في البيت الذي حط الشيخ أول قدم له قائلا: بسم الله خلف الفتى الذي ادلف من فتحه الباب مهرولا ومرشدا الكهل إلى ناحية ممر ضيق في نهايته غرفه مرتبه بنظام, مزركشة بنوع من الستائر المتدلية نهاية الأرضية المفروشة بقطيفة حمراء مورده تلتف حولها مفارش عربيه الطراز. أشار إلى الشيخ بالجلوس وطلب من النسوة إن يا تين إلى طرف الممر لأخذ الطفلة للاعتناء بها .
بعد لحظات تناول الاثنان وجبة الغذاء حيث تجنب عدم الخوض في تفاصيل ربما تزعج الرجل وحرص كل الحرص على إرضاء الشيخ ومجاراته في الأكل الذي يدخله إلى فمه ببطء ,مقدما الأصناف جهته التي تتناسب وعمره ,لاحظ في نظرات الشيخ علامات الرضاء والاستقرار. وعند اكتمال الغذاء أوعز إلى الكهل بان يترك جسمه ليتمدد واخذ قسط من الراحة والاسترخاء من عناء السفر.
نفذ الشيخ توجيهات الغلام وكأنه قراء بغية الرجل ,فقد كان فعلا من الأرق والعناء الذي لحقه من خلال يومه بحاجه إلى مثل هذه القيلولة مذكرا مصطفى بالوقت المحدد للذهاب إلى العيادة .
طمأنه مصطفى انه سوف يحرص على عدم فوات الموعد وسيرافق الكهل إلى عيادته الخاصة وستجري الأمور كما ينبغي إن تكون إن شاء الله . بعد أداء صلاة العصر جماعه في المسجد القريب من المنزل عادا إلى البيت اخذين الطفلة الصغيرة وقد ظهرت بأحسن حالا, ذلك ما شاهد الكهل عند رؤيتها فما كان منه إلا إن شكر الجميع على حسن الضيافة ،هم بالانصراف جهته فتبعه الفتى جانبه مصرا على مرافقته إلى إن يكمل مشواره للاطمئنان على الاثنان .
وصل الكل في الوقت المناسب وتم حجز مقعدا متقدما وسجل مريضه في كرت الانتظار. كانت حركة الفتى توحي انه ينوي التدخل لدفع أجره المعاينة ,فقد جمع في المنزل ما اذخره من مصروفه الخاص وقامت الأسرة بإعطائه بعض مدخراتها وفي نيتها تكفل علاج الطفلة .إلا إن الشيخ الكهل أخذه جانبا عندما راءه يضع يده في جيبه ويريد دفع الأجرة قائلا المال متوفر فاخرج صره تحوي نقودا طائلة مشدودة بحزمه من البلاستك وأصر على إن يعيد الفتى نقوده إلى موضعها وتقبله شكره الكبير واعتزازه بأخلاقه وقيم أسرته المحبة على فعل الخير الكثير الذي طاله منهم ,انتهت المقابلة بعد تشخيص الطبيب لعلاج الطفلة واخذ العلاج المكتوب في الروشتة من الصيدلية المجاورة .
كانت نية مصطفى أن يتجه بعد العلاج إلى المنزل ثانيه وحتى يطمئن على حاله الطفلة وتستقر حالتها إلا إن الشيخ أكد إن لديه من المشاغل ما تعيقه عن المبيت والتأخر يوما اضافيا وأردف تقديم الشكر والامتنان له ولأسرته الكريمة طالبا منه طلب تاكسي لتوصيله إلى المحطة العامة للانطلاق إلى وجهته صوب قريته ,وبعد إصرار الرجل على السفر ذهب الفتى إلى حيث تتقاطر سيارات الأجرة المنتظرة لزبائنها وأشار أليه بأخذ الشيخ إلى المحطة وأعطاه أجرة النقل في غير علم الشيخ الذي ودع الفتى مره أخرى قائلا له انه يعيل هذه الطفلة بعدان توفي أبواها في حادث سير في إحدى الدول الشقيقة أثناء رحله اقتراب ولده وزوجته الذي لم يرزق منها إثناء ذلك سوى هذه المسكينة ومنذ ذلك الحين وهي عالته عوضه الله بها عن فقد الابن .
ترحم مصطفى على روح أبويها وتمنا للجد الصبر والسلوان ,صعد الجد السيارة التي انطلقت إلى وجهتها وهو يلوح لمصطفى بيده ويبتسم هاز رأسه في سعادة عن الخلق الذي يتحلى به الفتى الطيب .
ماهي إلا برهة إلى وقد كانت المحطة في ناظريه وأصوات الهتافات تتصاعد مناديه إلى أماكن تحرك النقل ,سمع الشيخ وجهته واشعر السائق بالتوقف مشكورا مادا له بالنقود الذي رفضها السائق مؤكدا إن الفتى دفع الأجرة فتنهد الكهل تنهيدة عالية قائلا الله يهديه وقد فطن إلى ما ظلت نية مصطفى وأسرته تحاول إن تقوم به طيلة اليوم ومضى إلى وجهته وهو يردد الله يهديه الله يهديه.