كلما قرأت عن الجزائر ازددت إحباطا. قرف في قرف. الله يقدرنا على تحمل هذا البلاء. أخبار الفساد تزكم الأنوف، فيها كثير من الصح وكثير من الخطأ. كل صحيفة تزعم أنها تمتلك الحقيقة المطلقة وكل صحافي بامكانه أن يكتب ما يشاء عن فساد هذا أو طهر ذاك. والنتيجة أن الحقيقة هي أول الضحايا لأنها تفقد قيمتها عندما يدّعي كل واحد أنها بحوزته. آخر ما قرأت وتابعت، باهتمام، ما نُشر عن مقتل الرجل الأول في الأمن بسلاح أحد المقربين إليه بمكتبه في العاصمة. أذهلني هذا الخبر وأنا أقرأه عبر 'اس ام اس' في منتصف نهار الخميس، وعاد بي الى التسعينات: مقتل الرئيس بوضياف بالرصاص وهو يلقي خطابا عاما أمام 400 شخص. مقتل قاصدي مرباح وسائقه وابنه في الشارع والشمس في كبد السماء. مقتل خيرة أبناء هذا الوطن المسكين ولا أحد يسأل. لم أكن أنتظر من الإعلام الحكومي أن يسارع الى نشر وبث ما يفيد من تفاصيل عن مقتل العقيد علي تونسي في تلك الظروف المأساوية. ولم أنتظر من التلفزيون أن يذكر شيئا عن تفاصيل ما حدث غير ما يُملى عليه رسميا. فالرجل توفي بين العاشرة والنصف والحادية عشرة صباحا لكن التلفزيون لم يذع الخبر إلا في.. الخامسة مساء، بعد أن سمع العالم كله الخبر وأشبعه بحثا وتحليلا. لم أستغرب هذا التأخر، بل كنت سأستغرب لو أن التلفزيون بث الخبر في وقته أو انفرد بتغطية مختلفة تتناسب والمكانة المفضلة التي يحظى بها لدى المسؤولين في الدولة. هذا هو إعلامنا الحكومي وهذا دأبه الى يوم يُبعثون. ما يلفت الانتباه هو الإعلام الخاص ودوره في هذه المأساة وما أحاط بها. ذهب العقيد تونسي ومعه أسراره. ويرقد الجاني في المستشفى (ما لم يتغير شيء قبل صدور هذا المقال) ومعه هو الآخر أسراره. وبين أسرار الضحية وأسرار الجاني، كنا نحن، الناس البسطاء، الضحية الأخرى. لم نعرف حقيقة جرائم ارتكبت أمام الملأ والملايين، فهل نجرؤ على السؤال عن حقيقة ما دار بين رجلين، تونسي وقاتله، في مكتب مغلق بعضهم يقول إن جدرانه كاتمة للصوت؟ ورغم ذلك، في غمرة التغطيات والمعلومات المتضاربة، تتحدث صحف عن 'حقيقة' ما حدث في مكتب الضحية. قس على هذا ثم تخيّل الباقي. مثلا، تشد انتباهك الصحيفة التي كانت، بطريقة ما، سببا في المأساة: فهي التي نشرت أن الجاني، واسمه شعيب ولطاش، ضالع في قضايا فساد وأن العقيد تونسي أنهى مهامه كمدير للفرقة الجوية بالأمن وأحاله على التحقيق. البقية سهلة: في صباح يوم صدور هذا الكلام، يحمل ولطاش سلاحه ويتجه الى مكتب رئيسه ويرديه قتيلا، بعد تفاصيل غير مهمة قياسا الى حجم المأساة. من الصعب عدم وضع علاقة بين كلام الصحيفة والجريمة. أما الطريف في الموضوع، فبعد وقوع الجريمة، تنقل الصحيفة الخبر على موقعها الالكتروني وتصف تونسي بالشهيد! قتلوا القتيل ثم مشوا في جنازته ومنحوه لقب شهيد. من الصعب الامتناع عن التساؤل كيف يفكر هؤلاء الناس؟ في اليوم التالي نشرت صحيفة أخرى اسمها 'الخبر' أن الجاني عمره 55 سنة وأنه من 'الرعيل الأول للجيش الجزائري'! كيف يكون عمره 55 سنة، أي من مواليد 1955، ويكون في الوقت نفسه من الرعيل الأول للجيش الذي تأسس بعد الاستقلال في 1962؟ من حقي أن أسأل أين كان عقل صاحب هذا الكلام وهو يكتب. هذه الصحف لم تتفق حتى على اسم المستشفى الذي نُقل إليه الجاني جريحا، والضحية. واحدة تقول المستشفى العسكري بعين النعجة، والثانية تكرر انه مستشفى 'مايو' (العسكري سابقا). أما التلفزيون والإعلام الحكومي عموما، فقد أسمعت لو ناديت حيا... في غمرة المآسي يصبح العقل زينة ونعمة. لكن أين العقل وأين العقلاء؟ لهذا قلت مرة بهذا المكان إنني عندما أقرأ صحف الجزائر أخاف. أصبح اليوم الخوف أكثر مشروعية ما لم تعد هذه الصحافة الفالتة من عقالها، الى صوابها. span style=\"color: #800000\"عن الارهاب في ليلة المولد أنا من مشاهدي الفضائية الليبية وأرجو أن لا يسألني ليبيون كيف أقدر على مشاهدتها لأن هذا خارج النص والموضوع. في منتصف الأسبوع الماضي أعلن الأخ القائد الجهاد ضد سويسرا، فاستمتعت أنا بتغطية الفضائية الليبية للنداء وكان ليلة المولد النبوي الشريف. في اليوم الموالي بثت الفضائية الليبية تحقيقا محليا عن ضحايا الإرهاب في ليبيا عنوانه 'ضحايا الإرهاب بين الذاكرة والواقع' فيه شهادات كثيرة ومتنوعة لأقارب ضحايا 'الإرهاب' في ليبيا. غالبتني نفسي الأمارة بالسوء كثيرا لأجد علاقة بين دعوة الأخ القائد والبرنامج، لكنني صمدت ورفضت مجرد التفكير في وجود علاقة بين العنوانين. غير أنني، بالمقابل، تساءلت متى وأين في ليبيا حدث إرهاب من النوع الذي تحدث عنه التحقيق التلفزيوني وخلّف كل تلك الخسائر البشرية والذكريات المؤلمة. ربما قبل أن أولد، لكنني أذكّر بأنني من مواليد شهر الطير في عام الفيل، يعني قبل أن تتشرف البشرية بضيف ثقيل اسمه الإرهاب (الأصولي أو الإسلامي أو لا أدري، سموه كيفما تريدون) وعرّاب اسمه أسامة بن لادن. فكثافة المادة التي حملها التحقيق، شكلا ومضمونا، تجعلك تعتقد أنه عن الحرب العالمية الثانية أو الحرب الأهلية الأمريكية. أتمنى أن أجد جوابا على جهلي عند إخوتي الليبيين، فخيركم من تعلم علما وعلّمه. span style=\"color: #800000\"لا تسألوني عن الوصفة أنا من مشاهدي الفضائية اليمنية أيضا ولا تسألوني عن الوصفة (وأشاهد كل الفضائيات الأخرى حتى أعدل بينها ولا يغضب أحدكم). هذا تقديم، وقبله أقول إنه عندما تختلط الاشياء والمفاهيم و'الدّاب يركب مولاه'، كما يقول الجزائريون، يصبح كله عند العرب نجاح. فبحسب الفضائية اليمنية، اليمن دولة ناجحة لا لسبب إلا لكونها لم تسقط بعد! كنت أشاهد ضيف أحد برامج 'اليمنية'، وهو دكتور وأستاذ جامعي، كما عُرف للمشاهدين، فراح يعدد الحروب والأزمات التي مر بها اليمن مذكرا بأن الدولة بقيت صامدة ولم تنهر، وهذا في حد ذاته نجاح بمقاييس الضيف. وبطبيعة الحال لم يفت الضيف أن يذكر بأن الفضل في هذا 'بطبيعة الحال لله وللقيادة الحالية'. ربما شعر الضيف بحرج فقال القيادة الحالية، أما أنا فأرفع عنه الحرج وأقول ما لم يقله: بفضل حنكة وحكمة وعظمة الأخ القائد الرئيس المفدى علي عبد الله صالح أدام الله على اليمن عزه وبركاته. بما أنني لا أستطيع أن ألم بما يبث في كل الفضائيات، أطلب مساعدة القراء كما يلي: خلوا عيونكم مفتوحة على الفضائية الصومالية (هل هي موجودة؟) فستسمعون يوما أن الصومال دولة ناجحة. وافعلوا الشيء نفسه مع السودانية كي تسمعوا أن السودان دولة ناجحة. واسمعوا المصرية وستُطربون بأحلى كلام عن عظمة الدولة المصرية الناجحة.. وهكذا. أما سادة اللغة العربية ومروضوها فأقترح عليهم أن يبحثوا عن مرادفات جديدة للنجاح وللانهيار. تحضرني هنا نكتة عراقية: عندما طرد الجيش الأمريكي القوات العراقية التي احتلت الكويت مهزومة في شتاء 1991، خرجت الجماهير عن بكرة أبيها في المدن العراقية في مظاهرات احتفال بالنصر المبين على أمريكا. وهي كذلك وإذا بجندي وحيد يسير عكس التظاهرات ويلطم: 'يا ويلي على أمريكا مسكينة.. يا ويلي على أمريكا'، فسأله أحدهم لماذا يتحسر على أمريكا الملعونة فقال: احنا انتصرنا وصار بينا هذا، فشلون أمريكا مسكينة! span style=\"color: #800000\"آخر المنضمين آخر المنضمين الى قافلة لصوص الانترنت، موقع 'المنارة' الليبي: يأخذ أخبارا من هذه الجريدة (وربما من جرائد أخرى) فينشرها بدون المصدر، وأحيانا بذكر اسم الكاتب وكأنه يشتغل عندهم. (عنوان المادة المسروقة: تنسيق سوري ليبي لجعل القمة العربية مختلفة وشعارها 'لا تفريط'. صاحبها الأصلي: كامل صقر مراسل 'القدس العربي' بدمشق. يوم السرقة: الأربعاء الماضي. السارق: موقع 'المنارة' التابع للإخوان الليبيين). فهمنا واستوعبنا أن 90 في المئة من المواقع الإلكترونية العربية تتغذى بالسرقة وتملأ مساحاتها بجهد الآخرين (غالبا دون إذن أو علم منهم)، لكن إخواننا هنا قطعوا خطوة أبعد، فوجب التنويه.
span style=\"color: #333399\"كاتب من أسرة 'القدس العربي' span style=\"color: #333399\"[email protected]