يوشك العام السادس من احتجاجات أبناء جنوب اليمن الداعيين إلى الانفصال، أن ينقضي دون تحقيق رغباتهم التي يتطلعون لها منذ عام 2007، التي تتمثل في انفصال الشمال عن الجنوب. وما تزال القضية الجنوبية في مد وجزر على أرض الواقع، فضلا عن أنها حجر عثرة أمام اختتام مؤتمر الحوار الوطني الذي يوشك على النهاية.. قضايا جوهرية في صلب ملف القضية الجنوبية، أهمها تحديد شكل الدولة والدستور القادم لليمن الجديد لم يتفق حولها المتحاورون حتى الآن. انقسامات داخلية ويواجه الحراك الجنوبي انقسامات داخلية في صفوفه المشاركة في الحوار الوطني التي أدت إلى انسحاب رئيس مؤتمر شعب الجنوب القيادي محمد علي احمد، وخلفه عدد من ممثلي الحراك.. لكن أطرافا أخرى تواصل المشاركة في الحوار. وكشف رئيس مكون الحراك الجنوبي، عن شروط جديدة للمكون في حال عودته للحوار، حيث أعلن في مؤتمر صحفي عقده في صنعاء، قرار انسحابه النهائي من مؤتمر الحوار، وأن عودة الحراك الجنوبي لأي حوار جديد بصنعاء لن تكون إلا بشروط جديدة وتحت سقف تقرير المصير، واستعادة الدولة الجنوبية بحدودها القائمة قبل مايو ولا خيار غيره، على حد تعبيره. وأكد بن علي أن انسحاب الحراك من مؤتمر الحوار، جاء بعد أن استنفذ كل فرص إيقاف المحاولات الرامية لتمزيق مكون الحراك بمؤتمر الحوار، ووقف التدخلات غير المشروعة من رئاسة مؤتمر الحوار في شؤون المكون وممثليه، إضافة إلى استنفاذه لكل الطرق الممكنة وطرقه لكل أبواب البعثات الدبلوماسية العربية والغربية بصنعاء للتدخل. واشترط محمد علي أحمد وجود ضمانات مكتوبة من المجتمع الدولي في حال عودته لأي حوار مقبل، حتى لا يتعرض للخداع مرة أخرى، كما حصل معهم في الحوار الجاري، الذي قال أنه قد فقد شرعيته منذ أن انتهت فترته المحددة، ومن حق أي مكون أن ينسحب منه بعد انتهاء تلك الفترة المحددة. فيما كشف رئيس تكتل مؤتمر شعب الجنوب عن إجراءه مشاورات مع قيادات الحراك في الخارج، موضحا بأن مكون الحراك الجنوبي "التزم التزاماً أدبياً وسياسياً بالمشاركة في مؤتمر الحوار رغم الرفض الشعبي الجنوبي". موقف دعائي ويرى محللون سياسيون في خطوة الانسحاب هذه بأنها "موقف دعائي" بالنظر إلى تسوية معظم الملفات داخل مؤتمر الحوار ولم يبق سوى الاتفاق على عدد الأقاليم. ومن جانبه قال المحلل السياسي باسم الحكيمي في تصريح له نقلته "إذاعة طهران": إن انسحاب القيادي محمد علي احمد ممثل شعب الجنوب في مؤتمر الحوار ليس مناسبا في هذا التوقيت بالذات، خاصة مع انجاز مؤتمر الحوار ??في المائة من مهامه ولم يتبق سوى بعض الملفات التي يجري الاتفاق حولها، ووصف الحكيمي انسحاب القيادي "بن علي" بأنه ليس إلا نوعا من الغباء السياسي. فيما اعتبر الناشط السياسي محمد الشميري، الخطوة التي أقدم عليها محمد علي أحمد، بأنها خطوة تؤذن بسقوط سياسي مدوٍ للرجل، في رحلة البحث عن مكانة ودور في هذه المرحلة المضطربة من تاريخ البلاد. وأضاف الشميري أن هذه الخطوة ستصنف بأنها إجراء معرقل للحوار وللتسوية السياسية في اليمن.. مما قد يعرضه لعقوبات محتملة..