يقول مارتن لوثر كينج {نعيش معاً كالإخوة أو أن نغرق معاً كالحمقى} ولن نعيش كالأخوة إلَّا إذا احترمنا قواعد الأخوَّة التي تُبنى عليها الأمم . وهذه القواعد يمكن تسميتها أسس البناء الاجتماعي . والبناء الاجتماعي الذي نعنيه بمفهومه الواسع يشمل الجوانب الثقافية والسياسية والدينية والاقتصادية ... الخ . ولأنَّ هذه الأسس عديمة التأثير في المجتمع الجنوبي اليوم ، فقد افتراضنا في الجزء الأول "مدخل في العجز عن الحسم" أنَّ الخلل يكمن في البناء الاجتماعي للمجتمع ، والذي تسبب عنه عجز المجتمع عن تقديم نخبة قائدة ، تملك الكفاءة المثلى لحسم الصراع لصالح الجنوب . وفي اعتقادي أنَّ أسس البناء الاجتماعي ، التي تصل بالمجتمع إلى تفويض قيادة قوية متماسكة هي بالتسلسل التالي :-
-. يتم البناء الاجتماعي بالمساهمة التراكمية عبر الأجيال ، وكل جيل يساهم بالإضافة أو التهذيب لغير الجيد من عناصر البناء . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم {إنَّما بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق} وهذا مؤشر نبوي أن بناء المجتمع يكون بتشارك الأجيال في البناء ، وليس بهدم المجتمع وإعادة بناءة وفق مفهوم جيل معين أو فئة أو طائفة .
-. يبنى المجتمع على اسس عقلية مجرَّدة من العاطفة . بمنظور استراتيجي بعيد المدى ، يؤدي إلى تماسك المجتمع وتقدُّمه واستقراره .
-. كل عناصر البناء الاجتماعي (الثقافية والسياسية والاقتصادية ...الخ) اختيارية وليست إجبارية . فلايحق لنخبة معينة فرض افكارها على المجتمع بالقوة الجبرية .
-. توجد نخب قائدة - تصنع القرار - في كل مجتمع وفي كل جيل ، تقود بناءه وتطوّره واستقراره ، سواءً وصلت إلى السلطة أو بقيت خارجها .
-. النخبة القائدة في المجتمعات العربية مهما كان نظام الحكم ؛ هي (1)القادة السياسيون (2)رجال الاعمال (3)رجال الدين (4)شيوخ القبائل (5)قادة الجيش (6)المفكرون ودور النشر (7)النقابات .
-. تتفاوت قوة تأثير النخب من دولة إلى أخرى . مثال ؛ تأثير شيوخ القبائل في الدولة (أ) أكبر من تأثير رجال الأعمال ,, وفي الدولة (ب) تأثير رجال الدين أكثر من تأثير المفكرين ،، وبنفس الوقت لايوجد تأثير للأربع النخب في الدولة (ج) ... الخ
ومن هذا التدرج نخرج بإحدى حالتين ؛ "الحالة المثلى لبناء المجتمع القوي" عندما تنسجم النخب القائدة مع بعضها ، وتقبل بعضها البعض ، ويسود بينها التعاون ، أوالتنافس البنَّاء فيما ينفع المجتمع فتُقدَّم مصالحه على مصالح النخب نفسها . "الحالة المدمِّرة للمجتمع" هي حالة الصراع بين النخب واقصاء بعضها البعض ، الذي يؤدي إلى انقسامات في المجتمع عمودية وأفقيه قد لا تلتئم في عقود .
والسؤال المهم : هل استمر بناء المجتمع الجنوبي عبر الأجيال وفق الأسس المنطقية التي ذكرناها ؟؟ في رأيي ذلك لم يحدث . لأنَّ فجوة زمنية قاتلة حدثت بين 1967-1994 لم يتوقف البناء فحسب !! بل تمت عملية هدم ومحو من الوجود ومن العقول ، وبناء المجتمع من جديد حسب رغبة الذين هدموه ؟؟؟