دعوني في البداية وقبل الدخول في تاريخ الصحافة النسائية في اليمن ( عدن ) أن أبدأ باستعراض لمحة بسيطة عن الصحافة بشكل عام في مدينة عدن.بالرغم من أن الإحتلال البريطاني لعدن كان عام 1839م ، إلا أن الصحافة بدأت في الظهور بعد نصف قرن من الاحتلال ، إي في مطلع القرن العشرين على يد الكابتن( بيل) الذي كان يشغل وظيفة مساعد المقيم السياسي ، وعلى الرغم من أعماله الكثيرة إلا أنه أخذ على عاتقة عبء تحرير صحيفة أسبوعية في عدن واسماها (( جريدة عدن الأسبوعية )) التي صدرت في أكتوبر 1900م ، وصدرت ب 8 صفحات كاملة واحتوت على الأخبار والمقالات الأدبية وأخبار اليمن وحضرموت وجهات من الجزيرة العربية والألعاب والنكات وطبعت في مطبعة هوارد. (هوارد وبالونجي و قهوجي دنشو و كاكستي : - جميعها شركات أجنبية مارست نشاط الاستيراد والتصدير ، أحضرت المطابع لأغراض تجارية). ومع أن كلفة الطباعة كان كبيرة في ذلك الحين وقلة الإعداد المباعة منها نتيجة لقلة عدد قراءها ، إلا أن الكابتن بيل أستمر في إصدارها لمدة 6 اشهر، ثم أضطر لمغادرة عدن ، وعهد بمسؤولية الصحيفة إلى رجل أخر يدعي (( المستر مواري )) وكافح الآخر حتى مد عمر الصحيفة إلى عام ، ولكنه لم يتحمل الخسارة الكبيرة فأنقطعت الصحيفة عن الصدور.
فعادت عدن إلى سابق عهدها مدينة بلا صحف ، واستمرت على هذه الحالة لمدة أربع عشر عاماً، إلا أن عاد الكابتن بيل وقد رقي فأصبح اللفتننت كولونيل بيل ، برتبة ضابط سياسي أول ، وأصدر جريدة (( البؤرة العدنية )) في 14 أبريل 1915م ، وقد حافظ على مضمونها السابق ولم تختلف عن جريدة (( عدن الأسبوعية )) وورد في افتتاحية عددها الأول (( وها نحن قد ارتقينا في جسم جديد من بين بقايا رماد جريدة عدن)).
وبسبب العوائق التي واجهت إصدار الصحف في عدن من قلة البيع والعجز المالي وثمن الطبع المرتفع وندوة المشتركين فيها. تحمل اللفتننت كولونيل بيل العديد من الأعباء المالية ، مما اضطره الأمر إلى الصرف عليها من ماله الخاص . واستمرت في الصدور حتى أبريل عام 1917م ، فترك عدن مرة أخرى وحل محله( المسترج فتزالد )الذي سماها (( البؤرة )) فمحا كلمة عدن ولم يتمكن من إصدار الإعداد إلا لستة أسابيع فقط.
ظهرت بعد ذلك بعض المحاولات لإصدار صحف جديدة إلا أن تلك المحاولات لم تفلح ومنها محاولة النادي الأممي في عدن الذي درس في عام 1918م إمكانية تأسيس مجلة شهرية تنشر الأخبار المحلية والتجارية ، كما تنشر مذكرات الجمعية الوطنية العدنية ، ولسوء الحظ لم ينجح المشروع لعدم وجود المطبعة . وفي عام 1925م أصدر اللفتننت كولونيل بوراديل (( من الفصيلة الثانية ديفرنشاير )) مجلة (( الكوكب )) الشهرية ، اهتمت بنشر الشؤون العسكرية ، وكانت تطبع في مطبعة بالونجي . وبعد عام على صدورها توقفت.
