[1] بين عشرات التعليقات المنشورة عن تطورات الوضع المصري بعد الانقلاب العسكري ضد الرئيس المنتخب؛ كان أخطر واحد فيها هو تعليق منسوب لحركة الشباب الإسلامي الصومالية تذكر التيار الإسلامي السلمي بحقيقة مستقرة في منهاجها أن لا فائدة في الديمقراطية ولا التغيير السلمي، وأن الحل الوحيد هو في.. الجهاد!
نعم.. هذا هو أخطر ما يمكن أن يستقر في نفوس أبناء التيار الإسلامي العام: ناشطين ومؤيدين.. وستتأكد ثمرة التجربة الجزائرية أن لا الغرب ولا القوى السياسية العربية: ليبرالية وقومية ويسارية، وعلمانية؛ إضافة إلى الجيوش؛ تقبل بشروط الممارسة الديمقراطية التي أولها احترام نتائج صندوق الانتخابات النزيهة الدورية والقبول بها إن كان الفائز هو التيار الإسلامي (المتشدد) كما جبهة الإنقاذ الإسلامية، أو المعتدل مثل الأحزاب الإسلامية التي تمارس العمل السياسي في إطار الدساتير والقوانين، وتراعي نفسيات الكارهين لكل ما هو إسلامي لدرجة حذف صفتها الإسلامية من الاسم!
«من مواصفات الانتخابات السليمة المقبولة أن تكون دورية أي منتظمة في مواعيد معلومة.. وأقر أنني كنت أعد ذلك من قبل التزيد ولزوم ما لا يلزم؛ حتى كانت التجربة المصرية فآمنا أنها ليست إكسسوار؛ بل صارت مهمة جدا بعد ما حدث في مصر.. فقد ابتكر الفراعنة معيارا جديدا للديمقراطية هو ضرورة أن يحقق الفائز في الانتخابات نتائج سريعة في حل كل المشاكل المتراكمة منذ عشرات السنين خلال مائة يوم فقط وإلا.. فإن من حق المعارضة أن تطالب بإجراء انتخابات مبكرة، وتحرق الشارع بنيران البلاطجة، وإن لم تفلح تتحالف مع العسكر والأنظمة الديمقراطية الليبرالية الحداثية المدنية الوراثية الحاكمة في دول البترول لإسقاط السلطة المنتخبة!».
[2] لا تستهينوا بمثل هذه الثمرة المرة للانقلاب العسكري الليبرالي.. أي الكفر بالحل الديمقراطي لمشكلة السلطة الذي ظل الجميع –صدقا.. أو كذبا كما اتضح الآن في مصر- يعلنون منذ الثمانينيات أن الديمقراطية هي الحل، وأنها أفضل الحلول على ما فيها من ثغرات، وأقلها خسارة.. وكم خاض الإسلاميون المؤمنون بذلك من نقاشات وجدالات .. وكم تعرضوا للتكفير والتفسيق، وتهم العمالة والخيانة من أتباع المجموعات الإسلامية الرافضة لكل ما هو غربي.. وعندما انتصرت ثورات الربيع العربي السلمية راجت مقولة إنها بصورة ما انتصار للتيار الإسلامي المعتدل وهزيمة لتيار التغيير بالجهاد المسلح أو تيار العنف الذي تمثله توجهات تنظيم القاعدة، والسلفية المقاتلة في المغرب العربي.. وحتى المنهجية الإيرانية التي تجعل للممارسة الديمقراطية ضوابطا وحدودا وإشرافا فقهيا صنفها بأنها حكومة دينية كهنوتية.. والقائمة تطول، ويدخل فيها نهج حسين الحوثي، والمجموعات السلفية التي ترفض الديمقراطية من أساسها التي تعتبرها كفرا بواحا، وشركا بالله لأنها تجعل لله شركاء في الحكم.. وتعتبر التعددية مؤامرة يهودية صليبية لتمزيق المسلمين.. إلى آخر المقولات التي كانت مدار جدال لا ينتهي.. وأخشى أن يقال اليوم: [شفتم.. ألم نقل لكم؟ كلها لعبة يهودية صهيونية.. ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى.. ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم؟].
مع إيماني بشوروية السلطة، وحق الأمة في أن تولي وتعزل حكامها وفق آليات العقد الدستوري؛ إلا أن الذين أعلنوا كفرهم بالديمقراطية: أصلا وفصلا يجدون اليوم حيثيات قوية لتأكيد موقفهم، والجدال معهم قبل هزيمة الانقلاب المصري وعودة الشرعية الدستورية سيكون هزيمة مبكرة للمؤمنين بالتغيير السلمي والاحتكام للشعب وجعله مصدرا للسلطات!
وأخشى ما أخشاه إن نجح انقلاب الجيش المصري نهائيا أن يفلت العيار عن الشباب الممتلىء حماسة، ويتكرر ما حدث في الجزائر ليس في مصر فقط ولكن في كل بلد إسلامي.. ولا تستغربوا إن قرأتم عبارات مثل: - آسفين يا.. تنظيم القاعدة! - آسفين يا جبهة الإنقاذ الإسلامي الجزائرية! - آسفين يا إيران التي تتعرض لكيد اليهود والصليبيين بدعوى البرنامج النووي وهم يقصدون نظامها الإسلامي! - آسفين يا خامنئي.. آسفين يا أسامة بن لادن.. يا أيمن الظواهري.. يا أبو مصعب الزرقاوي.. يا حسين الحوثي.. آسفين يا شيخ مقبل الوادعي.. آسفين يا كل من كفر بالديمقراطية وحذر منها أنها أكذوبة ولعبة يهودية صليبية!
