يحتج الروس والإيرانيون أن دفاعهم عن سوريا إنما هو حرب ضد الإرهاب أو القاعدة التي ستستولي على الحكم بعد ذهاب النظام الحاكم. هذا المنطق مفهوم لو أن بشار الأسد أتى عبر نظام ديمقراطي منتخب، ولكن النظام السوري الحالي ديكتاتوري شمولي فاشي دموي متسلط اسية من جهة؛ بحكم تحالفهم مع سوريا منذ أيام الرئيس حافظ الأسد، والتداخل الطائفي من حيث المذهب العلوي المنتمي له الأسد رغمًا عن أنه غير مؤمن به أيدلوجيًّا، ناهيك عن أنهم يعرفون أن سقوط الأسد سيضعضع -إن لم ينهِ- حزب الله. والاعتراض هنا ليس على الانتماء الديني شيعيًّا كان أو سنيًّا، ولكن على النشر ولو بالإجبار مما يتخلله من تدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، كالبحرين ولبنان واليمن والعراق. أما اليساريون بما فيهم القوميون فتلك قصة أخرى، ولكي لا أعمم فالقضية السورية عملت شقاقًا بين اليساريين، كما عملت قضايا أخرى من قبل مثل الحرب العراقيةالإيرانية، ومثل احتلال الكويت، ومثل احتلال العراق، مع الفارق الواضح بين احتلال البلدين الشقيقين. من ينافح عن الأسد يعتقد أن البديل سيكون من الجماعات المتطرفة التي ستزيد معاناة السوريين، بينما يرى البعض الآخر أن نظام الأسد هو قلعة الصمود التي تقف ضد العدو المحتل في فلسطينالمحتلة، والأخير منهم يعتقدون أن سوريا ستصبح أقرب إلى دويلات تتصارع إن سقط الأسد. وللأمانة هناك المعقول والمنطقي من التبريرات، بينما تظل بعضها واهية جدًا، فلا نظام الأسد صخرة في وجه العتاة، ويكفي أن العدو المحتل نفسه لم يلق للموضوع بالاً، بل هو دائمًا ما يصرح بموقفه من إيران وتخصيبها النووي وكأنها جارته الحدودية، ولسان حاله يقول: أبشر بطول سلامة يا نتنياهو. النقطة الثانية: أمريكا التي يعتبرها اليسار الشيطان الأكبر، تعاملت مع الملف الأسدي وكأنه ابنها البار الذي انحرف قليلاً، وأبدت له نوعًا من الشدة بموضوع السلاح الكيماوي، فسلمه لهم عن طوع ورقة تغزل بها “جون كيري”، وأي تغزل، أما استمرار سفكه للدماء فحلال بلال مادام ليس بالكيماوي. يتبقى موضوع الأحزاب المتطرفة في المعارضة السورية التي يرى البعض خطورتها على الوضع لو كان لها النصيب بالنصر، ولكن السؤال هو: هل بقاء الأسد هو الافضل؟ ستزداد شراسته ضد معارضيه، وسيتدخل بدموية أكثر في لبنان، وسيصبح حزب الله شريكًا له أكثر من قبل، وستنتهي الديمقراطية الضعيفة في لبنان، وسيستمر الشعب السوري يعيش في جمهورية الرعب مرة أخرى. إن تجارب الدول الثائرة علمتنا تاريخيًّا أنها تحتاج لسنوات كثيرة أقرب للنقاهة، وما يحدث في دول الربيع العربي شيء طبيعي بعد معاناة أكثر من ثلاثين عامًا مع أنظمة دكتاتورية. إن سقوط دكتاتور أمضى نظامه عشرات السنين يوغل بطشًا وفسادًا أصعب بكثير من إسقاط نظام فاسد أو متطرف قد يأتي بعد الأسد. *من احمد الحناكي