بوتين، لاعب جودو محترف وصياد ماهر، ويتقن فنونا قتالية عدة. لكنه أثبت ايضا انه أكروبات روسي عتيق يصل الى الحافة ثم يقفز قفزة متقنة الى الوراء حتى لا يسقط في الهاوية. ديبلوماسي مناور عندما يشاء وقادر على اخفاء قبضته الحديد بقفاز من حرير عندما تدعو الحاجة. أظهر مهارات كثيرة في فترة حكمه الطويلة جعلته قبلة الاعلام وعشيقا للكاميرا ونجما في المحافل مثيرا بذلك ليس غيرة الزعماء وحدهم بل نجوم السينما ايضا. في الازمة السورية أظهر القيصر توقا الى الزعامة العالمية جعله مثارا للجدل. وأمس، ظهر كأنه استاذ كبير في الشطرنج. بنقلة واحدة وضع "القلعة" الروسية في وجه "الملك الاسود" الاميركي الذي يهدد السوري ب "كش مات". نقلة واحدة من "وزيره" لافروف غيّرت شروط اللعبة وقلبت الرقعة السورية رأسا على عقب. قبل ساعات كانت الضربة الاميركية لسوريا تحصيل حاصل، ولم يكن الحديث متى الضربة بل ماذا بعدها؟ لكن القيصر اللاعب قلب المعادلة باقتراح محكم: اذا كان ضرب سوريا هدفه لجم الاسد عن استخدام الكيميائي، خذوا الكيميائي وجنبوا سوريا شر الحرب، وجنبوا العالم شر تداعياتها الكارثية المحتملة! الاقتراح لم يسقط الضربة لكنه جعلها وراءه وصار هو في مقدم البحث وقد يسقطها اذا ما اخذت واشنطن به. فالشاطر بوتين باقتراحه وضع سلمين لاوباما والاسد لانزالهما عن الشجرة التي صعدا اليها، وأبعد نفسه عن احراج دفع العلاقة بين موسكووواشنطن الى الهاوية اذا ما استمر الخلاف بينهما على الحرب المفترضة على سوريا. وهكذا تكون روسيا أنقذت حليفها السوري من ضربة موجعة قد تهد أركان نظامه من غير ان تكون دمشق قادرة على اعلان "الانتصار"، ذلك ان رضوخها بتسليم سلاحها الذي كانت تصفه بالاستراتيجي في مواجهة النووي الاسرائيلي لا يمكن وصفه الا تراجعا ومسا بالسيادة واقرارا ضمنيا بارتكاب انتهاكات. كذلك فان روسيا باقتراحها تكون وفرت مخرجا لائقا لاوباما من الدوامة التي حشر نفسه فيها، فهو من جهة يستطيع القول انه خلص العالم من شر الكيميائي السوري، وجنب احراج الذهاب الى الحرب وحيدا ومعزولا ليس عن الحلفاء فحسب، بل ايضا عن الاميركيين الذين لم يشاطروه رأيه هذه المرة. وفي حال الاخذ بالنصيحة الروسية يكون بوتين كرس نفسه راعيا دوليا، وجنب نفسه احراج الوقوف موقف المتفرج على حرب قد تخرج موسكو من بوابة المستقبل. صحيح ان تسوية كهذه لا تنقذ الشعب السوري من براثن سياسة المحاور الدولية التي لا تعبد طرقها الا على الجثث والقبور، لكنها تبقى أرحم من نار حرب لا يعرف أحد ماذا تخبىء من كوارث.