span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/قراءة منصور بلعيدي تعيش محافظة أبين هذه الأيام في أصعب الظروف على مختلف الأصعدة .. فمعاناة الناس فيها كثيرة ومتشعبة بسبب وقوعهم بين فكي كماشة الحراك والسلطة وأحلاهما مر .. فالانفلات الأمني أصبح سيد الموقف يضاف إليه تطفلات الحراك التي تستهدف المواطنين أكثر من استهداف السلطة التي يدعون محاربتها. هذا الوضع جعل العيش في أبين بهدوء صعب المنال واضطر بعض ممن لديهم القدرة المادية للانتقال إلى محافظة عدن والعيش فيها وترك أهله وناسه ومسقط رأسه بل وحتى عمله وآثر الهدوء الذي افتقده كثيراً في أبين. وهكذا تاه المواطن الغلبان في بحر الصراعات بين الفرقين لأنهما يضعان المواطن في آخر سلم أولوياتهما، وكلا الفريقين (السلطة والحراك) يهدم الأمن والسكينة العامة والاستقرار النفسي والشعوري ويقوضان السلم الاجتماعي في هذه المحافظة وغيرها. span style=\"color: #800000\"أولاً: مطرقة الحراك فالحراك يصرخ في حوارييه ليل نهار عبر نشاطاته الأسبوعية وأحياناً اليومية بشعارات تصم الآذان تندد بالسلطة الظالمة ويطالبون بالانفصال لأن السلطة لم تعد تمثل تطلعات الناس وآمالهم ولم تعد تنفع دعوات الإصلاح والتغيير وأصبح التعايش معها متعذراً. ويستخدم الحراك كل الأساليب والأعمال التي في متناول أيدي مناصريه للتشهير بالسلطة وطلب الانفصال أو فك الارتباط .. والناس أو الغالبية العظمة لا تنكر عليهم التنديد بالظلم والنهب اللذين تمارسهما السلطة على الناس جميعاً نهاراً جهاراً سواء اتفقوا مع الحراك في "فك الارتباط" أو اختلفوا المهم أنهم جميعاً ضد الفساد والنهب والمظالم وضد سلطة هذا ديدنها لكن أن يأتي من يدعي تخلصهم من هذه المظالم بمظالم مثلها فهذا لا أعتقد أن أحداً يقبله، فلا يمكن أن نخرج من الظلمات إلى ظلمات أخرى، كما وصف الشاعر الأبيني (الخدش) حال الاستقلال الوطني بقوله:: يالأخوان قلتم راح وقت المستبد وبايجينا وقت راقي بايرقينا خرجنا من نكد وإنه تلقنا نكد وإن النكد من حيث ما جينا يحاجينا وعوداً على بدء فالحراك يندد بالشخصنة واستقلال السلطة لصالح الأسرة الحاكمة، وهو نفسه يصنع كل يوم أسر متنفذة داخل الحراك، ويندد بسلطة الفرد وهو نفسه يصنع سلطة الفرد قبل أن يصل إلى كرسي الحكم بتمجيد رموز عرفت بماضي لا يشجع على تولي قضايا البلاد. والحراك يندد برموز السلطة الذين نهبوا ثروات البلاد وتركوا أهلها يتضورون جوعاً وهو نفسه من يمجد رموزاً ضالعة في نهب الأرض واستعباد الناس وجمع الحواشي حولها كالعبيد فوق الجماعة .. كما أن الحراك ينفذ نشاطات تضر بالناس في صحتهم ومعاشاتهم وحياتهم العامة وهو يدعي تمثيلهم .. فحين يجمعون مئات الإطارات البالية ويحرقونها في قلب مدينة زنجبار ليلاً أو نهاراً ليتسبب ذلك في إزعاج الناس وانتشار الأمراض وخاصة بين المصابين بالربو والأمراض الصدرية وذوو المناعة الضعيفة من الأطفال والنساء والشيوخ .. وقد حاول بعض أئمة المساجد توضيح الأضرار الناجمة عن عادم الإطارات المحترقة والدعوة إلى تجنبها عند التظاهر والمجالات كثيرة غيرها للاحتجاجات لكن الحراكيين ركبوا رؤوسهم وكأنهم يستهدفون المواطن ولا يستهدفون السلطة التي يدعون محاربتها .. والمؤشرات المخيفة على توجهاتهم المستقبلية تنبئ بأنهم ليسوا أقل سوء من السلطة فعندما يحاول الناصحون نصحهم بتجنب ما يؤذي الناس يجدون الاتهام جاهزاً على طرف ألسنة الحراكيون "أنتم عملاء السلطة" هذا التصنيف المبكر لا يبشر بخير خاصة إذا ما قدر الله أن يصل هؤلاء إلى كرسي الحكم .. كما أن الناظر إلى جمهور الحراك وخاصة في أبين لايجد فيهم من يمتلك المؤهلات العلمية والعملية ولا القبول الشعبي لقيادة شعب وإدارة أمة وقد سئل أحد المقربين أحد رؤوس الحراك عن جمهور الحراك فأجاب: هم ثلاثة