كتب/ سعيد عكاشة شكلت الاتجاهات السياسية والأمنية في العام 2013 في إقليم الشرق الأوسط في مجملها تقليلا للمخاطر على تل أبيب، بما يدفع الخبراء لتوقع امتدادا لتلك الاتجاهات في عام 2014، فداخليا لم تنفجر العديد من الأزمات التي كانت قائمة منذ عام 2011 في وجه الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بقيادة الليكود وإسرائيل بيتينو. أما على صعيد التفاعلات في الشرق الأوسط، فقد شهدت المنطقة مجموعة من التطورات التي تصب في صالح أمن تل أبيب، كفشل أيا من طرفي الصراع ( النظام والمعارضة) السوري في الحسم، بل وتوقيع اتفاق برعاية موسكو وواشنطن لتجريد سوريا من أسلحتها الكيماوية، وقدرة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم على التماسك رغم حذر بعض أطراف الائتلاف مما يجري في المفاوضات مع الفلسطينيين، وتأثيرها المحتمل على استمرار بناء المستوطنات، والتوقيع على اتفاق جنيف بين مجموعة 5 1 وإيران حول تقنين حقوقها في الاستفادة من الطاقه النووية سلميًّا، وأيضًا انشغال مصر بتعقيدات صراعها الداخلي بين السلطة وجماعة الإخوان. تراجع احتمال الحروب
وثمة اعتقاد في إسرائيل بأن عام 2014 لن يشهد حربًا بين جيوش نظامية عربية والجيش الإسرائيلي، لاسيما مع تحول الدول العربية -وعلى الأخص المجاورة لإسرائيل: مصر، الأردن، لبنان، سوريا- نحو التركيز على أزماتها الداخلية. كما أن هجرات اللاجئين السوريين إلى لبنانوالأردن بشكل واسع قد تؤدي حال استمرارها – بحسب رؤية تل أبيب- إلى تغيير الموازين الديمغرافية في هذين البلدين، بما يقلص من نفوذ الشيعة، ومن خلفهم إيران، وحزب الله، خاصة في ظل حقيقة أن معظم هذه الهجرات من طائفة السنة. أضف إلى ذلك ، أن تلك الهجرات قد تؤثر على الوضع الحالي في الأردن بتنحية الفلسطينيين من موقع الكتلة الأكبر في الميزان الديمغرافي هناك، وتحولها لصالح السوريين، الأمر الذي يقلص من النفوذ السياسي للكتلة الفلسطينية داخل الأردن، ويؤدي بالتبعية إلى تأثيرات سلبية على الدعم السياسي الذي تتلقاه السلطة الفلسطينية وحركة حماس من شعبي البلدين. في المقابل، فثمة مخاوف في تل أبيب من انتشار مناطق الفوضى والاقتتال بين جماعات مختلفة على الحدود مع إسرائيل، الأمر الذي قد يزيد من الأعباء الأمنية في مواجهة ما تسميه "الجماعات الجهادية الإسلاميةط ، والتي تقاتل النظام في سوريا، وتفرض تحديات أمنية صعبة على مصر، خاصة في سيناء، التي يمكن أن توجه بعض عملياتها نحو إسرائيل. معضلة إيران" النووية"
بيد أن أسوأ التطورات بالنسبة لإسرائيل في العام 2013، كان توقيع اتفاق جنيف بين إيران ومجموعة 5 1 في جنيف، فمن ناحية لم يحقق الاتفاق مطلب تل أبيب بضرورة تفكيك المشروع النووي الإيراني قبل رفع أي عقوبات من عليها، ومن ناحية أخرى أعطى الاتفاق إيران فرصة ستة أشهر للتفاوض حول اتفاق نهائي بشأن هذا الملف دون وجود ضمانات حقيقية لعدم استغلال إيران فترة المفاوضات في خداع العالم، وإجراء تفجير نووي قبل نهاية المدة، خاصة أن الخبراء الأمنيين في إسرائيل يعتقدون أن إيران قد أصبحت بالفعل دولة "عتبة نووية" يمكن أن تتحول في غضون أسابيع قليلة إلى دولة نووية فعليًّا. الأمر المؤكد أن إسرائيل لن تكون مغتبطة حال توصل الدول الكبرى لاتفاق دائم مع إيران بعد ستة أشهر، لما يرتبه ذلك من مخاطر كبرى، مثل أن يتضمن الاتفاق حق إيران في تخصيب اليورانيوم حتى ولو بدرجة منخفضة، بما يجعلها دولة "عتبة نووية" لفترة أطول، دون أن يقضي على قدرتها على إنتاج قنبلة نووية إذا ما أرادت مستقبلا. على الجانب الآخر سيرتب مثل هذا الاتفاق لو تم إخراج إيران من عزلتها الإقليمية والدولية، وتحولها إلى منافس إقليمي لإسرائيل، وما يمكن أن يحمله ذلك من تأثيرات سلبية على المفاوضات مع الفلسطينيين، وعلى علاقة إسرائيل بالولاياتالمتحدة التي ترفض بقوة أي محاولة من جانب تل أبيب للقيام بعملية عسكرية منفردة ضد طهران لتجريدها من قدراتها النووية. وعلى ذلك، فقد تشهد العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية أزمات عدة، وهو ما يخشاه الخبراء الإسرائيليون، خاصة في ظل تحركات نتنياهو ضد إدارة أوباما في الكونجرس، واستغلال اللوبي اليهودي لذلك بشكل سافر، والذي يهدد عددٌ كبير من أعضائه بالمضي قدمًا في تشريع مزيد من العقوبات ضد إيران قبل انقضاء فترة التفاوض على الاتفاق النهائي بين إيران والدول الكبرى.