وبانتقال إدارة عدن من الحكومة الهند إلى وزارة المستعمرات البريطانية في أبريل عام 1937م، أصدرت الحكومة المستعمرة في عدن جريدة (( عدن جازيت )) وأعقبتها بجريدة (( محمية عدن )) وكلتاهما حكوميتان وطبعت في مطبعتي قهوجي دنشو وكاكستي. شكلت جميع هذه المحاولات إرهاصات أولية لصدور الصحافة العدنية باعتبارها صدرت من قبل شخصيات أجنبية ومع إنتشار التعليم بدأ الناس يشعرون بالحاجة إلى صحف تكتب بلغتهم . وبصدور قانون النشر والتسجيل رقم (27) الصادر 3 يوليو 1939م ضمن عدة قوانين تخص المستعمرة عدن ، من قبل أول حاكم بريطاني لعدن السيد برنارد رايلي ونظم القانون عمل دور الطباعة والنشر وتسجيل الكتب. ماهية نجيب مع الرئيس جمال عبد الناصر
وفي عام 1939م ، وبعد صدور القانون تقدم السيد محمد علي لقمان بطلب الامتياز إلى الحكومة البريطانية من أجل إصدار صحيفة (( فتاة الجزيرة )) وصدر العدد الأول منها في الأول من يناير 1940م ، وبصدور الصحيفة دخلت عدن مرحلة جديدة من تاريخ الصحافة حيث تعد أول صحيفة عربية صدرت في محمية عدن.
مرت الصحافة النسائية في مدينة عدن بثلاث مراحل أساسية ساعدت على ظهورها وإرساء دعائهما وكانت البداية مع صحيفة (( فتاة الجزيرة )) التي ساندت قضايا المرأة في عدن وطالبت بحقوقها ( التعليم والزواج المبكر وحقها في العمل والمشاركة السياسية والسفور ) وبالمقابل كانت هناك صحف رفضت هذا الرأي وطالبت ببقاء الفتاة في المنزل وتعلم أمور تدبيره كصحيفة (( الذكرى )) صاحبها ورئيس تحريرها الشيخ علي محمد باحميش الصادرة عام 1948م واستمرت المناظرات الكلامية بين الصحف المساندة لقضايا المرأة العدنية ممثله بالتيار التقدمي والصحف المعارضة لتحرير المرأة ممثله بالتيار المتشدد ورجال الدين.
وكانت جميع المطالبات بحقوق المرأة تتم عن طريق رجال متعاطفين معها وعهدوا على أنفسهم مهمة الدفاع عن حقوقها ، وكل ذلك يعتبر المرحلة الأولى التي مهدت لظهور الصحافة النسائية في عدن.
أما المرحلة الثانية فهي بداية قيام المرأة العدنية بالتعبير عن نفسها وإنما بأسماء مستعارة كاستخدامهن أسماء: (( بنت البلد – المحجبة – النملة – فتاة الجنوب – أم البنات )) بالإضافة إلى استعمالهن أسماء ذكورية حتى يتفادين الدخول في مشاكل مع رجال الدين والتيار المتشدد في عدن.
وأتخذت النساء في عدن من هذا الأسماء الطريقة المثلى في التعبير عن أرائهن والدفاع عن قضاياهن بأنفسهن وكتبن العديد من المقالات والقصص والأشعار وحتى شاركن في مسابقات القصص القصيرة التي كانت تطلقها إحدى الصحف . كما تولت النساء في هذا المرحلة مهمة الأشراف وإعداد صفحة المرأة في بعض الصحف . مثل: السيدة ماهية محمد جرجره الشهيرة بماهية نجيب التي تولت إعداد وأشراف على صفحة المرأة (ركن المرأة) في صحيفة (( اليقظة)) صدره في يناير عام 1956م والتي كان يملكها أخوها السيد عبد الرحمن محمد جرجره. وكانت تكتب تحت أسم مستعار هو (( بنت البلد )) حتى لا يعرفها أحد، وفي أغسطس من نفس العام تحولت إدارة الصفحة لهانم جرجرة – ابنة أخيها الأكبر محمد جرجرة- وكتبت أيضاً تحت اسم مستعار (ه . جرجرة) وكما أدارت السيدة أم البنات صفحة المرأة في صحيفة القلم العدني. إلى أن ظهرت صحيفة نسائية تعني بشؤون المرأة والأسرة في عدن والجزيرة العربية والمغرب العربي إلا وهي صحيفة (( فتاة شمسان)).