[3] ومن أسوأ وأخطر نتائج الانقلاب العسكري المصري؛ هو هذا الحقد الدفين الذي أظهرته القوى القومية والشيوعية والعلمانية والمسيحيين السياسيين ضد الإسلاميين، والمشاركة في إقصائهم عن السلطة بالتعاون مع العسكر، والدول الرجعية (!) في الخليج، وبضوء أخضر من الغرب.. وحتى في اليمن رفضت قوى متحالفة مع الإسلاميين، وتزعم أنها حاملة فكرة الدولة المدنية الحداثية؛ أن تعتصم بالقول المأثور: إذا ابتليتم فاستتروا.. وراحت تنشر لصبيانها وسفهائها ما يؤكد أنها ما زالت وفية لعداواتها ضد الإسلاميين في العقود الماضية، ووفية لأفكارها التي كانت ترى في الإسلام رجعية وتخلفا ومن مخلفات القرون الوسطى.. أو كما حدده بيان لطلابهم نشره موقع حزبهم واصفا احتجاجات المعارضة المصرية والفلول المدعومة من مشيخات البترودولارات في 30 يونيو بأنها ثورة ضد التخلف والفساد والجهل.. ثم يبكون بعد ذلك من الإقصاء والتهميش.. الحمد لله؛ أريتمونا التهميش والإقصاء الأصلي الوكالة.. لا الإقصاء من وظيفة أو التهميش من منصة ساحة التغيير!
سنناقش مقولات عديدة في الأيام القادمة إن شاء الله لصحفيين ومفكرين مثل هيكل وبشارة عزمي وآخرين من دونهم.. لكن احسبوا من الآن كم واحد سوف يستنكر مشاركة (رجال الدين والكهنوت) في منح الشرعية لانقلاب عسكري بدعوى المفسدة والمصلحة وتجنيب مصر الفتنة والحرب الأهلية؟.. وكم واحد سيلعن علماء وباباوات مدرسة ذيل بغلة السلطان العسكري العلماني الحداثي هذه المرة أو أكاديمية حمار العسكر الفاشيست؟.. وكم واحد سينادي بفصل الدين عن الدولة، ويؤكد أن درس الانقلاب المصري يعني ضرورة تكريس مبدأ: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، وخطورة إقحام الدين في الخلافات السياسية!
ننتظر الآن وخاصة من اليساريين العلمانيين الحداثيين الذين لم يتمكنوا من إخفاء حقدهم على الإسلاميين أن يقولوا لنا رأيهم فيما حدث.. ورجاء لا تقولوا: المسؤول هو فشل الإخوان ومرسي في إدارة البلاد حتى كادت مصر تدخل في حرب أهلية.. رجاء لا تقولوا هذا.. فحتى شهيدكم سلفادور الليندي حكم تشيلي نتيجة صناديق الانتخابات النزيهة ثلاث سنوات (وليس سنة واحدة) لكن كانت كلها مشاكل اقتصادية واجتماعية، وإضرابات ومؤامرات داخلية وخارجية حتى أقصوه بانقلاب دموي.. وظللتم سنوات وسنوات تنددوا بالمؤامرة الإمبريالية على الحاكم الشرعي المنتخب ليلا ونهارا.. ولا زلتم حتى الآن عل الموقف نفسه.. فما الفرق بين سلفادور الليندي وبين د. محمد مرسي في ميزانكم؟ باستثناء أن مرسي إسلامي فالحاكمان واجها الظروف نفسها والمؤامرة نفسها، وبالأساليب نفسها.. ما عدا دموية أسلوب العزل؛ حتى الآن فقط (ربما لتغير الظروف وتطور الوعي الشعبي وانتشار الإعلام المفتوح) فإن كان الانقلاب على حكم الليندي جريمة فما الذي يمنع أن يكون الانقلاب على مرسي جريمة؟ وإن كان المتآمرون اعتدوا على حرية الإرادة الشعبية الحرة فالذي حدث في مصر هو أيضا اعتداء على الإرادة الشعبية الحرة!
يا أمة ضحكت من مثقفيها ومفكريها الأمم: حتى مصطلح الانقلاب العسكري صار قابلا للتلاعب به وتغيير معناه بما يوافق الكراهية للإسلاميين عند البعض.. وللإسلام عند البعض الآخر!
[4] عزل مدير المخابرات المصرية بعد يوم واحد أو يومين من الانقلاب العسكري يؤكد أن العسكر هم الذين يحكمون وليس المأسوف على سنه الرئيس الانتقالي (لا أحبذ وصفه بالطرطور الانتقالي فهو شريك أساسي في الانقلاب) فمن غير المعقول أنه اتخذ القرار بناء على قناعاته الشخصية.. وأشك أصلا أن يكون يعرف حتى اسمه وشكله.. هذا مثال للمطبّلين بأن ما حدث في مصر ليس انقلابا عسكريا! وعلى رأي المصريين: - ولسّه.. ولسّه.. ولسّه!