في المشهد اليمني لم يتم تجديد مدخلات العمل السياسي ولم تتحسن نوعيته بمفاهيم عصرية قادرة على حمل عقلية ماقبل الدولة إلى واقع اليوم. وبقوا راكدين عند قاع مفردات لاتستجيب لمعطيات الواقع أو لم تعد صالحة كنموذج للتطبيق لحل القضايا الماثلة منذ 22 مايو 1990 بين طرفي المعادلة السياسية الرئيسة في مشروع التوحد ولا قادرة تلك العقلية على مواجهة تحديات المرحلة بكل منعطفاتها حيث شاخت الأدوات والقائمون على أنتاجها في ظل الاستهتار الواضح للإقليم والمجتمع الدولي بهموم شعبي اليمن والجنوب. ولم تدرك تلك القوى أنها قد غادرت المسرح ولم يكن لها مأوى حتى في معقل دارها لو لا بقاء بعض العلاقات التقليدية التي تسحبها خلف الأحداث دونما تظهر نتائج ايجابية لخطوات الترقيع القائمة في مؤتمر الحوار. وبقت تنتج ذاتها حول نفسها بقصد خطط له المخرج السايكوبيسكي الجديد بتخدير جرعة اليمن الموحد والوحدة والوطن الواحد. والمياه تتسرب تحت تبن أحلامهم الرمادية محدثة انهيار قاتل قادم.
بينما الجنوب في ظل أخراجه عن المعادلة السياسية أصبح رقما صعبا أضيف بعدالة قضيته إلى النسق المتساوي الثنائي دونما استئذان من القوى المتنفذة في صنعاء ومشاورة القوى الإقليمية والدولية الوصية على الجمهورية اليمنية منذ 6 نوفمبر 2006 لاجتماع المانحين في لندن. وبالرغم من تخلف بعض القوى والنخب السياسية المحسوبة جنوبيا لعدم وضوح رؤيتها حول الهوية والاستقلال. لذلك تنشل قدرتها في التصدر للحدث في الفعل الوطني الناشئ جراء اختمار مكونات النهوض الذاتي والموضوعي وبقت بعض من مكونات الحراك في منأى مصطنع من قوى الوصاية. خصوصا قوى التحرير والاستقلال.
ولهذا مهدت الإرادة السياسية الشعبية في الجنوب مناخ ملائم كان رائعا اقتناصه في اللحظة التاريخية لخروج الناس إلى الشارع في المليونيات العشر لفرض أمر واقع على الأرض لتحقيق مكاسب حية تقود إلى خلق واقع سياسي يفرض على الإقليم والمجتمع الدولي ضرورة تقاطع مصالحهم مع متطلبات حقوق الجنوب السياسية وبأقل الخسائر بعيدا عن تأثير دوائر صنعاء المتنفذة وتقطع الطريق على القوى الجنوبية القديمة والمتهالكة من عدم تمكنها في مواصلة مزايدة التحدث بأسم الجنوب والسماح بالوضع الجديد للقوى الحية للحداثة الجنوبية من الإمساك بالوضع السياسي والأمني والخروج من المحنة بأقل الخسائر دونما أعاقة تقوض العملية السياسية في الجنوب التي تجسد الحقوق الوطنية باستعادة الهوية وبناء الدولة الحديثة وفق الصراع القائم بين عقليتين وهويتين وليس صراع حول تغيير نظام الحكم وتبادل السلطة في النظام الهش القائم في صنعاء اليوم.
