بالتزامن مع استهداف الشهيد صالح حنتوس.. مليشيا الحوثي تختطف مديرا لأحد دور القرآن في إب    الرئيس الزُبيدي يُعزّي بوفاة الشيخ صالح عبدالله اليافعي    الخسارات الضافرة    مصرع ديوغو جوتا مهاجم نادي ليفربول    تقرير أممي يكشف شركات كبرى متورطة في الإبادة بغزة    وفاة وإصابة 23 مدنيا إثر قصف طيران حوثي مسير محطة وقود في تعز    عقال ومشايخ ريمة يروون حقيقةَ مصرع المدعو "حنتوس"    ريال مدريد على موعد مع أرقام قياسية جديدة في كأس العالم للأندية    انفجارات تهز مدينة تعز والكشف عن السبب الحقيقي والضحايا    الغارديان: إسرائيل استخدمت قنبلة زِنتها 500 رطل لقصف مقهى بغزة    دخول 150 إرهابي أجنبي إلى لبنان للتخريب بتكليف من نظام الجولاني    حمد الله تاسع مغربي يحمل الشعار الأزرق    ثنائية لونا تصعد بأمريكا لمواجهة المكسيك في نهائي الكأس الذهبية    هل يكتب عبدالرزاق حمدالله فصلاً جديداً من المجد مع الهلال في كأس العالم للأندية؟    - خلاف حاد بين الغرفة التجارية ووزارتي الاقتصاد والمالية في صنعاء اقرا السبب    إن لم يُنصَف الأكاديمي والمعلم اليوم، فأي جنوب سنبنيه غداً؟    الترب :السلام يصنعه أبناء اليمن بعيدا عن التدخل الخارجي    بندر عدن.. ومآسي الزمن    "النمر" يكشف خطأ شائعًا: خفض الكوليسترول لا يقي من الجلطات والوفيات إلا باتباع طرق مثبتة طبيًا    "ملائكة السيدة ماريا" رواية جديدة ل"عبد الفتاح اسماعيل"    تجاوز عتبة الخوف    العبسي كشف خبايا جريمة قتل في تعز واحتجز في صنعاء رغم تعرضه لمحاولة اختطاف    من يومياتي في أمريكا .. أنتم خزي وعار وتاريخ اليمن الأكثر قتامة    تعز.. طرفا الصراع يعتقلان ناشطَين مدنيَّين    تحت التهديد وتحت جنح الظلام.. الحوثيون يفرضون إجراءات مشددة على دفن الشيخ حنتوس    مدير أمن المهرة يرأس الاجتماع نصف السنوي لمناقشة الأداء الأمني لعام 2025    البنك المركزي بصنعاء يوقف ثالث شركة صرافة خلال يومين ويعيد التعامل مع 13 شركة ومنشأة    دراسة : ممارسة الرياضة تساهم في التغلب على مرحلة ما قبل السكرى    صنعاء: مناقشة سلاسل القيمة لمنتجات "الألبان والطماطم والمانجو واللحوم"    افتتاح مركز الغسيل الكلوي في مستشفى يريم العام    محافظ لحج يوجه بتشكيل لجنة تحضيرية لمهرجان القمندان الثقافي الفني التراثي    هيئة المواصفات تصدر تعميمًا بشأن الإعفاء الجمركي لمدخلات منظومة الطاقة المتجددة    الشعيب: جمعية الحاجة قدرية توزع سبعون سلة غذائية لخمس مدارس في المديرية    الغرفة التجارية بأمانة العاصمة تعلن رفضها القاطع لقرار مشترك للمالية والصناعة بشأن حظر استيراد بعض السلع    20 ساعة يوميا تحول حياة أهالي عدن إلى جحيم    مخيم طبي مجاني في صنعاء    حملة المرور في صنعاء اليوم تبدأ لمنع بيع الأدوات التي تتسبب بعدم الرؤيا    إيطاليا.. العثور على مدفن إتروسكي سليم عمره 3000 عام    دورتموند ينهي مغامرة مونتيري.. ويصطدم بريال مدريد    التعليم في جحيم الصيف وعبء الجوع    لم تعد اللحظة لحظة "إخوان اليمن"    في عاصمة الخلافة والاخوان المسلمين.. صدامات بسبب رسوم مسيئة للنبي محمد    أركان دفاع شبوة يتفقد الجانب الأمني لمشروع الطاقة الشمسية بعتق ويؤكد توفير الحماية    ريال مدريد يهزم يوفنتوس ويتأهل لربع نهائي مونديال الأندية    مونديال الاندية : ريال مدريد يتخطى يوفنتوس الايطالي بصعوبة ويتأهل للدور المقبل    مارك زوكربيرك (شيطان الشعر الجديد) في عصر التواصل الاجتماعي    لماذا فضل الشيخ صالح حنتوس الكرامة على السلامة؟    الأمل لايموت .. والعزيمةً لن تنكسر    اليمنية تعلن إعادة الطائرة المتضررة للخدمة بعد فحص جوي للتأكد من جاهزيتها    الجوبة وماهلية ورحبة في مأرب تحيي ذكرى الهجرة النبوية    الكثيري يشيد بجهود وزارة الاوقاف والإرشاد في تنظيم موسم الحج ويؤكد أهمية ترشيد الخطاب الدعوي الديني    العثور على معبد ضخم يكشف أسرار حضارة انقرضت قبل ألف عام    تصورات خاطئة عن الآيس كريم    استخراج 117 مسمارا من بطن مريض في لحج (صور)    - والد زينب الماوري التي تحمل الجنسية الأمريكية ينفي صحة اتهامها لابن عمها؟    الحديدة: صرف 70 مليون ريال مساعدات للنازحين    شركة النفط والغاز تنظم فالية بذكرى الهجرة النبوية    فوضى أئمة المساجد والمعاهد الدينية تؤسس لإقتتال جنوبي - جنوبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلم غواية الملائكة، والنسيان غواية الشيطان !
نشر في عدن الغد يوم 02 - 11 - 2013


