. كان شاعراً أنيقاً في هندامه وجميلاً في كلامه وإحساسه، الأمر الذي يجعلنا لا نملك معه إلاً التسليم بأن أي شيء خرج من تحت يديه ( كترزي ماهر)، أو ما جادت به قريحته ( كشاعر)، لن يكون إلا ّجميلاً. ما دفعني إلى قول ذلك عنه هو استماعي لهذه الأغنية التي كتب الدرزي كلماتها، والتي يقول مطلعها...
بعدت عني باختيارك وعشت عمري قي انتظارك سنين طويله اشتاق إليك وكل ليلة أسأل عليك سألت عنك حتى ظنوني وعرفت أنك يا نور عيوني بعدت عني باختيارك
في مطلع هذه القصيدة يشرح الشاعر شدة معاناته لبُعد الحبيب عنه، كما يوضح شدة تعلقه بمن أحب، و كيف انه حاول جاهداً معرفة السبب وراء هجره وبعده عنه، ثم توصله، بعد ذلك، إلى أنه (الحبيب) اختار البعد عنه ولم يُكره عليه.
هذه الأغنية أبدع في تلحينها وغنائها الفنان سعودي أحمد صالح، نسأل الله له الصحة والعمر المديد، فهو ما تبقى للفن اللحجي من زمنه الجميل. وهي تُغنى حالياً من قبل عدد من الفنانين الصاعدين الذين أعطوها نفساً جديداً شاباً، فاستهوت بذلك قلوب الشباب.
حقيقة، ومن وجهة نظري،هذه الأغنية تُعد أنموذجاً للأغنية الكاملة التي تؤكد أن لحج الخير والفن والعطاء لم تزل ولادة، وهي لذلك، تذكرنا بأغاني لحج الجميلة في عصرها الذهبي ( في خمسينات وستينات القرن المنصرم)، مثل سألت العين، يا باهي الجبين، ولوعتي، أخاف منك عليك... وغيرها من الأغاني التي كان الشاعر والملحن، والفنان (المطرب) أيضاً، يعيشون مراحل خلقها معاً، فكرة ولحناً وأداءً، لذلك جابت أغانيهم فضاءات أرحب وتذوقها وطرب لها خلق كثير من غير اللحجيين، فكانت حيثما حلت "للطرب عنوان"، بحسب تعبير عاشق لحج وأديبها الدكتور جمال السيد.
إنك لتهتز طرباً ونشوة وأنت تستمع إلى المطرب وهو يؤدي هذا المقطع الفائق الجمال من هذه الأغنية .. إنه تعبير شعري بليغ وبسيط عن كبرياء الشاعر وتماسكه أمام هجر وعناد الحبيب...
كتمت آهاتي وحنيني في فؤادي يا ضنيني حرمت نفسي نعيم حياتي ونسيت اسمي وذكرياتي من بعادك ما بكيت ومن عنادك ما شكيت بعدت عني باختيارك
ولأن قلوب أهل الهوى رقيقة، وهم، أيضاً، أهل السماح، فإن شاعرنا يأتي في ختام قصيدته ليعرض السماح على الحبيب، ونسيان ما قد جرى وكان، إن هو رغب في ذلك. فمحبته الشديدة له تجعله يسمو فوق جراحه، متجاوزاً كل ما عاناه في محبته له، ومعتبراً ذلك حظاً ونصيباً كُتب له في هواه، ولا مفر من تقبله بنفس راضية.
لو تجيني تبا السماح سماح وما قد راح راح اللي يحب يسمح حبيبه مهما تعذب يرضي بنصيبه أنت حبيبي ورضيت بك وانت نصيبي من غير شك بعدت عني باختيارك