لقد أعاد ظهور القاعدة في اليمن بشكل علني البدايات الأولى لعمليات القاعدة وخاصة في جزيرة العرب، فقد كانت التصريحات تمر وبسرعة عبر أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة عن تلك العمليات وأهدافها المخططة، ولكن هذه المرة يتذكر الجميع قضية الانفصال بين الحكومة اليمنية وبين قيادات أدت دورا مشتركا كونها قيادات جنوبية وهي في نفس الوقت قيادات كان لها دور جهادي في أفغانستان ودور انفصالي في جنوب اليمن. اليوم وبعد ما يقارب عقدا من الزمان على أحداث سبتمبر تعود القاعدة في اليمن لتعلن أن مشروعها في اليمن لا يقتصر على تنظيف اليمن من الشيوعية وأحزابها في الجنوب كما كانت تفعل عندما ساعدت الحكومة اليمنية ولكنها تذكر بأنها بديل حقيقي لتلك الحقبة من الزمن. القاعدة وكما تشير كل الدراسات تعيد مشروع زعيمها بالاستقرار في اليمن أو على الأقل جعل اليمن منطقة يمكن العودة إليها وتنفيذ عمليات القاعدة ، ويشير إلى ذلك صراحة (ناصر الوحيشي) قائد التنظيم في جزيرة العرب حيث تطرح تصريحاته كما هائلا من التعاطف المباشر مع الانفصاليين. اعتادت القاعدة على ذلك النوع من التحالفات الاستراتيجية فقد تحالفت مع اشد أعدائها مذهبيا الشيعة ومع اشد أعدائها فكريا حزب البعث في العراق لكي تنشر مخططاتها وتنفذ عملياتها، ولكنها اليوم في جنوب اليمن تتحالف مع فئات تربط بينها علامات مشتركة. اليمن اليوم يشهد حركة انتشار غير مسبوقة لعناصر القاعدة فقد فتحت الخلافات لحكومة اليمن مع الشمال (الحوثي) ومع الجنوب الانفصالي الجرح لكل مستثمر أيديولوجي لديه مخططات وأهداف يرغب في تنفيذها. القاعدة هي اكبر مستفيد من هذا الوضع فقد استماتت لكي تصنعه، خطورتها تكمن في تعلمها الكثير من الدروس في كيفية إدارة التحالفات الاستراتيجية في البلدان ذات القلاقل السياسية. اخطر ما في الحالة اليمنية هو البعد المرتبط بالتركيبة القبلية والسكانية ، بالإضافة إلى ثقافة المجتمع اليمني القائمة على حساسية شديدة من رؤية التدخلات الأجنبية وخاصة أن اليمن لديه تاريخ سلبي جعل الحساسية من التدخلات الأجنبية شديدة الظهور على لسان مسؤوليه الحكوميين فما بالك ببقية القبائل ذات النفوذ الكبير. عملية القاعدة الأخيرة التي فشل في تنفيذها احد عناصر القاعدة عند محاولة تفجير طائرة ركاب أميركية خلال رحلتها من أمستردام إلى ديترويت، يوم الجمعة 25 ديسمبر/كانون الأول 2009)) ، جاءت بعد أيام فقط من الضربة التي تعرّضت لها القاعدة في (محافظة أبين) وأدت إلى مقتل قرابة 50 شخصاً بينهم قيادات للقاعدة في اليمن وجزيرة العرب. ولعل السؤال المهم يقول لماذا ظهرت القاعدة بكل هذا الظهور في اليمن دون خوف..؟ وخاصة أن عناصر القاعدة اعتادوا على التخفي وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر..؟. الإجابة عن ذلك موجودة في اليمن أولا وأخيرا كما أنها موجودة في الأحداث الدائرة في أفغانستان وباكستان. كما أن جزءا من الإجابة موجود أيضا في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث ظهرت مؤشرات كثيرة تشير إلى تراجع الإدارة الأمريكية في كيفية التعامل مع القاعدة، أيديولوجياً، وليس الممارسات وتنفيذ العمليات فما يظهر في مطارات أمريكا هو ردود فعل غاضبة، ولكنها بالتأكيد تعكس انحسارا ولو جزئيا في اعتبار القاعدة مهددة للأمن العالمي وهذا تعكسه خطابات الرئيس الأمريكي نفسه فخطابات الرئيس الأمريكي تحتوى شيئا ما عند الحديث عن القاعدة يختلف عن سابقه ، القاعدة لا تنتظر فقط رئيسا أمريكيا اسود لتوقف عملياتها في العالم وضد أمريكا فهي لديها مشروع معلن لا يحتمل التوقف عن مجابهتها في كل زمن. مابين العام 2003-2006 أصبحت اليمن هي المخرج الوحيد لعناصر القاعدة الذين لاحقتهم الحكومات المحيطة