محاولات الهروب والتنصل من الحلول المشروطة بمعنى عندما تضع بعض القوى إعادة أسس بناء الحكم على اساس فيدرالية من إقليمين وعلى أن يتضمن أيضاً فترة زمنية مزمنة تعطي للجنوب حق تقرير المصير بعد كم سنة , هذا الحل لا ترضى عنه أطراف عديدة لما يترتب عليه من التزامات لاحقة سيفرضها حل كهذا, باعتبار أن بقاء البلد موحداً وفقاً لهذا الشكل الجديد, الشكل الفيدرالي سيكون محكوماً بالتزامات لاحقة ينبغي أن تدفع تجاه الجنوب وناسه . أي أن نجاح هذا الشكل الوحدوي سيكون مرهون بخطة مارشال اقتصادية تتجه صوب الجنوب وناسه يحدث فرقاً في حياة الناس حتى يقبلوه عندما يأتي التصويت على حق تقرير المصير, ولأن هذه النخب لم تتعود أن تعطي وتجترح حلول للناس بالمجموع, لكنها اعتادت أن تأخذ دائماً, وكل ممارساتها السياسية تقوم على المحاصصة وتقسيم البلد إلى غنائم وفيد للفاتحين, فإنه من المستحيل أن يقبلوا بفدرالية من إقليمين وتتضمنها التزامات تجاه الناس, ولذا فإن الأسهل والأفضل للهروب من هذه الالتزامات هو تبعيض وتفتيت إرادات الناس إلى أجزاء متناثرة وعبر أقاليم متعددة تستطيع هذه القوى اللعب على تناقضات وخلق نزاعات بين الناس داخل كل أقليم وبين الأقاليم أيضاً, أن النظم النهبوية واللصوصية التي تستأثر فيه قلة باغية مقدرات بلد لا تستطيع أن تستمر إلاّ في ظل أوضاع اجتماعية يكون فيها الناس في حالة نزاع وانقسام وتشظي.
لأن المجتمع المتشظي والمنقسم على نفسه يسهل نهبه, وإرادات التغيير فيه منقسمة على بعضها البعض, ومشغولة في معاركها الجانبية. وأثبتت الوقائع أن ثقافة سياسيينا وممارستهم ليست ثقافة ابتداع حلول تساعدنا على الخروج من مشاكلنا وأزماتنا, بقدر ما هي ثقافة خلق للمشاكل وتأجيجها وهذا هو ديدن كل سلطة تقوم شرعيتها على القوة في إكراه الناس وإخضاعهم بالعنف, ولذا فإن شرعية كهذه تتناسل منها طبائع أخرى, لعل أبرزها أن الأرض وما عليها تغدو ملك لمن يملك القوة ويتصرف بها من غير حسيب ولا رقيب, وعليه تغدو النخبة الحاكمة لصوصية بطبعها وطباعها..
ولا يمكن الخروج من هذه المتاهة إلاّ بالحلول الجذرية النابعة من الناس , أي أن الحل مرهون بوعي الناس لمصالحهم وتنظيم نشاطهم بحيث يشكلون كتلة تغيير حاسمة, وهذا لن يحصل إلاّ بواسطة عمل شاق ومضني معهم, حينها سيتمكنون من تميّز مصلحتهم الحقيقية وقلب هرم السلطة بحيث يستقيم على قاعدته.