تشاؤم حيال الملف الفلسطيني
بعد نحو عشرين جلسة من المفاوضات التي أطلقت برعاية أمريكية بين إسرائيل والسلطه الفلسطينية؛ لا يبدو أن الطرفين قد تجاوزا مرحلة شرح وجهات نظرهما في القضايا الخلافية، وهناك تشاؤم واضح حيال إمكانية إحداث اختراق ملحوظ في هذا الملف خلال العام القادم، ويخشى نتنياهو من أن يؤدي فشل المفاوضات إلى ثلاث نتائج سلبية: أولا: احتمال انهيار الائتلاف الحاكم، خاصة مع ظهور دعوات من حزبي "يش عتيد" و"البيت اليهودي" لإعادة تشكيل الائتلاف، حيث يحاول يش عتيد الضغط على نتنياهو لإخراج البيت اليهودي من الائتلاف حتى لا يتسبب بقاؤه في تقويض المفاوضات مع الفلسطينيين بسبب رفض هذا الحزب لحل الدولتين، وبسبب إصراره على مواصلة سياسة الاستيطان التي تعد العقبة الأخطر في مواجهة إنجاح التسوية مع الفلسطينيين، فيما يطالب البيت اليهودي بإخراج يش عتيد من الائتلاف، وضم الأحزاب الحريدية بدلا منه للحفاظ على المصالح الأمنية لإسرائيل، وعلى يهودية الدولة. ثانيا: تأثر العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، ونشوب أزمات كبرى مع إدارة أوباما التي تسعى بقوة لإحداث اختراق كبير في عملية التسوية. ثالثا: تحميل إسرائيل مسئولية فشل المفاوضات من شأنه أن يعمق من عزلة تل أبيب الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى أن هذا الفشل لو حدث فسيؤدي انعكاسات سلبية على وضع ومكانة السلطة الفلسطينية وأبو مازن، ويفتح الباب أمام تقوية اتجاه حماس الداعي لاستمرار المقاومة، خاصة أن حماس قد تحاول تنشيط الجبهة العسكرية مع إسرائيل، بحجة أن اتجاه التفاوض قد برهن على فشله. 2014 .. فرص ومخاطر يحمل عام 2014 فرصًا ومخاطر متعددة لإسرائيل، وتتشابك كافة الملفات مع بعضها بعضًا بشكل يصعب معه تحقيق مكاسب صافية في أيٍّ منها، مما يشير إلى مجموعة من التوقعات المحتملة، لعل أبرزها، تراجع احتمال نشوب حروب بين إسرائيل ودول الطوق العربي، مع احتمالات أكبر لتعرض إسرائيل لعمليات تسلل، وقذف صاروخي من أكثر من جبهة (سيناء المصرية ، الحدود السورية واللبنانية)، كما قد لا تستطع إسرائيل منع توقيع اتفاق نهائي بين الدول الكبرى وإيران بشأن مشروعها النووي أو إحداث اختراق في ملف المفاوضات من الفلسطينيين، بما قد يوتر العلاقات مع الولاياتالمتحدة. أضف إلى ذلك أن ثمة احتمالا لتغيرات في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، وتحوله إلى ائتلاف أكثر يمينية. عن /المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجيه