كان السوفييت في الحرب العالمية الثانية يواجهون عويل الريح بغناء كلماته : " إذا فقد الجندي ساقيه في الحرب .. يستطيع معانقة الأصدقاء إذا فقد يديه .. يستطيع الرقص في الأفراح وإذا فقد عينيه .. يستطيع سماع موسيقى الوطن وإذا فقد سمعه .. يستطيع التمتع برؤية الأحبة وإذا فقد الإنسان كل شئ .. يستطيع الاستلقاء على أرض وطنه أما إذا فقد أرض وطنه .. فماذا بمقدوره أن يفعل؟! "
لن يفهمها من لا يعترفون بمفهوم الوطن ! كثير من الدهماء وموائع الفكر والسياسة يفردون أجنحتهم في فضاء التضليل وسماء التغريب لا يدركون كثيرا مما تقرره وطنيات المجتمع وحقوقه المشروعة حيث وردتني العديد من نبوءات الخراب الزاحف نحو وطن السلام ( حضرموت ) عبر رسائل وطرود لا تعبر رسالتها عن رسولها ولا يستوفي مدادها مادتها ليس فيها غير شق الجيوب ولطم الخدود ولعن الجدود وجاهلية لم يعرفها الفكر العربي يوما وكأني بهم الصارخ في وجه الطوفان كما جاء في الملحمة البابلية القديمة عاجزون عن تقديم حلول ومبادرات تحفظ للقرار القبلي كرامته وتعير المخاوف المحتملة اهتماما وتضع لها اعتبارا وترعى سلامة الوطن والمواطن !
حضرموت باتت في وضع شائك يحتاج إلى التفاف شعبوي ونخبوي دون المساس بثوابته الوطنية أو التشكيك في نواياه التحررية المتجردة على أن يكون هذا الاصطفاف نوعيا لما يحمله من خصوصية الزمان والمكان وآلية التغيير !
لا يمل العاثرون في مسالك الفكر القومي والوطني عن النقب في سده المنيع وقوامه الصادح ب الحرية والفداء يضرمون في أجنابه نار الوهن والثلب ونسوا أن النار تزداد بالنار اشتعالا (( حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا () فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا () ))
يقف البعض طاعنا في شرعية الدعوى وآخرون ينصبون عقيرتهم بالتهويل والعويل والخوف من شفاعة الشيطان وعرائس الدم دون أن يشاركوا في صياغة ميثاق وطني وأهلي يحفظ الحق العام والخاص ويقطع الطريق أمام من أسموهم " دسائس الدولة العميقة " . . وهكذا دائما حين ترغب في إحداث جلبة عارمة فما عليك سوى جلب السفهاء والطبول !
" المتأني في علاج الداء بعد معرفة الدواء كالمتأني في اطفاء النار وقد أخذت بحواشي ثوبه " هذه الثقافة الآنية تخلص إلى فكر سياسي وإداري هام مادته لحظية التفكير وألمعية التدبير يحمل صاحبه على الخلاص من فوبيا الحسم ونفاذية القرار وتجعله أكثر واقعية وأجدر مثالية في معالجة المتغيرات وفرز الأحداث العارضة, لذلك فقه الكثير من النخب أن ما يجري في حضرموت حالة استثنائية لا تولد في عصر مرتين وأن عليهم توجيهها وتعبيد مسالكها وتغليب ثورتها وشرعيتها لا أن يخمدوا جذوتها ويكسروا قناتها لأن القبيلة الحضرمية هي ما تبقى لدى أبناء هذا الوطن بعد فشل الكيانات الحزبية والحقوقية في تمثيل قضيته !
لم يعد الكلام في هذا ذا جدوى وحضرموت على مشارف مرحلة جديدة تتطلب وعيا نقيا وعقلا رصينا وعزما فتيا وحراكا مزلزلا وحصانا متينا وإيمانا عميقا وابتهالا علويا وإجماعا شعبيا .. لك الله يا وطن ! اختم مقالي بهذا البيت الحميني من التراث الحضرمي الجميل : يا حضرمي شوّق لحضرموتكْ ** شوِّق لقرع الشول لا يفوتكْ