باليمن فالقاعدة في اليمن لديها الكثير من العناصر الهاربة إلى تلك البقعة من الأرض بالإضافة إلى عناصر أخرى مهربة من جهات خارجية استطاعت هذه الجهات أن توفر لها الاتصال بين العناصر الموجودة في الداخل والخارج. القاعدة في اليمن أصبحت لديها القدرة على أن تجمع أفرادها وفي كثير من الأحيان مارست اتصالات كثيرة لجلب المزيد من العناصر عبر عمليات التهريب لذلك لابد وان يطرح سؤال مهم يقول : كم عدد عناصر القاعدة في اليمن بالإضافة إلى سؤال آخر يقول كم عدد الذين تم تجنيدهم في اليمن سواء من الداخل أو من خارج اليمن خلال هذه الفترات الوجيزة...؟،هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة. قدرة القاعدة على كسب التعاطف قضية مخيفة يجب عدم إغفالها فكل الذين يقومون بتنفيذ عمليات إرهابية تنشر الصحف تعاطف القريبين لهم معهم لذلك لا بد من السؤال : كم من المتعاطفين مع القاعدة سوف يولدون جراء هذا الحادث أو ذاك..؟ إن التحول الذي تحدثه القاعدة في قدرتها على تحويل ارض معاركها وجلب المزيد من الأتباع قضية مهمة يجب الاهتمام بها من حيث التحليل والمتابعة، فظهور القاعدة في اليمن وبهذه الصورة الكبيرة من حيث العدد وكذلك عمليات القاعدة في أفغانستان وباكستان والصومال والعراق كل هذه النشاطات للقاعدة تشرح لنا أن تسطيح الاهتمام بالقاعدة ومتابعتها يجب أن لا يُسمح به عالميا وعلى الدول الغربية أن تستمر في مشروعاتها الداعية إلى تأمين العالم امنيا وفكريا وعليها دعم مشروعات الحوار بين الأديان والأفكار. القاعدة منظمة تحولت خلال الفترة الماضية إلى منظمة مليشيات الكترونية سريعة التواصل والتوصيل حيث أصبحت قادرة على الظهور في مواقع كثيرة من العالم بسرعة تحركها، وقدرتها على الظهور الإعلامي ونشر بياناتها، كل هذه العمليات مؤشرات مهمة لتفسير وجود القاعدة عالميا، ولكن الأهم في عمل القاعدة منذ انطلاقتها وحتى الآن يكمن في أنها تستطيع توظيف الخطاب الديني على طول العالم الإسلامي وعرضه لصالحها بما يخدم أهدافها ويستثير عواطف الشباب من الجنسين. إن دخولها على جميع الخطوط يمكنها من تنفيذ أهداف خطيرة فهي قد تستثمر قضية بسيطة كقضية الحجاب أو النقاب لتأجيج المسلمين ضد الغرب واتهام الحكومات بمؤازرة الغرب، كما أنها في نفس الوقت قادرة على تأجيج المسلمين ضد الغرب وغيرهم في حالة سياسية كتلك التي من الممكن أن تحدث عندما يتطلب الأمر تدخل قوات أجنبية في اليمن على سبيل المثال أو كما حدث في أفغانستان . القاعدة التي أمكنها تصنيع تلك المواد الخطرة عبر عناصرها لازالت بحاجة إلى مزيد من المقاومة بطرق كثيرة ولكن من أهم طرق المقاومة كما يبدو هو مقاومة انتشار الخطاب الديني الموارب والذي لا يمكن فصله عن مشروعات التطرف والتشدد في العالم الإسلامي وخاصة ذلك الخطاب الذي يتقاطع مع القاعدة في كثير من تفسيراته ومنها علاقة المسلمين ببعضهم وعلاقتهم بالأخر. لقد استطاعت القاعدة أن تجند مئات بل يمكن أن تكون جندت آلاف الشباب والنساء في مناطق كثيرة في العالم ومن جميع الجنسيات والألوان تحت ذريعة محاربة أعداء الله من الكفار والمشركين بينما لم تستطع كثير من الدول وخاصة الإسلامية منها أن تمنع عشرات الشباب من الانضمام إلى القاعدة لأنها لا تملك دليلا فعليا يفند مزاعم القاعدة الفكرية يقوم على تصحيح فعلي للفكر الجهادي. القاعدة تحدثت باسم الإسلام والعالم المسلم بطوله وعرضه يتحدث باسم الإسلام فلماذا نجحت هي بتمرير إسلامها وجندت شباب المسلمين بينما فشلت الدول الإسلامية وأجهزتها الأمنية بتمرير إسلامها ومنع عمليات التجنيد؟ الجواب موجود هناك في تاريخ خطابنا الذي ينتظر منا إعادة فتح ملفاته بجميع مستوياتها .
span style=\"color: #333399\" نقلا عن "الرياض" السعودية