(1)
علاقة الحلم بالنسيان (والموت، كأعلى مقاماته) عميقةٌ ومثيرةٌ جدّاً. من هذهالعلاقة العضوية تأسست مداميك رؤية الإنسان للكون والحياة.فكما يرى علماء الدماغ: مفهومُ سَفر "الروح" إلى "الحياة الأخرى" بعد الموت،على سبيل المثال، اختراعٌ بدائيٌّ للدماغ البشري (عند فجر تأنسنِهِ البيولوجي)راوَدَه كَحُلم. يمكن تفسير ظهور هذا المفهوم كالتالي:ثمّة في الحقيقة لخبطةٌ ذهنيةٌ في آليات عمل دماغِ من يَفقدُ أحد أقربائه الحميمين:الفقيد موجودٌ وغير موجود في نفس الآن. موجودٌ ككينونةٍ لها شكلها ومزاجهاوطريقتها في الحياة، لا يفارق ذاكرةَ أقربائه، وتمثّلَهم لما كان سيعمله في هذاالظرف أو ذاك. وغير موجودٍ لأنه صار جثّةً، جماداً لا غير.

تزداد الفوضى الذهنية عندما يمر طيف الفقيد في الأحلام الليلية لأقاربه:يشعرون حينها كما لو كان حيّاً «في مكانٍ ما». عندما يتذكرونه في أحلام اليقظةيختلجهم أيضاً مثلُ شعورٍ دائم بأنه حيٌّ «في مكانٍ ما»!... ثمةّ شيءٌ غادر الجسدَ لحظة الموت إذن، موجودٌ حالياً «في مكانٍ ما»، يعودُ بينالحين والحين... لم يجد الدماغ البشري، للإنسان الأول، تشبيهاً لذلك أفضل من استعارة«النفخة»، نفخة الهواء التي تغادر الجسد أثناء الزفير!... هكذا، من عناق الموت والحلم وُلِدَ عالَمُ الأرواح والكائنات الخفيّة. أو بعبارةأخرى: العالَمُ الآخر منتوجٌ اشتقاقيٌّ لعناق الموت والحلم!...

(2)
رقصة فالس الحلم والنسيان يوميّة دائمة. تتكثّف وتتركّز أثناء النوم بشكلٍ خاص.ثمّة مفارقة: عندما ننام يكون الدماغُ (مايسترو الجسد، روحُه، وهيئةُ أركانه) فيأوج يقظته، يشتغل بصفاء وتركيز! ماذا يعمل؟ يمارس الحلم والنسيان معاً، طوال الليل تقريباً. الأول لتأثيث الذاكرة وربطمفاصلها، والثاني لتنظيفها من كل التفاصيل والأحداث اليومية الصغيرة الكثيرة. الأول للأرشفة والتأثيث: الأحداث والرغبات والذكريات تتفاعل، تتداخل،تتأرشف، تتبلور، تستشرف، تكسر كل القيود والرقابات، تسافر إلى عالمٍ آخر،تهرب من بؤسِ وقساوة الواقع...

