هل يصمد وقف اطلاق النار بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين؟ يشكل صمود وقف النار بين الجانبين خطوة اولى اساسية على طريق عودة الوضع الى طبيعته في محافظات عدة تقع في المناطق الشمالية من اليمن. ابرز هذه المحافظات صعدة وعمران وحجة والجوف. المهم الان ان لا يكون الاتفاق مجرد هدنة تسقط عند اول خرق لها من هذا الطرف او ذاك او من اطراف خارجية، على رأسها ايران، متورطة بطريقة غير مباشرة في الحرب الدائرة. هذه الاطراف تضغط من اجل استمرار الحرب واستنزاف اليمن والجيش اليمني وتحويل منطقة الحدود السعودية- اليمنية الى بؤرة توتر تستخدم للضغط في هذا الاتجاه او ذاك على هذه الدولة او تلك... لا داعي الى الدخول في التفاصيل وتسمية جميع المتدخلين من خارج في الشؤون اليمنية. ولكن لا بدّ في الوقت ذاته من امتلاك ما يكفي من الشجاعة للقول ان المشكلة المرتبطة بالتمرد الحوثي ذات ابعاد اخرى لا سيَما داخلية. لم يكن ممكنا ان تكون هناك تدخلات خارجية في تلك المنطقة اليمنية لولا ان الارض ومعها الاجواء مهيأة لمثل هذه التدخلات. فما لا يمكن تجاهله ان المشكلة معقدة وذات ابعاد عدة. هناك الجانب القبلي وهناك الجانب المذهبي وهناك جانب سياسي مرتبط بان المنطقة كانت معقلا للملكيين الذين حاربوا الجمهورية... وهناك جانب له علاقة بالاهمال الذي تعرضت له صعدة والمحافظات القريبة منها طوال فترة طويلة. هنا ايضا، لا يمكن وضع اللوم كله على الحكومة التي تعاني منذ فترة طويلة من ضغوط هائلة حالت دون التركيز على ازالة الاجحاف اللاحق بصعدة وعمران والجوف وحجة ومحافظات اخرى تعاني من الحرمان والتخلف. من بين الضغوط التي تعرضت لها الحكومة اليمنية نزوح عشرات الاف اليمنيين من دول الخليج نتيجة حرب الخليج الثانية في العامين 1990 و1991 بعد اتهام اليمن الرسمي بالوقوف مع الغزو العراقي للكويت وهذا امر غير دقيق، خصوصا في حال العودة الى المواقف التي اتخذتها السلطات الرسمية اليمنية خلال فترة الاحتلال العراقي المشؤوم للكويت والبيانات الرسمية التي صدرت في هذا الشان. ترك نزوح عشرات الاف اليمنيين، بل مئات الالاف منهم، انعكاسات مدمرة على الاقتصاد اليمني الذي حرم من مداخيل ضخمة كان يوفرها العاملون في دول الخليج. صارت الاف العائلات من دون معيل. وجاءت حرب الانفصال في العام 1994 والتجاذبات السياسية التي سبقتها، واستمرت نحو عامين، وكانها استكمال لعملية استنزاف اليمن ماليا واقتصاديا. يضاف الى ذلك كله ان الفترة التي تلت وضع حد لحرب الانفصال، وتخللها احتلال اريتري لفترة قصيرة لجزيرة حنيش وجزر اخرى في البحر الاحمر، تميزت بمزيد من الضغوط السياسية على اليمن وكان المطلوب عزل البلد عن محيطه وتحميله اعباء ليس في استطاعته تحملها، بما في ذلك تدفق الاف الصوماليين اللاجئين الى اراضيه... هناك بالطبع جانب من المسؤولية تتحمله السلطات اليمنية نفسها، خصوصا الادارة الفاسدة التي التي لم تاخذ علما بخطورة النمو السكاني بوتيرة عالية وتأثير ذلك على التنمية وغياب اي نظرة بناءة الى اهمية التعليم وكيفية تطويره اضافة الى خطورة انتشار المدارس الدينية التي تخرج في معظمها اشباه اميين. ولكن، هنا ايضا، لا يمكن في اي شكل تجاهل الامكانات المحدودة للحكومة والادارة اليمنتين من جهة وغياب المساعدات العربية والدولية والخطط التنموية البعيدة المدى من جهة اخرى. الان وقد قبل الحوثيون الشروط الستة للحكومة اليمنية، وعلى الرغم من ان وقف النار يبدو هشا، هناك فرصة تسمح بالعمل من اجل تفادي حرب سابعة في صعدة وجوارها. البداية، كما يقول العقلاء تكون بالعمل على احتواء الحوثيين عن طريق الحؤول دون استفادتهم من التركيبة القبلية في المنطقة. ان اي انفتاح للحكومة اليمنية على القبائل، كل القبائل، من دون اي تمييز بينها سيساهم في خلق اجواء جديدة في المحافظات الاربع المعنية مباشرة بالحروب الدائرة منذ العام 2004 مع الحوثيين وعددها الى الان ستة حروب. لا شك ان الانفتاح وحده ليس كافيا، بل يفترض ان ترافقه مشاريع كبيرة يظهر خلالها المجتمع الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي للمواطن اليمني العادي ان لديه مصلحة في السلم والاستقرار وفي رفض كل انواع التطرف، خصوصا ارهاب "القاعدة" التي لا يقتصر انتشارها على محافظات معينة في الشمال، بل هي موجودة خصوصا في مأرب وشبوة وابين ومناطق يمنية اخرى في طول البلاد وعرضها. ثمة حاجة ماسة الى تثبيت وقف النار في شمال اليمن وتطويره في اتجاه تكريس السلم الاهلي. ثمة حاجة الى تحويل السلم الاهلي الى واقع عوض ان يحاول كل طرف التقاط انفاسه واعادة النظر في حساباته في انتظار جولة جديدة من القتال. ما يحتاجه اليمن اليوم هو الى تفكير في المستقبل وفي كيفية التركيز على مشكلة الجنوب. نعم، هناك مشكلة في الجنوب. انها مشكلة كبيرة من الافضل عدم الاستخفاف بها. هناك في الجنوب من يريد بالفعل الانفصال غير مدرك للمخاطر التي يمكن ان تترتب على ذلك. وهناك في الشمال من يعتقد ان الوسائل التي استخدمت في الماضي للحؤول دون الانفصال لا تزال ناجعة. مثل هذا التفكير خاطئ. هناك مصلحة لجميع اليمنيين باستمرار الوحدة ولكن هناك في الوقت نفسه حاجة الى طمانة الجميع الى ان الوحدة لا يمكن ان تعني هيمنة اي طرف على الاخر. والطمانة يمكن ان توفرها لامركزية موسعة نادى بها الرئيس علي عبدالله صالح منذ فترة طويلة. هل من يريد ان يستكين ولو قليلا وان ينصرف الى التفكير في العمق في كيفية تفادي مزيد من المشاكل في اليمن، مشاكل يمكن ان تكون لها انعكاسات في غاية الخطورة على الاستقرار في دول شبه الجزيرة العربية كلها؟
span style=\"color: #333399\" * نقلا عن المستقبل اللبنانية