كون الدخول في العملية السياسية كان أساسه الإقرار بمبدأ احترام وحدة اليمن. اتهامات وأسباب وعلى جانب أخر أكد قيادي جنوبي منسحب من مؤتمر الحوار الوطني، وقوف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وراء انسحاب مكون الحراك الجنوبي من مؤتمر الحوار الوطني. وقال المهندس بدر باسلمة عضو لجنة التفاوض المتبلورة من الحوار لحل القضية الجنوبية، في حوار مع قناة "سكاي نيوزعربية" أن التدخلات غير القانونية من قبل الرئيس هادي وأمانة الحوار الوطني في شؤون مكون الحراك وإصرارهما على استبدال وتغيير ممثلين فيه دون الرجوع إلى ممثلي المكون أو القبول بالاحتكام إلى رأي الغالبية من ممثليه كما هو الحال بالنسبة لبقية المكونات. وأضاف "باسلمة" أن استنفاذ كل الخيارات الممكنة أمام المكون لوقوف ذلك، يقفان في مقدمة الأسباب التي دفعت الحراك الجنوبي للاضطرار للانسحاب من مؤتمر الحوار حتى لا يكونوا شهود زور ويتحملوا أي مسؤولية أخلاقية أمام الشعب الجنوبي، عن أي نتائج يخرج بها الحوار لحل القضية الجنوبية. و أكد إصرار هادي وأمانة الحوار وبضغط من قوى النفوذ في الشمال على تمرير مؤامرة سياسية لتقسيم الجنوب وإبقاء خيراته وثرواته وشركات النفط التي تديرها تلك القوى النافذة تحت سيطرتهم حتى لا يتمكن الشعب الجنوبي من الحصول على حقه القانوني في الاستفادة من ثرواته السيادية. مؤكدا أن انسحاب مكون الحراك من الحوار جاء بعد إصرار القوى النافذة بصنعاء على التراجع على كل الاستحقاقات التي حققها مكون الحراك الجنوبي بمؤتمر الحوار والتي كان من أبرزها تشكيل لجنة التفاوض الندي المعروفة بلجنة ال16 والتوافق على مرحلة تأسيسية لعهد جديد ينتهي باستفتاء الجنوب على حقه في تقرير مصيره واستعادة دولته الجنوبية. وردا على هذه الاتهامات رفض الرئيس اليمني المتاجرة بالقضية الجنوبية، مهاجما من يدعون إلى انفصال جنوب اليمن، جاء هذا في خطاب مكتوب للشعب بثه التلفزيون الحكومي في مناسبة الذكرى ال46 لاستقلال الجنوب من الاحتلال البريطاني. وعلى جانب أخر قال نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني، الدكتور ياسين سعيد نعمان "إن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح هو المعطل ومن يدفع بعناصر لعرقلة حل القضية الجنوبية ". وأضاف في حديث له مع صحيفة "الشارع الحضرمي" قيادات المؤتمر الشعبي العام تريد تعطيل مؤتمر الحوار مثلما عبث بالوضع في الجنوب وتريد أن تسير بعبثية ويجب أن نفوت الفرصة على هؤلاء"؛ ودعا ياسين الرئيس السابق للتوقف عن العبث بخارطة الجنوب. جهود مكثفة وللخروج من هذا المأزق تجري جهود مكثفة داخلية و خارجية تبذل لإقناع ممثلي الحراك الجنوبي بالعدول عن انسحابهم من مؤتمر الحوار، و نقلت مصادر دبلوماسية أن اتصالات تلقاها محمد علي أحمد رئيس هيئة رئاسة مؤتمر شعب الجنوب تطالبه بالعدول عن الانسحاب. و طبقا للمصادر تلقى "بن علي" اتصالات من المبعوث الأممي جمال بن عمر وسفراء غربيين بينهم السفيرة البريطانية، تحثه بالعدول عن قرار الانسحاب، الذي أعلنه مع 50 عضوا من مؤتمر الحوار، من إجمالي "70" عضوا يمثلون الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار. و كشفت المصادر أن وساطات تقوم بها شخصيات سياسية مقربة من "بن علي" تحاول إقناعه بالعودة إلى طاولة الحوار. كما أشارت إلى مكالمات واتصالات تلقها من مسئولين على مستوى رفيع في الحكومة البريطانية، تصب جميعها في نفس الاتجاه الداعي إلى عدم ترك الحوار الوطني. و توقعت المصادر أن تسفر هذه الاتصالات والوساطة مع "بن علي" إلى إقناعه بالعودة. الفرصة الأخيرة هناك فرصة أخيرة لحسم قضايا فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار، فمن المقرر أن تستأنف اللجنة المصغرة لفريق القضية الجنوبية