جن جنونه حينما رزقه الله بها, كانت فرحته الأولى وثمرة بذرته في الحياة..أحبها حباً أبوباً سرمدياً,وتعلق بها حد الثمالة,كان يحتويها بعاطفة جياشة وحنان لو "قسم" بين أهل الأرض لكفاهم..كل شيء بداخله يحبها, وكل ما فيه ينطق باسمها حتى كتاباته مهداة لها..كان كلما أصابها ألم أو سقم يحتضنها بحرارة وينتحب بحرقة,ويتمنى لو أن ألمها وأسقامها تصيبه هو,فكله فداها,وروحه رخيصة لها..مر شهران من عمرها وحبها يزداد ويكبر مع كل يوم من أيامها "وتعلقه" بها يتملك كل كيانه..كل يوم يمضي من أيام عمرها كان يمر عليه أعوام ودهور فجل همه أن تكمل ربيعها الأول ليحتفل بعيد "ميلادها" ككل الآباء فقد أعد له العدة منذ أن كانت في شهرها الرابع,وكتب لها قصيدة سيلقيها على مسامعها حينما تطفئ شمعتها "الأولى" حتى وأن لم تفهم ما كتب إلا أنه سيشعر بسعادة غامرة,فهو كتب هذه القصيدة خصيصاً لها إحتفاء بعيدها..إلا ان الرياح تأتي بما لاتشتهي السفن,وكان للأقدار و"الحظ" كلمة الفصل,فما أن أكملت شهرها "السادس"حتى حلت "الفاجعة" وحدث مالم يكن في الحسبان,وصعق الأب,وتزلزل كيانه,فالأقدار قالت كلمتها وفرقت بينهما"ومضى كل منهما إلى المجهول"وتفرق الأب وأبنته,وتيتمت"الطفلة"وحرم الأب"ناظريه"و"روحه". .مضت الطفلة إلى المجهول دون أن تعرف من أباها ودون حتى أن تستشعر عظمة ذلك الحب الذي "حباها",وتجرع الأب مرارة الأقدار و"الحظ" التعيس وفعل الحزن والألم والحسرة والقهر فعلته به, وذاق من أيام الحنين والشوق لطفلته الكثير والكثير .تآكلت الشهور حتى "دلفت"ذكرى عيد مولدها الأول,وهي بعيدة عنه.إلا أنه لم ينس وعده بأن يحتفل بعيد مولدها ويهديها ما أعد لها,وفي يوم عيد مولدها دخل غرفته وأغلق الباب وأشعل شمعة واحدة ووقف أمامها وأخذ يلقي القصيدة التي كتبها لها والدمع يتكسر في مقلتيه والعبرات تكاد تخنق صوته,حتى وصل إلى الأبيات التي تقول:
هنا فقط أنتحب وأخظلت ملابسه بالدموع وأطفئت الشمعة لشدة انحدارها, وانزواء على ذاته يندب حظه,ويشكو سؤ حاله ,مر عامها الأول ولم يحتفل معها, ومر الثاني ولم يحتفل معها,وهاهو عامها الرابع أوشك أن يحل وهما بعيدان عن بعضهما لتظل الحسرة والقهر بين ثناياه على أعياد ميلاد طفلته الضائعة والتي يرتجيها من الأقدار وينتظرها بفارق الصبر,عل الأيام تلم شملهم وتجمع شتاتهم ويحتفي بها وهي بين أحضانه..