صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نور باعباد في النصف الآخر(2): العمل الإذاعي علمني الدقة والصرامة
نشر في سبأنت يوم 26 - 06 - 2010

صنعاء – سبأنت: حاور الشخصيات وأعد المواد للنشر:صادق ناشر
في حياة كل فرد منا شخصيتان مختلفتان: الأولى تلك التي يتعامل معها الناس ويعرفون مواقفها وأخبارها التي تخرج إلى الناس والصحافة، والثانية تلك المخفية التي لا يعرفها سوى قلة قليلة من المقربين والأصدقاء.
وفي هذه المساحة تحاول "السياسية" الدخول في الزاوية المخفية من حياة هذه الشخصية أو تلك، من خلال حديث ذكريات يشمل أسرار الطفولة والشباب والعمل، والتعرف عن قرب على العادات والتقاليد والظروف الصعبة التي عاشها اليمنيون قبل أن يروا النور بثورتي سبتمبر وأكتوبر ودولة الوحدة.
"النصف الآخر" محاولة لإخراج ما خبأته السنوات في حياة اليمنيين، من خلال رصد الواقع الذي عاشوه ويعيشونه اليوم. كما أنها محاولة لمعرفة كيف يفكر من عايشناهم طوال سنوات ولا نعرف ما ذا يحبون، وماذا يكرهون، وكيف وصلوا إلى النجاح الذي وصلوا إليه.
تحاول "النصف الآخر" الابتعاد عن الخوض في الشأن السياسي، الذي يحبذ الكثير عدم الخوض فيه، وإن كانت السياسة حاضرة في بعض المواقف التي ضمها الحوار، لكن بشكل غير مباشر.
"النصف الآخر" سلسلة لحوارات مع شخصيات يمنية مختلفة في السلطة والمعارضة، رجالاً ونساء على السواء، ومن كل مناطق البلاد. وستكون هذه الشخصيات حاضرة بتجاربها في الحياة هنا لتكون شاهدة على صور مختلفة من حياة اليمنيين.
* كيف بدأت قصتك مع الإذاعة؟
- الإذاعة كان لها دور كبير في حياتي، سواء إذاعة عدن أو الإذاعات الأخرى مثل "صوت العرب"، "بي. بي. سي"، لكن كان ل"صوت العرب" دور تنويري أكبر خاصة في قضايا الكفاح ضد الاستعمار والقضايا الوطنية التحررية العربية والعالمية، بحكم أن عدن والجنوب بشكل عام تحت الاحتلال، كنا نستقي حماسنا ومعلوماتنا ونشكل جزءاً من وطنيتنا، وكان من غير الممكن ألا تجد في كل بيت من لا يستمع إلى إذاعة "صوت العرب"، بالإضافة إلى ال" بي. بي. سي" التي لديها سرعة نقل المعلومة.
لعبت إذاعة عدن دوراً تنويرياً أهم من خلال مناقشة برامجها الواضحة للقضايا الاجتماعية والثقافية. لم يكن يوجد عندها حيز للجانب السياسي؛ بحكم أن المدينة خاضعة لقوانين الاحتلال. تطور أداؤها بعد الاستقلال لخدمة المجتمع، كما كان بث التلفزيون مرحلة هامة في إشاعة الوعي ورفع مستوى الثقافة.
كان خالاي مذيعين في إذاعة عدن، الشهيد عبد الرحمن عمر بلجون، تقلد عدة مناصب آخرها مدير التلفزيون قبل أحداث يناير 86، والشخصية الإعلامية المعروفة محمد عمر بلجون، وهو مقيم منذ السبعينيات في هولندا ومنها انطلق أداؤه وخبرته كمذيع ثم كمسؤول عن إذاعة "هيلفرسوم" الهولندية باللغة العربية، وكانا سبباً في ارتباطي بالإذاعة، وقد شكلا لي ولأفراد الأسرة نموذجاً يحتذى به ومازالا رغم الظروف والزمن لهما، هذه المكانة الوطنية والمجتمعية في عدن واليمن لإبداعهما واستحقاقهما حينها لوظائف قيادية لهاتين المؤسستين وما استلزمتا منهما من جهد في تحمل منصب مدير الإذاعة والتلفزيون لفترات متعاقبة.
