القلة من يستفيد من الأحداث في تربية الذات وأخذ العبرة والعظة منها ، والقرآن الكريم عند نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة كان يربي المسلمين بالمواقف التي تمر سواء كانت للأمم السابقة أو كانت المواقف التي يعيشونها .
والهدف من التربية هو استيعاب سنن الله في الكون والتفريق بين الخير والشر والحق من الباطل ، وتثبيت النفس على الحق والاقتداء بأصحاب الحق والخير والصلاح واستشعار عظمة الله وقدرته وفضله على عباده المؤمنين وشدة بطشه على الظالمين والمتكبرين ؛ قال تعالى: ( ... الذين طغوا في البلاد . فأكثروا في الفساد . فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبلمرصاد ) . ألآية .
واستمر القرآن الكريم في تربية المؤمنين بآياته وأخذ المسلمون الدروس والعبر واستفادوا منها في تزكية نفوسهم وإصلاح الخطأ من الكبر والعجب وانظروا يوم حنين ، يوم أن أعجب بعض المسلمين بقوتهم وكثرة عددهم وظنوا أن النصر حليفهم ونسوا أن النصر من الله ويأذن به متى شاء قال تعالى : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ... ) الآية .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهذب الأخلاق ويعالج الأخطاء أيام الفتن والابتلاءات وكان يستغل المواقف ليُستفاد منها ويضرب الأمثال ليثبت المظلومين ويقوي من عزيمتهم ، فمهما كانت قوة البلاء فإن المسلم يعلم أن له رباً عظيماً وإلهاً رحيماً وبيده مقادير السموات والأرض ، يبتلي عباده فيرفع مكانتهم ويزيد في ثوابهم ثم بعد ذلك لابد أن يمكن لهم .
فالمجتمعات المتحضرة في أي زمان ومكان والتي تريد وأن يعيشوا حياة مطمئنة تستفيد وتوظف ما أنتجته الوقائع من تصورات في علاج مشاكلها وإصلاح أخطائها ، وانظروا في تاريخ الأمم والدول من حولنا في أمريكا وأوربا واستراليا وكندا وفي شرق آسيا والصين بعد صراعات وأحداث وحروب في بلدانهم وصلوا إلى نتائج ودروس وحولوها إلى برامج فازدهرت بلدانهم وتطورت صناعاتهم وتعلم أبنائهم وشرعوا القوانين التي تكفل حقوقهم وتحافظ على دمائهم وأموالهم وحريتهم وكرامتهم وأصبح الفرد منهم يعتز بوطنه والدولة تقوم بحمايته ورعايته والسهر من أجله ولو كان في صحراء مترامية الأطراف أو غابة كثيفة الأشجار ولو قدموا الكثير من المال والعتاد لراحة هذا المواطن وأصبحت حقوق مصانة. وانظروا ماذا يكتب في أول صفحة من الجواز الأمريكي: (حامل هذا الجواز تحت حماية الولاياتالمتحدةالأمريكية فوق أي أرض وتحت أي سماء). وفي الجواز البريطاني!!: (ستدافع المملكة المتحدة عن حامل هذا الجواز حتى آخر جندي على أراضيها) ، وفي الجواز الكندي: (نحرك أسطولنا من أجلك) . إن هذه المبادئ والقيم كانت في أمتنا يوماً من الأيام ، وكان المسلم صاحب عزة وكرامة وله حقوق وعليه واجبات في أي أرض من هذا العالم . لقد آن الأوان لنعمل على تربية أنفسنا وأولادنا وأهلينا تربية تقوم على العقيدة الصحيحة ، والعبادة السليمة ، والعمل الصالح ، والخلق القويم ، والثبات والتضحية من أجلها والدعوة الى كل خير ، وأما الفتن والصراعات والإبتلاءات فنستفيد منها في العودة الى تأليف القلوب وتقوية الروابط وحفظ الدماء والأموال والأعراض التي استبيحت.
إن الدماء التي تسيل والأرواح التي تزهق والأعراض التي تنتهك مما يجري هذه الأيام يجعلنا ندرك جيدا أن قوتنا وعزتنا في ديننا ومتى ما تخلينا عنه لن يكون غير الضعف والذل والمهانة. فلا تنازل عن الثوابت حيث وقد ظهر في الأمة عملاء لا يمانعون أن يستخدموا الدين لإحياء أيِّ فكرة تقوم علينا ، فهم يتكلمون بالإسلام في الأصل لقطع جذور الإسلام ، ولا يمانعون أن يحلفوا الأيمان المغلظة على ما يقولون ، فأهون الأشياء عندهم يمين ، يشترون بها أي شيء ، يرضون الناس بسخط الله ، قال تعالى : ( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه ) الآية .
الأذناب لا يمانعون أن يتصدروا الجماهير على إقناع الناس بشرعية ما يفعلون ، وسيحلفون لكم ، إن أردنا إلا الحسنى ، والله يشهد إنهم لكاذبون . يقدمون ولاءهم للمتنفذين والمحتلين لبيع حقوقنا من أجل مصالح آنية ( وهي في الحقيقة ليست مصالح وإنما يخيل إليهم وإلا هي في الحقيقة مال حرام يحرق حياتهم في جحيم الهم والغلق النفسي الذي يعانوه في كل مكان وزمان ) ولكن لا يخفون على الله ، وقد ظهر شرهم عيانا بيانا ، وقد وسم الله جباههم بالعار والمذلة بأوسمة لا تزال ترى من هلعهم في جمع كل ما يروه أمامهم .
يجب أن نستفيد من الابتلاءات التي تحدق بنا في ترتيب أوضاعنا الإجتماعية والتعليمية والإعلامية وغير ذلك من مجالات الحياة واستخدام جميع ما هو مفيد من التقنيات الحديثة المتنوعة وأن نكثر من العبادات والطاعات وصلة الأرحام ولا ينجينا من هذه الفتن إلا التوبة الصادقة والإخلاص في العمل فإذا علم الله بصلاح قلوبنا وإخلاصها فسيعجل بإذنه تعالى بالفرج ويبدل الأحوال ويصبغ النعم ويدفع النقم . اللهم خذ بنواصينا إلى كل خير، واصرف عنا كل شر والحمد لله رب العالمين .