بشكل أو بآخر أضحت الولاياتالمتحدة داخل البيت اليمني، وغدت معنية بترتيب شؤونه الداخلية. القفز من فوق الأسوار كان بحصان القاعدة ولم يكن بحصان القراصنة كما توقع الكثيرون ممن ظلوا يترقبون تلك القفزة. الولاياتالمتحدة صرفت الأنظار فجأة عن الصومال ومخاطر القرصنة الصومالية في خليج عدن وباب المندب ومنطقة القرن الإفريقي، وصرفت الأنظار كذلك عن تلك المخاطر والتهديدات التي ظلت ترددها حول تنامي قوة القاعدة في ذلك البلد الممزق الذي يتنازعه أمراء الحرب وجماعات الإرهاب والقرصنة والذي غدا منصة إطلاق للعنف والإرهاب باتجاه أمريكا وحلفائها في المنطقة كما يقال دائماً، وحوّلت الأنظار صوب اليمن! وطبقاً للرؤية الأمريكية الجديدة فإن اليمن وليس الصومال هو من غدا مصدر تهديد وقلق للأمن والاستقرار الدوليين ولدول الجوار على وجه الخصوص. أضف إلى ذلك، فقد نجحت الولاياتالمتحدة وبسرعة شديدة في تحويل اليمن إلى قبلة لتنظيم القاعدة، وجعلت منها واحدة من أهم محطاتها الدولية في العالم، وعلى هذا الأساس صارت اليمن تمثل تهديداً وخطراً على الاستقرار العالمي بحسب المزاعم الغربية، بيد أن الخطوة الأكثر أهمية في حكاية القاعدة هذه تمثلت في إظهار مقدرة تنظيم القاعدة اليمني في الوصول بتهديداته إلى داخل الأراضي الأمريكية ذاتها، وكانت عملية النيجيري عبد المطلب في محاولة استهداف الطائرة الأمريكية فوق ولاية ديترويت العنوان الأبرز لذلك، وبناء عليه فإذا كان تنظيم قاعدة اليمن يحاول الوصول لضرب أهداف أمريكية في عقر دار الأمريكيين فقد صار من حق هؤلاء الوصول إلى عقر دار القاعدة في اليمن لتأديبهم ومنعهم من تكرار المحاولة، هذا هو المنطق الأمريكي الذي تطلب انتزاع قاعدة اليمن من إطاره المحلي وتسويقه عالمياً، وهو الأمر الذي دفع باتجاه حشد المجتمع الدولي وراء الولاياتالمتحدة من خلال فكرة مؤتمر لندن لتوفير مظلة ومشروعية دولية لتحركاتها وعملياتها الانتقامية ضد التنظيم في هذا البلد، لقد تطلب الأمر محاولة تفجير فاشلة لطائرة ركاب أمريكية لشد الرحال نحو اليمن، مثلما تطلب الأمر من سابق استخدام طائرتي ركاب أمريكيتين لضرب برجي التجارة في ولاية نيويورك لتهب الولاياتالمتحدة وجميع حلفائها الغربيين صوب أفغانستان. span style=\"color: #800000\"العباءة التي تصلح للجميع ثمة تساؤلات كثيرة محيرة تحيط بتلك الشخصيات التي تم استدعاؤها إلى ساحة الحرب على الإرهاب بعد أن جرى دمغها بالتطرف وإلصاقها بتنظيم مطلوب عالمياً! فعلى سبيل المثال، لم يسمع أحد من قبل- على الأقل في اليمن- بالمدعو أنور العولقي وعبدالله المحضار كقائدين بارزين لتنظيم القاعدة في اليمن، فالأسماء المعروفة والمتداولة تكاد تنحصر في بعض الرموز أمثال الوحيشي والريمي والشهري(سعودي الجنسية) وبعض الأسماء الأخرى غير المدرجة في السلم القيادي للتنظيم، لكن ظهور اسم العولقي فجأة كقائد إقليمي لتنظيم قاعدة اليمن هو أمر يكتنفه الكثير من الغموض، وكذا الحال بالنسبة للمدعو عبد الله المحضار، والغموض نفسه يلف عملية استهداف الطائرة الأمريكية من قبل الشاب النيجيري عبد المطلب والتي أكسبت تنظيم قاعدة اليمن بعداً دولياً. بالنسبة للأمريكيين، فهم على علم بكل تفاصيل حياة أنور العولقي الذي