أصناف "لا نستطيع ذكرها" لأنها أصناف غير مقبولة اجتماعياً ناهيك عما يشاع عن سلوكها العام والخاص" "نحتفظ باسم صاحب التصريح لدينا". كما أن الاعتداءات الجسيمة التي مورست في بعض المحافظات الجنوبية وعليها بصمات الحراك مثل قتل مواطنين آمنين وإحراق متاجر كما حصل في العسكرية لأبناء القبيطة وآخرين من ذمار قتلوا في عملية تقطع ثالث أيام عيد الأضحى وإحراق المتاجر في لحج والضالع وغيرها من الأعمال العدوانية .. هي مؤشرات مرعبة لمستقبل مخيف لا يمكن القبول به. ويحق لنا في هذا المقام أن نتساءل: هل هؤلاء يستأمنون على وطن؟!! وهل يأمن جابنهم وهم يوزعون الاتهامات الجاهزة ويقتلون الناس بدم بارد؟!! كما أن الرايات التي قام عليها الحراك تذكرنا بالماضي البائس، وزوار الفجر ومصطلح "صُرِفَ" حين يسأل المرء عن قريبه المختطف .. هذه وغيرها مخاوف مشروعة لم نسمع حتى الآن من قادة الحراك ما يطمئننا بعدم عودة الأيام الغابرة بكل مراراتها وآلامها .. وقد أحسن الزميل جمال أنعم حين قال: قد تكون صاحب حق لكنك تخسر نفسك وحقك بتعاملك الباطل السيء .. من المهم أن نعرف كيف ندير صراعاتنا بشكل عاجل حتى لا نكون نحن صرعاها وضحاياها حين نمعن في الجور فنصبح الجاني والضحية معاً .. حينما يتحول صراعنا مع الظلم إلى طغيان وبغي وعدوان وتجاوز في القول والفعل فإننا إنما نراهن على الشر والقدرة على اقتراف الخطايا والمآثم .. هل يمكن أن تقوم فكرة العدل على توسيع نطاق الظلم؟!! حينما يفقد المرء السيطرة على غضبه ينفلت العقل من عقاله، وعندها يكون لا محالة ذاهب إلى خيانة قضاياه العادلة والإساءة إلى الغضب النبيل، وتلويث روح التوثب ومقاصده لنيل الحقوق والحريات .. حينما ينجر المرء نحو الإمعان في الخصومة واستخدام لغة الشارع وسلوكه لفظاً وفعلاً في التعامل مع القضايا الكبرى فإنها تختل الموازين .. ويمثل ذلك محكاً حقيقياً لاختبار انحيازنا للقيم والمبادئ، وامتحاناً لمدى قدرتنا على تجاوز الضغائن. span style=\"color: #800000\"ثانياً: سندان السلطة لا يختلف اثنان (عاقلين) على أن السلطة هي سبب كل مصائب الوطن وأهله فقد أوصلت البلد إلى حافة الهاوية ومع ذلك ما تزال تركب رأسها ولا تسمع لنصح الناصحين ولا مناشدات الغيورين على مستقبل الوطن وحياة الأمة .. لكن لا يبرر ذلك لخصومها أن يجعلوا المجتمع وقوداً لصراعاتهم مع السلطة .. بل إنهم بذلك منحوا السلطة مبرر قمع الاحتجاجات وإفراغ النضال السلمي من محتواه الراقي الهادف إلى خدمة الغالبية العظمى من الجماهير المسحوقين بسياسات سلطة فاشلة وغير قادرة على إدارة بلد بعقلية وتفكير القرن الواحد والعشرين وصار الفريقان عوناً على الوطن والمواطن وأوصلانا إلى ما نحن فيه اليوم. الحزب الحاكم حين تفرد بالسلطة فقد توازنه المنطقي وحتى القيمي وقاد البلاد عبر بوابة الأزمات إلى نفق مظلم وما يزال، ولأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة فقد خاضت السلطة بزعامة الحزب الحاكم في بحر الفساد وما تزال لا ترى تداعيات إدارتها الفاشلة وما آلت إليه الأوضاع العامة بسبب هذه السياسة وفشل رهان التوازنات ومسك العصا من الوسط وشراء الذمم وأصبحت البلد تتفكك جزئياً شئنا أم أبينا وتلاشت هيبة الدولة في المحافظات وانتشرت الفوضى ولم يعد في مقدور السلطة لملمة الأوضاع بمفردها مالم تأت معجزة. إن فساد رموز السلطة وسيطرتهم على المواقع الحيوية للمجتمع وتحويلها إلى إقطاعيات خاصة كما يحصل في المرافق الحكومية والوظيفة العامة ونشر الصراعات في المجتمع لضمان فترة أول لسيطرة سلطة الفساد والاستبداد وحرمان الناس من الكثير من الخدمات العامة والحقوق الواجبة على الدولة تجاه المجتمع والاهتمام المفرط ببناء "الذوات" على حساب المواطن الذي تسحقه الأوضاع المعيشية وتستنزف قدراته المادية والمعنوية في