والثاني لمحو كل التفاصيل الآتية من يوميات العالم الخارجي والحياة الخاصة،والتي لا أهمية لها، حتّى لا يُغرِق بها ذاكرته. يرميها في بئرٍ بلا قاع، بئرالنسيان. خلال الحلم، يدمج الدماغ بعض يوميّات حياتنا، ومكنونات إرشيف اللاوعيالكامن في قاعه، ويربطها بعلاقاتٍ تبدو غامضة جدّاً أحياناً، مستعصيةً علىالإستيعاب كليّةً في أحيان أخرى. كلاهما، الحلم والنسيان، حاجةٌ عضويّة جوهرية جذَّرَها التطوّر البيولوجيللإنسان...

فالحلم، لاسيما حلم اليقظة، طاقة إيجابية لها فوائد لا حصر لها: بفضله نرسمتصورات للسعي لمواجهة المعضلات والتحرر من الخوف. هو حوضٌ عبقريٌّللخلق والإبداع الفني. فيه تشكّلت لوحات فنيّة وأعمال موسيقية كبيرة. أثناءهيمارس الدماغ رياضيات الكلمات، يقلّبها في كل الاتجاهات، قبل أن تأخذ خلالهأشكالها النهائية. ثمة روايات أدبيّة هامّة انطلقت من مجرد سرد حلمٍ في صفحتهاالأولى...


والنسيان طاقة سلبية ضرورية مكملة لطاقة الحلم الإيجابية (يتكاملان كقطبٍسالبٍ وموجب). له فوائد عظيمة أيضاً: نسيان بعض الآلام الشخصية القديمةضرورة سيكولوجية حيوية. لولاه مثلاً لما أرادت كثير من النساء، اللواتي تألمنأثناء الإنجاب، أن يحبلن مرة ثانية!... هكذا، "النسيان غواية الشيطان"، و"الحلم غواية الملائكة"، كما تقول عباراتشعبيّة أدركت عمق العلاقة العضوية المثيرة بين الحلم والنسيان. غوايتانمتلاحمتان، لا يمكن للإنسان أن يكون إنساناً بدونهما!...

(3)

أربك الحلمُ الإنسانَ على الدوام كل الإرباك. اعتبره إشارات وأسرار تحدّدمصائر البشر، لحظةَ تفاعلٍ مع العالَم الآخر: عالَم "النفخات" المسافرة والآلهة.اعتقد أن من يمتلك المقدرة على فكّ شفراته (كيوسف مع فرعون) يمتلك قوّةًإلهية خاصّة.أثارهُ الحلم لدرجةٍ استفسر فيها نفسه إذا لم يكن الحلم هو الحقيقة والواقع الحلم!مثل ذلك الفيلسوفِ الصيني الذي حلم ذات يوم أنه فراشة، ثم تساءل عندمااستيقظ من حلمه إن كان قد حلم فعلاً أنه فراشة، أو إذا كان هو نفسهُ فراشةً تحلمُحالياً أنها فيلسوف!...

(4)

أمام ساطورِ الموتِ القاهر، وضنك الحياة وآلامها، لا ملجأَ للإنسان غير الحلم! («إجازتهُ أحلامُه»).يهرب عبره مثل "ثاقب تذاكر محطة لِيلا" (في أغنية الشاعر الغنائي الفرنسيسيرج جانسبورج) الذي يقضي حياته يشتغل بثقب التذاكر في غرفة تحتأرضية في محطة مترو. (أُطلِق اسم هذه الأغنية على حديقة باريسية مجاورةللمحطّة، وعلى خطّ مترو).في دماغهِ "مهرجان وريقات ثقوب: ثقوب درجة أولى، ثقوب درجة ثانية، ثقوبلا تنتهي...". منها يتسلّل الحلم: "في الضباب، في نهاية الرصيف، أرى أمواجاً،وسفناً تأتي تبحث عنّي...".

