أثناء مروري من جولة مركز الكميم التجاري بشارع حدة – صنعاء – ظهيرة اليوم الجمعة ، لفت انتهابي هذه العائلة السورية وهي تفترش الكراتين المهترئة على الرصيف . والد كبير في السن يطأطئ راسه نحو الارض ، الى جانبه زوجته بنفس الطريقة ومعهم ابنتهم الكبيرة وثلاثة اولاد صغار كانوا يصفقون ويبتسمون في وجه الناس المارة ولا يدرون لماذا قذفت بهم رياح الحرب ومعارك الاقتتال من بيوتهم وبلادهم ولماذا جاءوا الى شارع حدة بصنعاء ؟ أول ما شاهدت العائلة قرأت في عيون الاب عناوين عريضة منها العزة والكرامة والحياء الشديد ، كما وقرأت في وجه الام الحاجة والحيرة والضياع ، وقرأت في وجه ابنتهما الشابة الادب والجمال والوقار ، وكما أعجبني هدوء الاولاد الصغار الثلاثة وبراءتهم .
لم اقدر على مواصلة طريقي والذهاب ، توقفت مع زميل عبد الله السامعي طلبت منه الكيمرا وذهبت الى المكان المقابل للعائلة من الشارع المقابل حرصاً على عدم جرح مشاعر العائلة السورية اذا عرفت باني اقوم بتصويرهم ، تسللت الى استراحة شباب حدة واخرجت الكيمرا والتقطت صورة للعائلة من بعيد .
ادركت ايضاً انه من المخجل ان اذهب الى العائلة بدون الكيمرا لأسالها عن وضعها كلما اعرفه بان بشار الاسد وكتائب الاقتتال معاً اجبرتهم على اللجوء الي هذا المكان ..وانا ربما لا استطيع ان اقدم لهم سوى الكتابة عن هذه الصورة المؤلمة . هذه واحدة من العائلات التي تركت بيوتها وهربت من الحرب الدامية ومن الكيماوي ومن المؤامرة العربية على ارض سوريا وتخاذل المجتمع الدولي عن شعب سوريا .
يخبرني الزميل حبيب السيد الذي يسكن في نفس الشارع بان هذه العائلة منذ اكثر من شهر وهي تجلس في هذا المكان ، يخبرني ايضاً انه يشاهدها صباح كل يوم خلال ذهابه الى العمل وهي تفترش الرصيف بين صقيع البرد وشدته لكم ان تتخليوا معي حجم المعاناة . نحن اليمنيين الارق قلوباً والالين افئدة ما دورنا تجاه هذه العائلة ؟؟
ادري ستقولون ان لدينا الملايين من اليمنيين يعيشون حياة اسوأ من ظروف هذه العائلة واتفق معكم تماما .. ستقولون ايضاً لدينا مئات الالاف من المغتربين العائدين نعم .. ولدينا اكثر من 300 الف لاجئ .. صحيح .. يبقى السؤال ما الذي يجب علينا فعله طيب ؟ هذا السؤال وجهته لنفسي قبل ان اطرحه اليكم .. قد تكون كتابتي عن العائلة الطريق الى مساعدة هذه العائلة ان كان هناك من يقدر ولديه ضمير ويحب الخير كما اتمنى . ويبقى دورك انت الاخر على اقل تقدير في التعامل مع اخوتك السوريين وبقية الناس داخل وطنك بروح الكريم والقبيلي والشهم ولو بكلمة طيبة تشعرهم بالأمان وتخفف من عناء صدمتهم .
وتبقى الاسئلة التي تتقافز الان في راسي :
ما ذنب هؤلاء الاطفال ؟ ما هو شكل المستقبل المجهول الذي ينتظرهم ؟ متى ستتوقف المعارك في مدن سوريا ؟ ما دور الجامعة العربية ؟ لماذا كل هذا التخاذل العربي والدولي والجميع يسمع ويرى ما يحدث في سوريا كل يوم . الشعب السوري كل يوم تزداد معاناته وجراحاته . الموت والرصاص والتشرد واللجوء والجوع والخوف تطوق رقاب السوريين . لكم الله ايها السوريون في وطنكم وفي بلدان ودول المهجر التي هاجرتم اليها حفاة عراة جياع .. ستنتصرون حتماً صدقوني وسترجع العائلة الكريمة الى مدينتها وان بقت فستبقى بين ابناء جلدتهم واخوتهم اليمنيين مهما تكالبت قيادات العالم الغربي والعربي الغير انسانية علينا نحن بنوا الانسان السوريين واليمنيون معا.