اجتماعاتها بحضور مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى اليمن جمال "بنعمر"، وذلك لحسم القضايا العالقة في الفريق. وقال مصدر إعلامي بالحوار الوطني أن التئام الفريق المصغر للقضية الجنوبية يمثل الفرصة الأخيرة للتوصل إلى حلول توافقية حول شكل الدولة الاتحادية وعدد الأقاليم. ومن المتوقع أن يطلع المبعوث ألأممي ممثلي القوى السياسية في اللجنة المصغرة المعروفة بلجنة التفاوض "8 8" على توصيات مجلس الأمن الأخيرة والعقوبات التي ستطال القوى السياسية المعيقة للحوار والعملية السياسية . ويكتسب اجتماع اللجنة المصغرة في فريق القضية الجنوبية أهمية بالغة خصوصاً بعد أن تم تغيير ممثلي الحراك الجنوبي المنسحبين من مؤتمر الحوار بناء على قرار القيادي الجنوبي محمد علي احمد الذي أعلنت في وقت سابق انسحابه وممثلي الحراك من المؤتمر. الحراك الجنوبي في سطور عند الرجوع لتاريخ الحراك الجنوبي اليمني، نظم مواطنون من جنوب اليمن اعتصامات مسيرات ومظاهرات احتجاجاً منذ عام 2007 على ما يسمونه بمعاملتهم من قبل الحكومة المركزية التي يسيطر عليها الشماليين، بما في ذلك فصل الجنوبيين من العمل المدني والأمني. وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات، وبحلول عام 2008 راح الكثير من أبناء جنوب اليمن يطالبون بالانفصال واستعادة استقلال دولة اليمن الجنوبي، القائمة حتى قيام الوحدة اليمنية بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عام 1990. قالت "هيومن رايتس ووتش" أن قوات الأمن والأمن المركزي اليمني على الأخص لجأت إلى ارتكاب انتهاكات موسعة لحقت بالجنوب، منها القتل غير القانوني والاحتجاز التعسفي والضرب وقمع حريات التجمع والتعبير واعتقال الصحفيين وآخرين. وأدت هذه الانتهاكات لخلق أجواء من الخوف، لكنها أيضاً زادت من ضيق الجنوبيين وإحساسهم بالغربة، ويقولون إن الشمال يستغلهم اقتصادياً ويهمشهم سياسياً. وقد أفلتت قوات الأمن من العقاب جراء الهجمات غير القانونية ضد الجنوبيين، مما زاد من المشاعر الانفصالية في الجنوب وألقى بالبلاد في دوامة من القمع والاحتجاجات، أدت بدورها إلى المزيد من القمع. وكثف الحراك الجنوبي حملة للمطالبة بالحكم الذاتي أو الاستقلال عن شمال اليمن، إذ قالوا إن شكاواهم الاقتصادية والسياسية ما زالت لا تجد حلاً. وفي يوليو 2007 نفذ المتقاعدون العسكريون في جنوب اليمن اعتصامات في عدن والضالع ورددوا شعارات مناهضة للوحدة، وفي سبتمبر مقتل ثلاثة يمنيين وجرح ثمانية بمدينة الضالع في مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين يشاركون في اعتصام نظمته جمعيات المتقاعدين العسكريين. وفي نوفمبر قتل شخص وجرح العشرات أثناء تفريق قوات الأمن تجمعات كبيرة كانت متجهة إلى المشاركة في مهرجان دعا له المتقاعدون في عدن بمناسبة ذكرى استقلال الجنوب (عيد الجلاء) يوم 30 نوفمبر. في أبريل 2008 اعتقلت قوات الأمن 12 من قيادة الحراك الجنوبي وقامت باحتجازهم إلى أن عفا عنهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح في سبتمبر، كان بين الزعامات أحمد بن فريد، وعلي الغريب، ويحيى غالب الشعيبي، وحسن باعوم وعلي مُناصر، وآخرين. و أمضوا ستة أشهر في سجن الأمن السياسي اليمني في زنازين تحت الأرض حسب تقرير "هيومن رايتس ووتش، ثم حوكموا بعد ذلك بناء على اتهامات مبهمة سياسية الدوافع تتمثل في "المساس بالوحدة" و"التحريض على الانفصال.