لقد حدثت نقلة تاريخية في العلاقات بين إيرانوالولاياتالمتحدة، حينما أجرى الرئيس باراك أوباما ظهيرة يوم الجمعة الماضي اتصالا هاتفيا بالرئيس الإيراني حسن روحاني، وقتما كان يستعد للرحيل متجها إلى المطار. جاءت الرغبة في إجراء مكالمة هاتفية من الجانب الإيراني، الذي سأل البيت الأبيض عن الاتصال الهاتفي القادم من الرئيس أوباما. وباستعداده لمغادرة نيويورك متجها إلى طهران بعد أربعة أيام من العمل الشاق خلال اجتماع الجمعية العامة بالأمم المتحدة، من أجل تحسين صورة إيران، كان لدى روحاني مهمة لم تكتمل يحتاج إلى إنجازها! على مدى أيام، ظل روحاني يكرر أنه يملك الصلاحيات الكاملة لاتخاذ أي خطوات أو إجراءات لازمة، لتحسين علاقة إيران بالمجتمع الدولي وحل المشكلة النووية. أشار أوباما في خطابه التاريخي في يوم افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة بوضوح إلى أن هناك وقتا استثنائيا وفرصا متاحة، حينما كان يخاطب إيران بلهجة شديدة العذوبة. ما قاله أوباما هو أنه قد لا يتوفر للرئيسين الظروف والفرصة نفسها مجددا لتوطيد العلاقات، إذا لم يحققا أهدافهما اليوم. لقد فهم روحاني، بوصفه رجلا ذكيا بشكل مذهل ورجل دين معتدلا وسطيا، النقطة واستغل الفرصة بطلب إجراء اتصال هاتفي قبل مغادرة الولاياتالمتحدة. إن عدم الثقة والخلافات التي تعود جذورها إلى 34 عاما مضت بين البلدين قد ذابت مع المحادثة الهاتفية التي استمرت 15 دقيقة، كذوبان الرمال في الأيدي أمام شمس مشرقة. تجنب روحاني المحادثة وجها لوجه ومصافحة أوباما بالأيدي نظرا للخلافات وردود فعل كان يقدر أنها ستواجهه من قبل المتشددين في إيران. ربما اعتقد روحاني الماهر أنه قد لا يكون هناك أي وقت آخر متاح للرئيسين إذا لم يظهر الشجاعة. من ثم فقد خاض غمار المخاطرة وجعل المهمة المستحيلة ممكنة. من المقرر أن يقوم رئيس الحكومة الإسرائيلية المنزعج بنيامين نتنياهو بزيارة واشنطن العاصمة يوم الاثنين لمقابلة أوباما. هذا هو نتنياهو الذي بدا منعزلا هذه الأيام، ولا يملك أحد آذانا صاغية للاستماع إلى مزاعمه بأن رئيس إيران الجديد حسن روحاني يكذب ليكسب وقتا ويصنع قنبلة نووية. في واقع الأمر، لم تأتِ هذه المكالمة الهاتفية لإيران بسهولة. فقد توخى المسؤولون الإيرانيون الحذر الشديد في أفعالهم وأقوالهم خلال زيارتهم في نيويورك، خصوصا في الحديث عن اليهود وإسرائيل. علم الإيرانيون أن الساحة لا يمكن أن تكون جاهزة بالنسبة للرئيس أوباما لاتخاذ الخطوات الأولية في حالة ما لم يظهر روحاني لهجة متسامحة وأكثر لينا تجاه إسرائيل، أقوى حليف للولايات المتحدة الأميركية. وفي مقابلة لروحاني مع شبكة «سي إن إن» الإخبارية، اعترف بمذبحة الهولوكوست ووصفها بأنها جريمة ارتكبت ضد الإنسانية على يد النازيين الألمان، ومع ذلك فقد أنكر هذه التعليقات لاحقا، ووصفها بأنها فبركة من قبل «سي إن إن»، وألقى باللوم على «المترجم السيئ»! بالأساس، جرى الإنكار لأجل السوق المحلية، خلاف ذلك، فقد أدلى روحاني بما جرت ترجمته على الهواء مباشرة للمذيعة كريستيان أمانبور بمحطة «سي إن إن». وفي حدث آخر، اتبع روحاني في أول خطاباته بالأمم المتحدة أسلوبا أكثر لينا تجاه إسرائيل، وفي أسلوب مناقض لأسلوب إيران المعتاد، لم يطالب بتدمير إسرائيل أو يصفها بالنظام الصهيوني المحتل. وفي اليوم الثاني من زيارته أذهل الجمهور عندما تحدث في مؤتمر وطالب على الملأ بضرورة توقيع إسرائيل على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. واستخدم كلمة «إسرائيل» كاعتراف غير مباشر بدولة إسرائيل! لم تخفَ كل تلك التغييرات واللهجات الأكثر لينا على الرئيس أوباما ومستشاريه للاقتناع بأن القيادة الإيرانية تغير نهجها الدبلوماسي الخارجي وتسعى للعودة مجددا إلى المجتمع الدولي كدولة صديقة من دون أن تكنّ عداء تجاه أية دولة. سلط اتصال روحاني الهاتفي بأوباما الضوء على أهمية المحادثة وجها لوجه بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوم الخميس على هامش اجتماعهما مع مجموعة «5 1» بالأمم المتحدة. أما الاجتماع المقبل والأكثر أهمية بين إيران ومجموعة «5 1» فمن المقرر عقده يوم 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في جنيف. بالنسبة إلى الكثير من الإيرانيين الذين ربما لا يكونون قد رأوا بأعينهم، بل سمعوا فقط عن تلك الأمجاد القديمة لفترة حكم آخر ملك لإيران، وهو محمد رضا شاه بهلوي، التي حظيت فيها إيران بالاحترام والنفوذ، يتمثل الحلم في رؤية بلدهم يسير في اتجاه أفضل. ويدرك جيل ما بعد الثورة الإيرانية أنه كي تتمتع الدولة بحياة ومستقبل أفضل فإنها بحاجة إلى التعايش مع الغرب، ولا سيما الولاياتالمتحدة. لقد حصل روحاني على تأييد أكبر عدد من الناخبين، لأنه طمأن الإيرانيين المحبطين بأنه يملك المفتاح لباب السعادة والأمل. كانت المكالمة الهاتفية بمثابة انتصار بالنسبة للكثير من الإيرانيين. الباب موصد وبحاجة إلى فتحه! أكثر ما يعبأ به الإيرانيون اليوم هو أن حسين تحدث إلى حسن! (إشارة إلى الاسم الأوسط الإسلامي الشهير لأوباما، والاسم الأول للرئيس الإيراني روحاني، الشقيقين!).