إجترح قضاء دولة الأمارات العربية المتحدة معجزة عربية أخرى (أخرى)، فأهدر مشاهد مصورة للاعتداء الأحمق البشع الذي ارتكبه أخ للأمير ضد مغترب أفغاني فقير وقضى ببراءة الأمير، ليثبت على العرب الحمق والفساد والرعونة والكذب والخسة والنذالة. فقوم هذا قضاؤهم الذي يفترض فيه انه أرقى واتقى ما فيهم، ما حالهم وفي أي انحطاط يعمهون؟ انه يثبت أنهم مع ثرائهم وأبراجهم ما يزالون أعرابا غلفا وهمجا رعاعا. القضاء الحديث لم يعد يعتد كثيرا بالاعترافات والشهود، وتحتل الصور فيه المكان الأسمى بين وسائل الإثبات للأسباب التالية: أجري اختبار نفسي لطلاب بحيث أتيح لهم مشاهدة شخص يحمل مشتريات في السوق ثم حجب الشخص وبعدها رأوا المشتريات تناثرت في الأرض. ولم يشاهد أي منهم سبب تناثر المشتريات ولكنهم في 68% من الحالات قالوا أنهم رأوا سبب تناثر المشتريات. فعندما رأوا النتيجة قالوا أنهم رأوا السبب فعلا. واستنتج العالمان رينتيز وشارون من كلية بارد في دورية (جورنال اوف اكسبريمنتال سايكولوجي) "أن سعي العقل لاستنتاج الأسباب يكمن أن يغرر بالناس ويدفعهم إلى تذكر أشياء لم يروها أبدا،" وبعبارة أخرى (ذكريات شهود العيان يمكن أن تكون وهما) ولهذا فإن القضاء الحديث لا يعتمد كثيرا على الاعترافات والشهود ويركز على الأدلة المادية أكثر. وهناك أشكال متعددة لأخطاء الذاكرة: العزو الخاطئ في العزو الخاطئ ينقل الناس ذكرى ما على نحو غير واع من خانة عقلية إلى أخرى، ومن الخيال إلى الواقع ، ومن هذا الزمان والمكان إلى ذاك، ومن الإشاعة إلى التجربة الشخصية. وفي هذه الحالة يرتكب الدماغ (خطأ في الربط). ويقال إن هذا الخطأ ربما يقع في مكان من الدماغ يسمى (قرين آمون) وهو بنية على شكل فرس البحر غائرة في الفلقة الزمنية للدماغ والتي مهمتها ربط كافة جوانب ذكرى محددة مع بعضها البعض. قابلية الإيحاء: وفي هذا النوع من خلل الذاكرة يخلط الناس التذكر الشخصي مع المصادر الخارجية للمعلومات ويقول البروفيسور (شاكتر): الأسئلة الموحية بالجواب أو حتى التغذية الإسترجاعية المشجعة يمكن أن تفضي إلى ذكريات لحوادث لم تحدث على الإطلاق. الانحياز: الإنسان يعيد كتابة ذكرياته في دماغه لكي تتلاءم مع رؤاه واحتياجاته الحالية، فنحن لا نستطيع تذكر كيف شعرنا في الماضي، ولذلك نفترض انه يجب أن شعورنا كان مثلما نشعر اليوم. وفصل المشاعر عن الوقائع التي يقوم بها الدماغ مهمة للحفاظ على الصحة النفسية للإنسان، فعندما يتعرض الشخص لحادث عنيف تحدث في جسمه تغيرات كبيرة مثل تدفق الأدرينالين وهرمونات أخرى إلى الدم، لتزداد نبضات القلب ويحدث التوتر في العضلات ويرتفع الضغط إلخ.. ويحدث الشعور بالخوف والهلع. ولو أن المشاعر ترافقت مع الوقائع في الذاكرة لشعر الشخص بكل ذلك عند تذكر الحادثة. ولكن يحدث أحيانا أن تبقى المشاعر قريبة في اللاوعي فيستعيد الشخص الواقعة ويشعر بكل المشاعر المزعجة وهو ما يصنف كاضطراب نفسي. وحول الملاحظة أو المشاهدة والتجربة المشتركة ودورها في البحث العلمي يقول الفيلسوف الفرنسي باشلار: - المعرفة التي يأتينا بها الإدراك الحسي عقبة ابستمولوجية. - الملاحظة أو المشاهدة البسيطة لم يعد لها قيمة في التجريب المعاصر. - ليس ثمة اتصال بين المشاهدة والتجربة فالصلة بينهما مقطوعة. - التجربة المشتركة ليست تجربة مركبة، إنها على أحسن تقدير مؤلفة من ملاحظات متجاورة. - إن التجربة ونتائجها يجب أن تأتي ضمن نسق متعاضد فلا تناقض وقائع مثبته بالتجربة العلمية، وان تفسر نواحي غامضة في النسق وكأنها قطعة غائبة في لوحة متكاملة مركبة من قطع الفسيفاء. فهل هناك ما هو أكثر مصداقية وترابطا واتساقا من صور الاعتداء الأرعن التلفزيونية التي بثتها فضائيات العالم كله؟ عجبي!