(5)

أمام ثقل الذكريات الموجعة التي تقاوم النسيان، يُطلُّ الحلم أحياناً لتخفيف عبءتلك الذكريات ومجابهتها. ثمّة غالباً صراعٌ دفين في اللاوعي بين الحلم الحميد، والوجع العتيق الذي يرفضأن يندمل. في روايتي "وميض" (قيد الإكمال) يستعيد الرواي ذكريات أمٍّ استثنائية، ملاكٍحقيقي، ينبوعِ إسعادٍ لا ينتهي، غادرت الحياة وهو في الثلاثين. لكنها وقفت ذات يوم حجرةً عثرة عندما اكتشفت علاقة الراوي الغرامية العنيفةفي مراهقَته بِجارةٍ خرجتْ للتو من زواجٍ فاشل.
صدّتهُ الأم عن مقابلة معشوقته قبيل موعدٍ سِرّي لِلقاءٍ جسديٍّ لهما إستعدّا لهبخفاء ودهاء، وعشقٍ خالص... لم يهضم الراوي موقف أمّه، كما يبدو، حتّى وهو يتجاوز الخمسين من العمر... يراوده ذات يوم حلم غريب، يسرده بهذه الكلمات:

((كنتُ في ذلك الحلم وإيّاها في سريرٍ واسع، تُغطّينا جزئيّاً ملايةٌ قطنيّةٌ بيضاء،غارقَين في قبلةٍ حميميّة. رقصةُ فالس لِسانَينا طويلةٌ لا تنتهي.
نُرتِّل كلّ أنواع بسملات العناق ببطءٍ لا حدّ له. نؤجِّلُ الالتحام والتوحّد بِعنادٍوصمودٍ باسل، بِشهوةٍ قاتلة... لم يكن في ذلك الحلم للمساحةِ حدود، للكتلةِ ثقلٌ أووَزْن. كنّا خلاله عصفورَين يطيران تحت سماءٍ مفتوحة، بنفس الجناحين.))

يستأنف:
((لم أقل إن الحلمَ جوهريٌّ جدّاً، عبقريٌّ جدّاً، لهذه الأسباب فقط. لم أقل ذلك لأنقوانين "الهندسة الفراغية" خلال ممارستنا العشق في ذلك الحلم كانت مرنةً،ليّنةً، هوائيّةً، لا نمَطيّة، مجنونةً، بديعةً جدّاً... ليس لأن بُعد الزمن أثناءه كانممتدّاً، مطّاطيّاً، بلا نهايات أو قيود...
ليس لأن حركة الجسد، التماوجات، الشقلبات، الموسيقى، الوثبات، البيولوجيا،المبادرات، الابتكارات... تحرّرتْ فيه من أيّ تقليدٍ محافظ، من كلِّ مُحرّمٍ أوعائق... ليس لأن الحلم كان، من بدايته إلى نهايته، هاويةً من اللذّات الإلهية...

بل لأن امرأةً في منتصف العمر (لعلّها أمّ من كانت بين أحضاني؟ أمّي التيكانت عكس أمّي في الواقع؟) عبرت الرواق المتاخم لِباب غرفتِنا المفتوح علىمصراعيه، وهي تؤدّي بعض مهامها اليومية لتنظيم المنزل. اتّجهتْ نحو ثلّاجةالمطبخ...
عادت بكأسَي كوكا كولا بالثلج. دخلتْ بابَ غرفتنا دون أدنى اهتمامٍ بأوبراالسرير (الذي لم تكن ملايتهُ البيضاء تُغطّي أكثر من رِجْلي العاشقَين). وضعتْالكأسين في طرفِ لوحِ أعلى السرير.

كأسان حميدان لِلحظة استراحة، قبل جولةٍ جديدةٍ من العشق؟...

ثمّ خرجتْ لِتواصل مهامها المنزلية في الرواق والغرف المجاورة، دون أدنىنظرةٍ تلصُّصية أو فضولية، أو حتّى عابرة، لأوركيسترا تماوج جسد العاشقَين،كما لو كانا يسبحان في نومٍ عميق، كلٌّ في طرفٍ من أطراف الغرفة...))

لم يستطع الراوي، كما يبدو، محو ذكريات كبت الأم لِعشق طفولته ولِعرقلتهالِلقاء موعد غرامهِ الأول. لكنه تصالح مع أمِّهِ الحبيبة بهذا الحلم المضاد الذي قلبذكريات صدِّها لِعشقه الأوّل 180 درجة في الاتجاه المعاكس، من يدري!...

ليس غريباً أن يقول الراوي بعد ذلك:
«كان هاملت يخشى ويكرَهُ الأحلام، أما أنا فأدعو قبل النوم أن تتكاثروتتبارك!».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.