ظل تجاهل تام من قبل السلطة لمعاناة الناس في شتى مجالات الحياة المفترض مسئولية السلطة على إصلاحها ووصول الناس –وخاصة في المحافظات الجنوبية- إلى فقدان الأمل في نية السلطة للإصلاح والتغيير وازدياد وطأة الانفلات الأمني والتسيب الإداري وغياب مبدأ المحاسبة وسيطرة الطفيليات على أهم مناشط الحياة العامة المرتبطة بحياة الناس، كل هذا وغيره أدى إلى ظهور فجوة عميقة بين الناس والسلطة من الصعب ردمها في المدى المنظور لا بل ربما زاد اتساعها كل يوم مع كل إجراء ظالم مخالف للقانون وكل عملية سلب لحقوق الناس وكل تسلط أرعن لرموز الفساد على رقاب الناس، وكل استحواذ علني على الوظيفة العامة ومقدرات المجتمع في كل المجالات وهذا ما ينذر بما هو أسوأ في قادم الأيام خاصة وأن السلطة على مختلف تفريعاتها لا ترى أنها تمارس أخطاءات قاتلة بحق الوطن والمواطن أو أنها تركب رأسها ولا تريد وقف التدحرج نحو الهاوية التي لن تنجو منها إذا ابتلعت الآخرين. وإذا ما نظرنا إلى سلوكيات السلطة تجاه هذه القضايا وغيرها نجده سلوكاً استعلائياً مكابراً واعتماداً مفرطاً على القوة في ضرب المعارضة أياً كان شكلها وهدفها .. فمثلاً فيما يخص الحراك الجنوبي اعتمدت السلطة مبدأ التهرب من الاستحقاقات الوطنية التي بها تقطع الطريق على دعاوي الحراك بل وزادت على ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد الاحتجاجات السلمية في بادئ الأمر ورفض الاعتراف بالمشكلة مما قاد إلى تفاقمها وخروجها عن السيطرة واستخدمت السلطة أساليب فاشلة كسياساتها الفاشلة في احتواء الحراك فعمدت إلى غض الطرف عنه في محافظة أبين وتركت له الميدان خالياً "ليبيض ويفرخ" ظناً منها أنها سحبت تأثيره من محافظة عدن التي تمثل في نظرها (رمزية السلطة) وذلك على اعتبار أن أبين محافظة ريفية ولن يكون لها تأثير في الساحة الوطنية، ولكنها بهذا الإجراء منحت فرصة ذهبية للحراك فأصبح اليوم عصياً عليها وصار يداعب الخارج حين ضمن الداخل .. وحتى مايشاع عن "طارق الفضلي" أنه من "ودائع السلطة" لم يعد ذو فائدة فالرجل قد تجاوز كل خطوط السلطة الحمراء وسار في منحدر يصعب عليه وقفه أو التراجع مهما كلفه ذلك، بالإضافة إلى أنه معروف بالمغامرة حتى بحياته. هذه المعوقات والعوائق وغيرها صارت وبالاً على الناس وأصبح الناس وخاصة في المحافظات الجنوبية بين مطرقة الحراك وسندان السلطة فلا خير في سلطة آثرت الانكفاء على نفسها في قضية حماية المواطن واستأثرت بخيرات الوطن وتركت المواطن يصارع تقلبات الحياة وحده، ولا في حراك يستخدم نشاطات تضر بالمواطن الذي يدعي أنه يخلصه من شرور السلطة قبل إضرارها بالسلطة فأصبح المواطن في حال كهذا كالمستجير من الرمضاء بالنار. span style=\"color: #800000\"إذاً ما المخرج؟ وتجاه هذا الوضع لابد من وجود بدائل تزرع الأمل في نفوس الناس للخروج من بوتقة الصراعات إلى فيحاء الأمن والاستقرار وعلى هذا الأساس فإن المعارضة تصبح على المحك كونها تقف في مربع الوسطية بين الفريقين، وأعني بذلك المعارضة الراشدة الواعية القادرة على وقف عجلة كرة الثلج التي ستبتلع الجميع إن استمر تدحرجها. وعلى كامل المعارضة تقع مسئولية وطنية كبيرة وجليلة في قيادة نضال سلمي فاعل يجبر السلطة على وقف التدهور والعودة إلى مبادئ الثورة والوحدة والقبول بإعطاء الناس حقوقهم كاملة فيعيش اليمانيون جميعاً بكرامتهم ووحدتهم التي بها قوتهم، أما إذا استمر الوضع على هذا الحال فإن الطريق سيصبح سالكاً نحو التدخلات الدولية والإقليمية، وحينها ستقع الواقعة إذا سمح الله .. باعتبار أن الدولة اليمانية فاشلة وهذا ما يجعلها مسرحاً لتقاطعات المصالح الإقليمية والدولية وربما نفذت عمليات عسكرية مباشرة تحت مظلة مايسمى بالإرهاب .. وحينها تصبح اليمن قد فقدت السيادة عملياً شاءت أم أبت.