وهنا بدأت المرحلة الثالثة وظهر ت الصحافة النسائية بصورة رسمية في عدن بظهور صحيفة (( فتاة شمسان )) في الأول من يناير عام 1960م وكانت صاحبتها ورئيسة تحريرها السيدة ماهية نجيب متحدية بذلك جميع العراقيل والآراء المعارضة لها والعادات والتقاليد التعسفية بحق المرأة.
التزمت الصحيفة بقضايا المرأة المختلفة من حقها في التعليم ، والزواج المبكر ، السفور ، العمل ، المشاركة السياسية وحقها في اختيار شريك حياتها والمساواة بين المرأة والرجل في المجتمع العدني.
ووضعت الأمثلة والبراهين على أهمية التعليم ودائماً ما كانت الصحيفة تردد مقالة (( وبالعلم تترقي الأمم )) وربطت العلم بالعمل في الكثير من مقالاتها وقد ورد في أحد مقالات التي كتبها محمد عبده وطني تحت عنوان ( دور المرأة في المجتمع وأهميته بالنسبة للرجل ) جاء فيه (( إن واجب الآباء والأمهات وأولياء الأمور أن يشجعوا بناتهن للمضي قدماً لينهلن من مناهل العلوم ولا يقتصرن على التعليم الداخلي فقط فسوف يحملان عقبى ذلك في النهاية حيث يكن قد ساهمن في خدمة وطنهن ومواطنيهن حين تصبح لنا الطبيبة والتربوية والدبلوماسية و.و.و. الخ)).
الاعلامية الرائدة ماهية نجيب
دافعت المجلة بكل شجاعة عن تعليم الفتاة وتطوير تعليمها ومساواته بتعليم الأولاد وإعطائها نفس الفرص للحصول على إجازات علمية في خارج البلاد حتى يتسنى لها بعد ذلك الحصول على فرص جيدة للعمل وفتح أمامها أبواب العمل المختلفة، وكما كانت تنشر تقدم الفتيات على المستوى التعليمي والعملي لتحفيز الفتيات الأخريات للحذو حذوهن، وطالبت بحق المرأة في بالسفور كنتاج للتطور واعتبرت أن الحجاب يقف عائقاً أمام تطور المرأة. كما واكبت الصحيفة جميع أحداث الحراك السياسي الذي شهدته شوارع مدينة عدن في الستينات ضد الاستعمار البريطاني .. ونشرت الصحيفة – في العدد الرابع يناير 1964م في الصفحة الأولى – صور النساء المعتصمات في مسجد العسقلاني في كريتر وذلك بعد أن عقد مؤتمر صحفي مباشر بعد دخولهن المسجد ولقد حضرت السيدة ماهية المؤتمر وواكبت الحدث على مدى الفترة كلها .. إلى أن وصل وفد من حزب العمال البريطاني المعارض إلى عدن في 29 ديسمبر 1963م وزار وفد النساء المعتصمات في اليوم التالي لوصوله ورافقه في هذه الزيارة عدد من الشخصيات العدنية المرموقة ، حيث أطلع الوفد على أوضاع المعتصمات ودوافعهن من ذلك الاعتصام وأبدي إعجابه بموقفهن ، وصرح أحد أعضائه (( إن شعبا هذه روح نسائه سوف يكون النصر من نصيبه)) وبالفعل حققت الصحيفة تقدماً من خلال عملها القيادي بمناصرة المرأة وقضاياها وأسهمت في أحداث تغيير ملحوظ في المجتمع العدني في ذلك الوقت.