أمضى جل عمره في بلدهم إماماً للعديد من مساجدها وواعظاً فيها، وداعية إسلامي مرموق في أوساط الجالية الإسلامية والمسلمين الأمريكيين، وهم على علم أيضاً بأن أشرطته الدعوية جرى تداولها على نطاق واسع داخل الولاياتالمتحدة وخارجها، ولم يعتبرها احد آنذاك مصدر تحريض على الإرهاب، كما لم توجه للرجل حينها أية تهمة بشأن صلته بتنظيمات إرهابية أو متشددة، وبقي العولقي يتنقل بكل حرية ما بين أمريكا وبريطانيا دون أن يكون مثار للشكوك أو الاتهام من أحد، وحين وقعت أحداث الحادي عشر ايلول/سبتمبر 2001 كان العولقي حينها في الولاياتالمتحدة، وأثبتت التحقيقات الأمنية والقانونية عدم صلته بتلك الأحداث، وثبت بأن الرجل بعيد كل البعد فكرياً وتنظيمياً عن القاعدة، وكل ما في الأمر أن له معجبين كثر في الوسط الإسلامي من الناطقين بغير العربية الذين يستمعون لمواعظه وخطبه الدينية المؤثرة، ويؤكد والد العولقي بأن ابنه ليس عضواً في القاعدة، وليس مختبئاً مع الارهابيين، ويجب أن لا يتم ربطه بالتصرفات الإرهابية، ويضيف، إن ابنه لا يختبئ مع عناصر القاعدة ولكن القبيلة تحميه، وبالرغم من ذلك فالعولقي صار المطلوب رقم واحد للولايات المتحدة في اليمن، والقائد الأبرز لتنظيم طالما برأته الأجهزة الأمنية الأمريكية واليمنية من تهمة الانتماء إليه! وكذلك الحال بالنسبة لعبد الله المحضار الذي ينفي أقرباؤه أي صله له بالقاعدة أو بالجهاد في أفغانستان. وما يبعث على الدهشة أكثر هو أن السلطات الأمريكية لا تهدف إلى اعتقال أي من المطلوبين الذين تلاحقهم بمساعدة الأجهزة الأمنية اليمنية، بل تريد قتلهم باعتبارهم مدانين، وهم بنظرها لا يستحقون المحاكمة أمام الرأي العام ومنحهم فرصة الدفاع عن أنفسهم، لقد صدر الحكم بقتلهم والمطلوب تنفيذه، وهو أمر يدعو للريبة ويثير الكثير من المخاوف، إذ بهذا الشكل صار بمقدور أمريكا وحلفائها توجيه تهمة الإرهاب والانتماء للقاعدة لأي شخص دون أن يُطلب منها إظهار أدلتها، ومن ثم يصبح الجميع تحت طائلة الإدانة وفي لائحة الاتهام التي تقررها أمريكا في الوقت الذي تريد! لقد قُتل المحضار بحسب المصادر الرسمية، وبقي العولقي على رأس قائمة المطلوبين، وتلك مستلزمات الحرب على الإرهاب، إذ كيف يمكن لليمن أن تتحول إلى بلد مُصدّر للإرهاب الدولي دون أن يكون فيها إرهابيون دوليون كالعولقي وأمثاله تسعى أمريكا وحلفائها لمطاردتهم وتمرير مصالحها من خلالهم؟! span style=\"color: #800000\"التنمية في مواجهة الإرهاب تقول الحكومة اليمنية إن اليمن يدافع عن أمن واستقرار الأشقاء في دول الجوار، وأنه يفي بالتزاماته كشريك فاعل في صون الأمن والسلم الإقليمي والدولي، والواجب أن يحظى بالدعم، وهو بحاجة إلى أربعة مليارات دولار سنوياً لإنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار بحسب وزير الخارجية اليمني حتى لا يقع في قبضة القاعدة، وبالتالي على المجتمع الدولي أن يسدد فاتورة الحرب على الإرهاب فوق الأراضي اليمنية، وهو أمر يتفهمه الغربيون جيداً، وهم يعلمون بأن اليمنيين ينظرون للشركاء الدوليين من منطلق ' ما حجم دفتر شيكاتك' بحسب وصف مجلة 'نيوزويك' الأمريكية، ويذهب الأمريكيون إلى القول بأن شن هجوم وقائي على القاعدة في