بمنتهى الصراحة أثبتت االأيام والأشهر والأعوام الماضية بأن حُكم العسكر هو أنجع الطرق للحكم في وطننا العربي وإلى حين، وأثبتت أيضاً بأن أوضاع الدول العربية التي حكمها العسكر قبل إندلاع ما سمي بثورات الربيع العربي كانت أفضل حالاً من الآن. وليس بالضرورة أن يكون حُكم العسكر من النوع المؤسساتي القوي كما كان الوضع في تركيا مثلاً، الذي لم نكن نعرف الخلفيات الحقيقية وراء محاولات تدميرها من قبل رئيس وزراء تركيا رجب أوردغان حتى أفتضح أمره بعد الثورة المصرية المباركة، بل أن ألاهم هو أن تتواجد على الأقل قوة الردع الكافية ضد كل من تسول له نفسه المساس بأمن البلاد حتى وإن كان هذا الردع مقتصراً على الأمن فقط.
ومن هذا المنطلق فإن القول بالديمقراطية في أوطاننا العربية أثبت أنه نوع من الترف الزائد عن الحاجة الذي لا تقدر أن تصل إليه مجتمعاتنا العربية حالياً، ولكي نكون أكثر صراحةً ووضوحاً ينبغي علينا أن نقول بأنه لو لم يكن وجود المؤسسة العسكرية المصرية الوطنية القوية والواعية لما نجحت ثورة 25 يناير 2011 ضد الرئيس حسني مبارك، ولما أنتصرت أيضاً الثورة الشعبية التصحيحية في الثلاثين من يونيو الماضي في مصر ضد محمد مرسي حيث وقفت المؤسسة العسكرية في ظهر شعبها في كلتا الثورتين ودفعت به لتحقيق مايريد.
وبنفس الدرجة أو أقل تشابه الوضع في تونس حيث ماتزال المؤسسة العسكرية متماسكة للحفاظ على مكتسبات البلاد، في الوقت الذي لم تنجح الثورات الربيعية في كل من اليمن وليبيا اللتين لا تمتلكان مؤسسات عسكرية حقيقية، بل عصابات لنهب الميزانيات التي تصرف بإسم الجيوش (الجرراة)، بينما لم يكن المعيار هو نفسه في سوريا كثورة شعبية من أجل التغيير بل كانت عبارة عن مؤامرة خارجية ركبت ثورات الربيع العربي بهدف قلب النظام الذي يقف في خط الممانعة والمقاومة، ولأن النظام يمتلك مؤسسة عسكرية حقيقية تمكن من الدفاع عن الوطن ودحر جحافل المرتزقة وهو الآن في طريقه المؤزر للإنتصار.
وعلى نفس السياق إن عدنا إلى الوراء قليلاً كان يمتلك العراق من أعتى الجيوش في العالم كمؤسسة عسكرية قوية وراسخة، ولذا تطلبت إزاحته أكثر من ثلاثين دولة كبرى بالإضافة إلى دول عربية. ولا ننسى بلدنا الرائع لبنان الذي لو لم يكن فيه (حزب الله) كحزب عسكري ممانع ومقاوم كرديف للدولة اللبنانية والجيش اللبناني لكانت لبنان اليوم تشكل الحديقة الخلفية للعدو الصهيوني.
وعلى نفس السياق، في الوقت الذي تستعد فيه مصر هذه الأيام للإستفتاء على مشروع الدستور في إطار خارطة الطريق الذي ستكون نتيجته بالتأكيد (نعم) لأن الشعب المصري أكثر وعياً من أن تفوته هذه الفرصة، تجري أيضاً الإستعدادات للإنتخابات البرلمانية التي سيتبعها مبايعة الفريق أول عبدالفتاح السيسي من قبل جموع الجماهير كرئيس لمصر بعيداً عن مقلب (الصندوق) الذي عهدناه في وطننا العربي كأداة لتزوير إرادة الأمة.
ألم يأتي هذا الصندوق بأفشل القادة العرب وآخرهم الإخواني المعزول محمد مرسي الذي أعاد مصر إلى العصر الحجري كما قال كاتبنا الكبير محمد حسنين هيكل.
ومن المفارقات العجيبة أن في معظم الإنتخابات البرلمانية أو الرئاسية العربية تحضر لجان المراقبة الدولية التي تمنح صكوك الحرية والنزاهة لهذه الإنتخابات التي نكتشف فيما بعد أنها كانت مزورة.
لست ضد العملية الديمقراطية ولست ضد الدولة المدنية ولست ضد الإنتخابات الحرة والنزيهة ولكن على ألا تستخدم هذه الأليات والوسائط من قبل قراصنة السلطة والمجرمين وشذاذ الآفاق لتحقيق مآربهم الشاذة.
لذا لا يمكن بأي حال من الأحوال التأسيس لدولة ديموقراطية من رأس الهرم بل من القواعد التي تضبط إيقاعاتها السياسية والإجتماعية والإقتصادية مؤسسات وسلطات مستقلة راسخة ومحكومة بأعراف النظام والقانون.
الديمقراطية ليست (صندوق) يجتمع إليه الأميون والجهلة والمتخلفون من الرجال والنساء ليدلوا بأصواتهم كما أوحى إلينا الغرب، بل أن الصندوق يمثل ذروة النظام الديموقراطي الذي لا يستخدم إلا بعد إكتمال المنظومة الديمقراطية بتنوعاتها الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية الغير متوفرة في مجتمعاتنا العربية حالياً.
كما أن الديموقراطية ليست رديفاً للفوضى التي عبر عنها مع الأسف الشديد بعض قطاعات الشباب المصري التي شاركت في ثورة 25 يناير و30 يونيو عندما أصدرت الحكومة المصرية في الأيام الماضية قانون تنظيم التظاهر، معتقدين أنه قانون ضد الحريات، وكأن الحرية بالنسبة لهم هي الفوضى.
ومن الغرابه أن نجد بعض الحكومات الغربية تهب لإدانة هذا القانون بينما نعرف أن قوانينها أشد وأنكى في تقييد حريات التظاهر ولا يسمح أبداً بأقل القليل ممايحدث في مصر الآن.
المقولة التي تنادي بسقوط حكم العسكر لاسيما في الظروف التي تمر بها الأمة، لا شك أنها بضاعة مضروبة مستوردة من الخارج هدفها إسقاط آخر الخيارات التي يستطيع أن يستنجد بها المواطن العربي بهدف إستباحة أوطاننا بالكيف والشكل الذي يريدون. النصر للشعب المصري وجيشه البطل.