من حي(كريتر) وبعبق عدني خاص جدا نشأت وترعرت(ماهية محمد عمر جرجرة) في الواحد والعشرين من نوفمبر 1926م والتي جرت تسميتها بعد ذلك ( ماهية نجيب) حسب الموضة التي كانت دارجة آنذاك إبان الإستعمار البريطاني بأن تنسب المرأة لزوجها كعادة من عادات الغرب تأثرا بالوجود الأجنبي في عدن. (ماهية نجيب) نسبة لزوجها (نجيب أحمد علي) الذي تزوجته في الخامسة عشر من عمرها وتوفي بعد أربعة عشر عاما مخلفا ستة من الأبناء تفانت في تربيتهم وكانت لهم الأب والأم بشجاعة وصبر وعمل دؤؤب ومستمر لا يقل عن مدى تفانيها في العمل والطموح الصحفي فكانت ترفض دوما عروض الزواج التي عُرضت عليها تضحية من أجل التفرغ التام لأسرتها . (ماهية نجيب) أشهر من نار على علم ولست هنا أنوي سرد سيرة حياتها أكثر ما أحب أن أسترجع الماضي الرائع الذي عاشته مدينة عدن في الريادة والتقدم ممثلة بنماذج نسائية متفردة ..أليس صحيحا ما يقال : أنك إذا أردت أن تقيس مدى تطور ورقي المجتمعات أنظر إلى واقع المرأة وطريقة تفكيرها .
(ماهية) مثلما عاشت طفولتها بنبوغ وتميز آثار إعجاب من حولها تماشى ذلك إلى نضجها كإمرأة حيث استمرت مسيرة النبوغ والتحدي في ظل عادات وتقاليد كانت ولا زالت خانقة وظالمة للمرآة بشكل عام حتى في ذلك العصر الذهبي من تاريخ عدن.كيف تجرؤ إمرأة على الحلم بإصدار صحيفة نسوية تكن هي رئيسة تحريرها لتسجل لها برآءة إختراع كأول إمرأة رئيسة تحرير في الجزيرة العربية.
أربك ذلك الحلم الجميل القوى التقليدية المتشددة في عدن وأنقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض لجرأءة ذلك الحلم وتناولتها إحدى الخطب في مسجد العيدروس بكريتر وأٌتهمت المرأة الحديدية بالكفر والإلحاد ! لم تزدها كل تلك الضربات إلا شموخا وتألقا بدى جليا وواضحا للعيان في مجلتها (فتاة شمسان) التي خرجت للنور بعد صراع مضني من أجل التصريح إلى أن صٌدر العدد الأول منها في الأول من يناير1960م واستمرت في الصدور لحوالي سبع سنوات.
عند قرأءة سيرة(ماهية) تستوقفني محطات كثيرة قد لا أتمكن من ذكرها الأن جميعا وقد أُلحقها وأفصلها في مادة صحفية قادمة لكني أظل دوما مكتظة بفخر وإحترام شديدين لنسوة مثلها صنعوا مجدا وعشن بقلب كبير ومعطاء للجميع وكرسن جُل وقتهن من أجل خدمة المرأة والإنتصار لقضاياها في المجتمع.
توفيت(الرائدة) ماهية نجيب إثر مرض عضال في العام1982 ولم تذهب سيرتها العطرة أدراج الريح فلا زالت قبس من نور للكثيرات ممن يطمحن بإحداث تغيير في تفكير المجتمع ونظرته القاصرة للمرأة التي لا ترحم مطلقا.
بالنسبة لي..ألهمتني هذه المرأة كثيرا في حياتي وعند قراءة لسيرتها ومناقبها حلمت أيضا أن تعود ريادة النساء للمجتمع والعالم الصحفي وأن تكون إمرأة ما رئيسة تحرير صحيفة أو مجلة تُعنى بشؤون المرأة بشكل خاص والمجتمع ككل أيضا. لدي حلمُ مماثل وسأسعى لتحقيقه يوما ما !