اليمن سوف يؤدي لإضعاف التنظيم في الصومال والعراق والسعودية في آن واحد، لكن في الوقت نفسه يتخوفون من عدم جدية صنعاء في محاربة القاعدة وبالأخص إذا تراجع الدعم الدولي في هذا الجانب، وفي هذا السياق قالت 'نيوزويك 'الأمريكية إن منتقدي صالح الأمريكيين يشيرون إلى أنه بينما تضرب حكومته بيد من حديد من حين إلى آخر، فإنها كانت غير فاعلة بطريقة ميئوس منها في منع القاعدة من التسلل إلى البلاد، وربما أيضاً إلى الأجهزة الأمنية اليمنية على حد قولها، وتضيف، إن الأسوأ من ذلك هو أن بعض الأشخاص حول صالح يبدون أحياناً وكأنهم يشجعون المقاتلين(القاعدة)! وتستطرد المجلة الأمريكية قائلة: إن المسؤولين الغربيين يريدون من الرئيس صالح تقديم تنازلات لإنهاء حرب صعدة كي يتمكن من التركيز على القاعدة، لكنهم يحاذرون من التلميح إلى إمكان خفض المساعدات التي ترسل إليه إذا لم يفعل، وبحسب مسؤول أمريكي فإن جل ما تستطيع واشنطن أن تتمناه هو أن يكون ما يريده صالح مشابهاً لما تريده أمريكا في اليمن، عدداً أقل من الثعابين الخطرة المثيرة للقلق. span style=\"color: #800000\"ورقة العلماء في خدمة من؟ مرة أخرى تنادى علماء اليمن لتدارس الأوضاع الخطيرة على الساحة اليمنية بما في ذلك محاذير إرسال قوات عسكرية أمريكية إلى اليمن، وأصدروا بياناً حذروا فيه من مغبة اتخاذ خطوة كهذه، ولوحوا بأنهم سيعلنون الجهاد للدفاع عن كرامة وسيادة اليمن فيما لوقررت أمريكا وحلفائها المضي في أمر كهذا. وعقب صدور البيان مباشرة خرجت صحيفة 'الثورة' الرسمية لتخاطب أولئك العلماء قائلة: ولماذا يتباكى هؤلاء العلماء على الإرهابيين الذين خرج بعضهم من تحت عباءتهم وتأثر بفتاويهم التحريضية على العنف والتشدد والتطرف، هل أرادوا بذلك أن يكونوا غطاءً لأولئك القتلة والسفاحين، الذين عاثوا في الأرض فساداً وترهيباً فيما صمت هؤلاء العلماء صمت النيام ولم يبدوا موقفاً أو يحركوا ساكنا تجاه الأفعال الإجرامية لعناصر فتنة التمرد والتخريب ومشعلي الفتن وتجار الحروب من انفصاليين متآمرين ومرتزقة عملاء متعطشين للدماء والقتل والنهب؟ للأسف الشديد لم يتعظ علماء اليمن من درس هيئة الفضيلة، ولم يأخذوا منها العبرة، وأبوا إلاّ أن يُلدغوا من ذات الجحر مرتين، وسيظلون يُلدغون منه طالما هم لا ينأون بأنفسهم عن جحور الأفاعي. توعز السلطة من طرف خفي لبعض العلماء كي يتبنوا مواقف تبدو في ظاهرها وطنية وذات بعد شرعي، وتوهمهم بأنها تقف إلى جانبهم وتتبنى رؤاهم الدينية تلك، وحين يقعون في الفخ تغدر بهم وتقدمهم للغرب على أنهم متطرفون ومتشددون، بل وتعتبرهم محاضن لأولئك الإرهابيين الذين يُقلقون الغرب ويهددون مصالحه في اليمن والمنطقة، وبذلك تضرب السلطة عصفورين بحجر واحد، فمن جهة تهدد الغرب بتلك الفتاوى الدينية وتشهرها كسلاح في وجهه لكبح طموحاته، ومن جهة ثانية تُقنع الغرب أن البديل عن النظام القائم- في حال فكر في بدائل أخرى- سيكون إسلامي متطرف، وبالتالي عليه أن يقتنع بان السلطة القائمة هي أفضل الخيارات المتاحة بالنسبة له وعليه أن يستمر في دعمها لضمان مصالحه التي يهددها الإرهاب ودعاة الجهاد! فهل من متعظ؟!
span style=\"color: #333399\" * نقلا عن القدس العربي كاتب ومحلل سياسي يمني