وطالبت المجلة بحق المرأة بالمشاركة السياسية وحقها في الإنتخاب وطالبت به صراحة في البرلمان البريطاني بلندن عندما دُعيت رسمياً إلى هناك في صيف عام 1962م، كما طرحت الموضوع في مؤتمر نساء أسيا وأفريقيا المنعقد في القاهرة ب29 نوفمبر عام 1963م وقد خرجت من المؤتمر بتوصيات تؤكد ذلك الحق، ووجهت هذا المطلب إلى كبير الوزراء في الإتحاد الفيدرالي: السيد حسن علي بيومي وبعد وفاته جددت الطلب لخلفه. ثم توقفت مجلة فتاة شمسان عن الصدور في 1966م.
الإعلامية الرائدة ماهية نجيب تجلس بجانب الإعلاميين حسين الصافي مدير إذاعة عدن وطه أمان مدير تحرير(فتاة شمسان).
وجاء الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967م ودخلت عدنوجنوب اليمن مرحلة جديدة ومختلفة تماماً عن سابقتها، وشهدت هذا المرحلة انحسار كبيراً في عدد الصحف الصادرة ونوعيتها وجاء ذلك نتيجة لاختلاف السياسة الإعلامية وتحول الإعلام من إعلام حر إلى حداً ما إلى إعلام موجهً بناءً على السياسة التي انتهجتها الدولة.
شهدت هذا المرحلة تأسيس اتحاد نساء اليمن عام 6 فبراير 1968م وهو لسان حال المجلس المركزي لاتحاد نساء اليمن. وأصدر الاتحاد مجلة تعنى بالمرأة والأسرة أطلق عليها اسمه (نساء اليمن) صدر العدد الأول منها في مارس عام 1975م، وكان عدداً خاصاً للمشاركة في المؤتمر العالمي الثالث (لمناهضة العنف ضد المرأة) المنعقد في المكسيك، ركز العدد على تبني الإنجازات القانونية لليمن الديمقراطية وبشكل خاص قانون الأسرة الصادر في يناير عام 1974م، والقوانين التي تضمن المساواة للمرأة في العمل والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.ناقشت المجلة أيضاً العديد من القضايا التي تهم المرأة كأساليب التربية الحديثة والتعامل مع الأطفال ...الخ.
كانت المجلة تتقطع في الصدور وذلك نتيجة لتأثرها بالأوضاع السياسية في البلاد، استمرت بالصدور إلى إعلان الوحدة اليمنية ثم توقفت عن الصدور مع إعلان الحركة النسائية اليمنية فلم تتوفر ميزانية للمجلة ولم يتحمل أحد إدارتها. وهناك المزيد من الأمور والأحداث التي واكبت تطور الصحافة النسائية في جنوب اليمن ( عدن ) وشكلت الدعامة الأساسية لظهور الصحافة المتخصصة في وقت مبكر مقارنة بالدول المجاورة. من: حليمة الحبابي
المراجع : - أحمد الهمداني ، المجاهد محمد علي لقمان المحامي ( فتاة الجزيرة ) أفتتاحيات ومقالات من 1940م – 1950م ، الطبعة الأولى ، بيروت ، 2007م . - نادرة عبد القدوس ، ماهية نجيب .. الريادة ، دار عبادي للدراسات والنشر ، الطبعة الأولى ، صنعاء ، 2005م. - د.سيف علي مقبل ، الصحافة في عدن عشية اعلان الجمهورية اليمنية في صنعاء يوليو – سبتمبر 1962م ، دار جامعة عدن للطباعة النشر ، الطبعة الأولى ، عدن ، 2002م. - رضية أحسان الله ، مولد الحركة النسائية في عدن ، من دون عام. - مقابلة مع الأستاذة رضية شمشير.