في إذاعة عدن
* ما هي أهم البرامج التي كانت تشدك في إذاعة عدن؟ هل تتذكرين بعضها بعد هذه السنوات؟
أهم البرامج التي كانت تعجبني "جولة الميكرفون" للأستاذ عبد الحميد سلام، و"أنباء وتقارير" للأستاذ جميل محمد احمد، بالإضافة إلى البرامج والمسلسلات التاريخية. وكنت معجبة بالصوت الجهوري للأساتذة محمد مدي، عبد القادر الشيباني، أحمد حسن، ومحسن الجبري رحمهما الله، عبد الله عمر بلفقيه، عبد الرحمن الحداد، يحيى عثمان وبرامج أخرى قدمها عدد من الشخصيات النسائية مثل فوزية غانم وصفية لقمان وفوزية باسودان ونجاة عميران وعديلة غالب بيومي، فوزية عمر وعديلة إبراهيم.
ولا أنسى العزيزة نجيبة حداد التي كانت أول من تأهل فنيا في الإخراج ومن ثم تحملت تقديم برامج الأطفال وكذا المخرجة د. سميرة عبده علي، والتي عملنا معا في برامج المرأة، المرحومة ميمونة أبوبكر والفاضلة نبيهة محسن، التي قدمت خلاصة خبرتها الفنية والحرفية لتنوير المشاهدات بخبرات في الاقتصاد المنزلي ومهارات للأطفال في الاستفادة من المواد البسيطة لإعادة الاستخدام ثم لاحقا عند عملي في الإذاعة فوزية باسودان وزينب عبد الرحمن ورضية سلطان ونبيلة حمود، وربما غاب عني بعضهن.
كان هناك برنامجاً ثقافياً وشعرياً يحمل اسم "قيثارة الليل" يقدمه خالي عبد الرحمن بلجون مساء كوقت مناسب للبث، وأتذكر أن الفنان محمد عبده زيدي كان المسؤول الفني للبرنامج، وقد اختار له الموسيقى المرافقة له، وقد اشتركت مع خالي عبد الرحمن فقط في قراءة نص مقدمة ونهاية البرنامج، ثم سمح لي بالمشاركة في قراءة النصوص الشعرية المختارة بعناية منه، وكان ذلك عند بداية عملي الإذاعي، حيث تعلمت منه الدقة.
* كيف جاء دخولك إلى الإذاعة؟ هل تقدمت بطلب الالتحاق بالإذاعة، أم كان مقترحاً من آخرين؟
تقدمت للالتحاق بالإذاعة بموجب إعلان بذلك نهاية 73، مع مجموعة من المتقدمين، وكانت هناك اختبارات، تم اختيار اثنين أو ثلاثة منهم على ما أذكر، كنت أنا من بينهم، وكانت الاختبارات فيها قدر كبير من المعايير الصارمة، سواء في جانب اللغة أو قراءة النص والوقفات أو درجات الصوت واستخداماته.
دخولي للعمل الإذاعي كان فيه نوع من إثبات الذات، ولتوظيف القدرة والرغبة في اختيار العمل المناسب، ولم يكن من السهل على أي إنسان الدخول بسهولة إلى الإذاعة رغم بساطة الناس وحيويتهم في مجتمع الإعلام والإذاعة خاصة، لكن كانت هناك قيم الصرامة والجدية والالتزام، كانت ثقافة المذيع تلعب دوراً كبيراً في بقاء المذيع/ة من عدمه ومن ثم التدريب العملي والنظري بما فيه الأداء بكل أنواعه ومكوناته.
العمل الإذاعي له حرفية وحس مرهف، عرفت منه الدقة في الإلقاء والإعداد والصياغة الفنية والسياسية والتثقف بمستجدات الأحداث بكل أطيافها، وهذا يرتبط بفكرة المذيع متعدد الثقافة والقدرة، وبالتالي الأداء، أي لا يكون المذيع مجرد مقدم خاص في البرامج الحوارية أو السياسية أو الثقافية، مثلا كان زمن المذيع متعدد الأداء وصاحب الثقافة لا يفوته أن ينطق الكلمات الأعجمية إلا صحيحة، وأي خطأ لغوي أو فني لا يمكن أن يمر بدون أن يسجل على المذيع من ضابط النوبة أومن يتتبع الإرسال، ويقدم تقريراً إلى مدير الإذاعة ومن ثم إلى وزير الإعلام.