بحامل نهضة الجنوب يتم تقديم الجنوب الجديد بمفاهيم تستوعب الكل وتثبت السلام والاستقرار في المنطقة والعالم وتزيح أية تخوفات علقت في أذهان دول الوصاية عن تجاربه أثناء الحرب الباردة مع تاريخ الجنوب منذ 30نوفمبر 1967 وحتى إعلان مشروع توحده الظالم مع النظام العسكري القبلي في الجمهورية العربية اليمنية ووقوعه ضحية بين براثنه في ماخلصت إليه حرب صف 1994 الظالمة التي خططت لها وقادتها القوى المتنفذة في صنعاء تحت لواء نظام الرئيس السابق الحالي علي عبدالله صالح. وأن قضية الجنوب قضية شعب وليس حزب. دون الجنوب في كل المعادلات السياسية القادمة ستحدث أختلالات في الميزان السياسي وبقاء المنطقة والعالم مرشحة لمزيد من الإرهاب وأخطاره على مختلف الصعد. لذلك أن أراد المخرج التسابق قبل سقوط صنعاء وميكرفون مؤتمر موزمبيك لايزال يرقص بين شفرات المتحدثين دوامة السياسة الراكضة نحو المجهول يأتي عليهم وعلى الإقليم تدارك الأمر رغم تعذر بعض مساراته وعلى أن تفرد لهذه الجهود مبادرة متوازية مع مؤتمر حوار صنعاء لتثبيت في سياقين مختلفين:
مبادئ بناء دولة في اليمن والأسناح لشعب الجنوب من استعادة مجدة التاريخي بهويته ودولته الحديثة التي لم تسقط فقط كل مراهنات التحديات في المنطقة بل ستكون خير عون لمساندة اليمن الشقيق وسياج آمن للأمن القومي لدول الخليج العربية. مع أن مؤشرات تصعيد القوى المتنفذة والظلامية في صنعاء لازالت تخطط في تثبيت واقع آخر جديد في الجنوب لنقل مسرح الصراع إلى مختلف مناطق الجنوب من حيث تجنيد عناصر القاعدة وأنصار الشريعة الممولة والمدعومة من تحالف قوى حرب صيف 1994 بالتنسيق مع عناصر قادة الألوية العسكرية للاحتلال في الجنوب. والواضح قد تم البدء في عملية منح الأجازات للضباط والجنود الجنوبيين في هذه المعسكرات منذ حين وماحصل في اللواء المتمركز في معسكر بدر عدن خير مثال ناهيك عن نقل العديد من الألوية العسكرية إلى الجنوب مؤخرا لتتم عملية التسليم لهذه المعسكرات كما حدث في محافظة أبين خلال فترة وقوعها في قبضة القاعدة وأنصار الشريعة ويتم هذا في ظل نقل بعض من عناصر حزب الإصلاح التكفيري إلى بعض المعسكرات التابعة لها للتدريب من أجل عودتهم إلى الجنوب بحجة الدفاع عن الوحدة الضائعة ووفق فتوى علماء اليمن الأخيرة بوجوب شرعنة الحرب على الجنوب. وهو الحال الذي يذكرنا ليس بعيدا بوضع مابعد التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في فبراير 1994. والتي تصادف أحداث مآسيها اليوم المتقاطعة مع مخرجات تذويب الجنوب لحوار موفينبيك الصنعاوي بأمتياز مع أن الجري خلف الأقلمة مهما توحدت أو تعددت يعد هروب واضح عن المعالجة وتضييع للوقت وتمييع للجهود وذرها رمادا قاتلا في أعين البسطاء. لكي لانكون جاحدين عن هذه الحقائق على كل طرف اليوم أخلاء طرفة وتبرئة ذاته جنوبيا من حيث تثبيت سياسة الأمر الواقع استجابة لإرادة الناس وتجسيد حقيقي لا مناص منه في توحيد الهم الوطني عند الثوابت الجنوبية والعمل بمختلف الوسائل على أن هذه الخيارات الوطنية في الجنوب التي تتشكل أنما ضمانة أكيدة تعمل على تأمين استتباب السلم والأمن ليس في الجنوب بل اليمن والمنطقة تعمل على تقويض وخنق كافة صور وأشكال الإرهاب وتعطي للشعوب مجال أرحب في توسيع قاعدة الحراك الشعبي النهضوي بعقل جمعي سيعمل على نزع كل بؤر التوتر في المنطقة ويضمن تقاطع مصالح العالم بمصالح شعوب المنطقة. مالم فأن ألسنة لهب الكارثة لم تبق محصورة عن حدود الجغرافيا ولاتعرف مستقر ا لها بالعين المجردة أو بقبضة يد واحدة أبدا. مهما كانت درجة تفنن التكنلوجيا والدوران فيها.