كان هناك حرص على سلامة اللغة والنطق للأسماء والمصطلحات العربية والأعجمية والعالمية وهذا حرص على حسن الأداء وفي إطار المنافسة الشريفة، هو نفسه الذي ينطبق على المجال الصحفي، كانت هناك صرامة ودقة، رغم قلة المستويات الجامعية عكس ما عليه اليوم، فهي كثيرة بل المتخصصة في الإعلام وتفرعاته ولكنها متواضعة بل ضعيفة المخرجات بدليل الأخطاء المقروءة والمسموعة والمرئية، هكذا بدأت العمل في الإذاعة من هذه البيئة الصارمة.
* هل تتذكرين أعضاء اللجنة الذين قاموا باختباركم؟
أتذكر منهم الأستاذ الراحل علوي السقاف، رحمه الله، كان حينها هو الشخص الرئيس في اللجنة، فقد كان في كل المراحل شخصية إعلامية وإذاعية مؤثرة، له من الصبر والخبرة الكثير، كان من أكثر الناس بقاءً وعطاءً إعلاميا، فهو بحق أب روحي لجيل كبير من الإذاعيين وكان زميلاً وصديقاً لخالي محمد وتربطنا بأسرته علاقة حميمة.
* وهل تتذكرين كم عدد الأشخاص الذين تقدموا في تلك المرحلة؟
كنا حوالي عشرة أشخاص ومن الجنسين، الفتيات والشباب.
* كم كان عمرك حينها؟
كان عمري حينها حوالي 20 سنة تقريباً.
* كيف كان شعورك عند إعلانك فائزة؟ وكيف كان عملك وتقبل الأسرة؟
شعرت بفرحة؛ لأن ذلك كان يعني خطاً جديداً في حياتي وبقراءة عفوية مني كان حدساً مني لمستقبلي، ولما أنا عليه؛ فأنا سعيدة وراضية عن نفسي، كنت أشعر أنني سألعب دوراً قوياً في مجال آخر كامرأة أو كشابة لها طموح، شاءت الظروف ألا استمر في العمل الإذاعي واتجهت إلى اهتمامات أخرى، لكنها مرتبطة بالإعلام؛ فالحدس كان ماثلا أمامي حينها، ولم أخسر ما بدأته حينها بل تواصل.
* كيف ذلك؟ ما هو الحدس؟ وما هي صلته بمستقبلك؟
الحدس في استفادتي من فرصة العمل الإذاعي وانعكاسه على عملي اللاحق. حسناً سأجيبك: بدأت العمل في إذاعة وتلفزيون عدن نهاية 73، كانت برامج التلفزيون حية على الهواء، قدمت برامج الأطفال والمرأة والأخبار، شاركت في المؤتمر العام الأول لاتحاد نساء اليمن عام 1974 في سيئون –حضرموت، انتخبت عضوا في المكتب التنفيذي سكرتيرة الثقافة والإعلام وحضرته وفود شخصيات نسائية خارجية، وشكل المؤتمر حدثاً ونقلة هامة ومنه انطلق الاتحاد.
أسست بحكم مسؤوليتي برامج الاتحاد الإعلامية، كنا نساهم بمواد عن نضال النساء وطنيا وخارجيا لبرنامج المرأة اليومي بإذاعة عدن وقمت بإعداد وتقديم برنامج المرأة الأسبوعي في التلفزيون وأسست مجلة "الاتحاد" الشهرية التابعة لاتحاد نساء اليمن، وتكرس هذا العمل الإعلامي في فروع الاتحاد بالمحافظات، بالإضافة إلى النشاط الثقافي، على شكل محاضرات في صفوف محو الأمية في الفروع والاحتفالات وخاصة الفترة 8-21 مارس ثم يونيو يوم الطفل من كل عام.
وأسهم الاتحاد في رفد البلد بتأهيل النساء تأهيلا أكاديميا من منح لجنة النساء السوفييتيات حيث نرشح سنويا خريجات الثانوية العامة، واليوم منهن الطبيبات والصحفيات والمهندسات وقد تحملت وخبرت مسؤولية التنسيق واختيار المرشحات وكان تعاون المغفور له عبد العزيز إبراهيم، مدير العلاقات الثقافية بوزارة التربية والتعليم أثره الطيب في نجاحي بهذه المهمة ومازالت كثير من الخريجات يذكرنني في ترشيحهن وقد أكون قد نسيتهن لكثرتهن وهو دور لا ينسى للاتحاد.
* هل تتذكرين شيئاً من فترة الاستقلال عام 1967؟
لعل من حظي الجيد أنني شهدت هذه الفترة، كان يوم الاستقلال مهماً ومؤثراً بالنسبة لي، وكما قال الشاعر الكبير والتربوي القدير، وكيل وزارة التربية والتعليم لطفي جعفر أمان رحمه الله: "يوم أغر لنا أضاء سيظل مرفوع اللواء"، خرج البريطانيون من الجنوب وعاد وفد المفاوضات من جنيف في سويسرا وشعر الناس جميعاً بفرح عارم لا يوصف.
حتى مع المشاكل الداخلية بين فصيلي الثورة (الجبهة القومية وجبهة التحرير) وللأسف ما عانيناه من الحرب الأهلية بين جبهات الكفاح المسلح، إلا آثار ذلك لا تزال ماثلة في الشيخ عثمان حتى اليوم رغم المتغيرات وخاصة قيام الوحدة والتعددية السياسية مما خفف الآلام.
كل شيء كان جميلاً في ذلك اليوم، وكانت الفرحة عارمة وكبيرة عند الجميع الرجال والنساء، سواء شاركن في المسيرات والمظاهرات أم لا، خاصة أن كثيراً من أزواجهن وإخوانهن وأبنائهن كانوا معتقلين، وأتذكر أن كل بيت في عدن ولحج وأبين احتفل بالاستقلال، علقت أعلام الدولة الجديدة، أي جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، في كل مكان حتى الستائر الخارجية للمنازل كانت بلون علم الدولة الجديدة، كل شيء كان مزيناً بألوان علم الاستقلال وهي: الأحمر والأبيض والأسود.
شعرت أن الجو كله بهجة والناس فرحون بالنصر والكرامة المستعادة، كان الاحتفال بخروج الانجليز مثل الهم الذي انزاح من صدور الناس، بهجة في كل البيوت، والناس خرجت ووزعت الشراب على الجيران والشارع، كان الابتهاج رائعا عفوياً وسريعا لم نعش مثله قبل.
العلاقة مع الأدب
* كيف بدأت علاقتك بالأدب عموما والقصة القصيرة خصوصا، والتي بدأت منذ أن كنت صغيرة؟ فما هي القصص التي كانت تجذبك في تلك الفترة؟
- تأثرت بالأدب شعرا ونثرا؛ فقرأت القصص والروايات العاطفية والتاريخية والسياسية والشعر الجاهلي ومعلقاته ثم الشعر الإسلامي والعصور اللاحقة وما سمي "عصور الانحطاط"، إلى النهضة الأوربية، بالإضافة إلى المعاصر والحديث وقصص الجيب، وصقلت الاهتمام بالقصة القصيرة واستفدت من حصة كتابة الإنشاء بالمدرسة.
بدأت في كتابة الشعر، ثم القصة القصيرة جسدت فيها واقع الحياة الاجتماعي، لكن بعد ذلك أخذتني المشاغل عن الاهتمام بهذا الجانب، ولكنني أتمنى أن اكتب سيرتي الذاتية واستعيد كتابة القصة القصيرة فلدي مخزون أتمنى أن أستفيد منه.
* في أي عمر بدأ اهتمامك بالقصة القصيرة والشعر؟
كنت حينها بعمر 17 20 سنة تقريباً.
* هل عرضت بعض تجاربك الشعرية على أحد أم لا؟
عرضت بعض النماذج على الأستاذين المرحومين عمر الجاوي والقرشي عبد الرحيم سلام، وأعطياني ملاحظات وشجعاني وكلفاني بحكم قيادتهما لاتحاد الأدباء والكتاب بإدارة بعض الندوات الشعرية والثقافية التي تعقد في عدن ومنها ما تم في منطقة الطويلة، كان حينها يأتي الكثير من الأدباء والشعراء من صنعاء ومن تعز.
وكنت من القراء الشغوفين بمجلة "الحكمة"، واحتفظت بكل نسخها في مجلدات التي كان رئيس تحريرها الأستاذ الراحل عمر الجاوي وسكرتير تحريرها الراحل القرشي عبد الرحيم سلام، وقد عاتبني الفقد الجاوي بأن السياسة أخذتني من الثقافة ولكنه عندما رآني في وزارة الثقافة بعد الوحدة قال لي مبتسما: "عدت لأصلك يا بنت باعباد"، يقصد العمل الثقافي.
* وهل عدتِ فعلاً؟
نعم، عدت، لكن للعمل الثقافي نائبة لرئيس المكتب الفني لوزارة الثقافة والسياحة، بمعنى أن خلفيتي الثقافية ستساعد، وفعلا شاركت في أوراق عمل ثقافية وصياغة الاتفاقيات والبرامج والمشاريع الثقافية وتقارير الوزارة، وأشارك في اللجان التحضيرية ومتابعة المؤسسات وتقييم الانجاز وكانت تلك فرصة لتوسيع المعرفة.
* أعود للتجربة الشعرية المبكرة، هل تحتفظين بنماذج منها اليوم؟
لم أحتفظ، وللأسف ضاع مني الكثير وخاصة فترة السبعينيات.
* حتى عناوين القصائد ومواضيعها، ألا تتذكرينها؟
للأسف، كما أذكر أنني لم أضع عناوين للقائد التي كتبتها، وأتذكر أنني كنت أطمئن نفسي بعودتي للكتابة وإذا بي أعيش "غفلة أهل الكهف"، وبأنني سأعود لأكمل ما توقفت عنه، لما لها من خصوصية بهدف حسن انتقاء العنوان وتجنب النقد عليَّ، فالعقلية الذكورية جاثمة والبيئة السياسية والثقافية ومن انفتاح على متغيرات الساحة الثقافية العربية الدولية تستلزم أن استوعبها في مراجعتي، لكن لا هذا ولا ذاك، أتذكر أطياف قضايا رمزية، البحر والفضاءات المكانية والإنسانية والأفق والقيم، كنت حينها متأثرة بالقصيدة الشعرية الحديثة وشعراء المقاومة ونظمت القصيدة على السجع والقافية، دون تفعيلة وبحور الشعر المعروفة، أي تحرر من التفعيلة والقولبة بوجود وزن فقط، كان جزء من تفكيري في تلك الفترة حلما بدراسة الأدب واللغة.
* هل حققتِ ذلك؟
نعم، بحكم خلفيتي الأدبية وحبي للثقافة العالمية حققت ذلك والحمد لله، فدرست أدب ولغة انجليزية جامعة عدن، وتخرجت عام 1988، كان عقلي الباطني، الحدس، يقودني إلى ضرورة أن تكون هذه الدراسة مكملة لطموحي وهواياتي فعلا، كان ما درسته واحة من المعرفة الأدبية في الأدب والتاريخ وعلوم التربية والفلسفة، باعتبارها محطة ثقافية وإنسانية مهمة.
بحث تخرجي دراسة مقارنة في ما يسمى "المعادل الموضوعي في شعر السياب"، الشاعر العراقي الذي عاش في المهاجر وتوفي في الكويت، والشاعر الانجليزي السير ت. س إليوت.
* أي الشعراء الذين تأثرت بهم في تلك الفترة؟
كنت أقرأ للشاعر محمد سعيد جرادة وللشاعر عبد الله البردوني وللقرشي عبد الرحيم سلام وإدريس حنبلة والجابري والقمندان، تأثرت كثيرا بشعر لطفي جعفر أمان؛ كونه مزج الوطني بالرومانسي، عندما تقرأ قصيدة "يا مزهري الحزين" التي غناها وأبدع فيها الفنان الراحل الموسيقار أحمد قاسم، كما لو كانت قصيدة رومانسية.
استمعت لشعر الشعراء الشعبيين مثل عبد الله هادي سبيت، المحضار، الشنواح، احمد سيف ثابت، مسرور مبروك، ونصيب، وغيرهم، بما فيه من الحكمة والوطنية وأعطتني بعض المراجعات والمقارنات الحياتية، أقف بإعجاب لقدرة هؤلاء على توظيف وصياغة نتاجهم الأدبي وإلى تعبيراتهم التي كانوا يختاروها بعناية، كلمات مباشرة، لكن يغلفونها بمعان أخرى وتجد لها صدى عند المستمع والمتلقي.
قرأت لشوقي والبارودي وحافظ ونزار عبد المعطي ودنقل وعبد الصبور ونجم ومي زيادة.
صحيفة السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.