لم يغادر الملوك والرؤساء الذين كالملوك سرت حتى توغلت دولتان جديدتان من دول الجامعة: السودان واليمن باتجاه الفوضي. ولا نعرف ما الذي يجعل ملكاً أو رئيسا كالملك يغادر مزرعة الآباء لينتقل إلى مزرعة أخرى، في 'قمة عادية' ترحل مشاكلها إلى قمة استثنائية، بعد ثلثي العام، هل ستكون كل المزارع موجودة في نهاية العام؟ وإن كانت، هل نضمن للقمة نجاحا، ولو على مستوى الفكاهة والضحك يعوض فشل قمة سرت، ولا يعرضنا مع جماهير العالم إلى الخذلان الذي أوقعتنا فيه القمة الأخيرة؟! كنا نظن أننا، نحن العرب وحدنا، ننتظر القمة العربية من دورة انعقاد عادية إلى أخرى استثنائية لنضحك. مجلة 'فورين أفيرز' انتبهت لكوميديا القمة، وقالت قبل أن تبدأ إن مثل اجتماعاتها كمثل افتتاح وختام الأولمبياد، وإن ما ينتظر من القمة الأحدث ليس أكثر من بضعة مشاهد كوميدية جديدة على موقع يوتيوب. ولكن القمة خذلت المجلة الأمريكية وانتهت بأقل عدد من لقطات الفكاهة تحققه قمة عربية، بينها الفقرة التي يداعب فيها الأخ العقيد القذافي أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حول مسألة 'ملء الفراغ'، ومعروف عن الزعيم الأخ العقيد أنه الأوفر حظاً مع الجماهير العربية، التي تحبه لله في لله وتنتظر فكاهاته عندما يكون ضيفاً، وعندما يكون رب المنزل. لكن العقيد الأخ الزعيم ملك الملوك راعى فيما يبدو آداب الضيافة مع زملائه وخيب آمال الجماهير العريضة. وعلى العموم لا يستطيع ملك الملوك أن يشيل ليلة القمة وحده كل مرة، ويقدم كل الفقرات. من المفترض أن يتحمل الملوك الآخرون مسؤولياتهم في الحفل. ولكنهم لم يفعلوا، ولن يفعلوا في القمة الاستثنائية (من سيكون موجودا في تاريخها البعيد) وبمعيار الكوميديا فشلت القمة، والمسؤولية تقع على الزعماء الآخرين لأن ملك الملوك قدم مساهمته. غير التفكه، لا يعرف المواطن العربي، سببا لانعقاد قمة وراء قمة. الجديد، في القمة هو مواجهة العقيد القذافي للملوك بحقيقة ضجر الشعوب ويأسها. الأخ العقيد هو الأكثر صراحة (وهذه واحدة من فضائله الكبرى)، ويبدو أنهم اقتنعوا، بدليل تخليهم عن إلقاء كلمات الختام لصالح المناقشات، لأنهم أخيرا أدركوا أن الكلمات الإنشائية هي أكثر ما يصيب المواطن العربي باليأس والغضب. والخاسر الوحيد من إلغاء الكلمات هو موقع اليوتيوب، لأن أفضل الصيد كان يأتي عادة من أخطاء القراءة. لكننا عندما نتكلم عن المكاسب لا نرى أي كسب لصالح القضايا العربية حققته المناقشات التي حلت محل الكلمات. مرة أخرى نحن أمام كلمات من قبيل 'دعوة الرئيس الأمريكي' و'دعوة الرباعية الدولية' ولا يحتاج المواطن العربي أن يكون ملكا أو رئيسا كالملك، كي يوجه دعوة إلى الرئيس الأمريكي وإلى الرباعية، وإلى الله، حتى! لا يحتاج الدعاء والابتهال إلى زعامة أو اجتماع قمة، وعندما يكون هناك اجتماع قمة لا بد أن تكون هناك قرارات لا دعوات. وإذا كان علينا أن نقبل صيغة 'ندعو' من باب الجنوح للسلم، فلا بد أن تكون الجملة التالية: 'وإلا سنفعل'. يستطيع رئيسا السودان واليمن أن يصلا ببلديهما إلى ما يأمله الأعداء، ولم يتبق أمام القمة إلا الملف الفلسطيني، حيث تحتاج الفصائل إلى المساهمة العربية لإكمال الخراب، بالإضافة إلى الملف الإيراني الذي صار ذكره سنة واجبة على الزعماء من دون أن يتحرك نحو الصداقة أو العداء. في الملف الفلسطيني، هناك إجراءات على الأرض لتهويد القدس، لا يصح أبدا ألا يكون هناك قرار عربي بشأنها اكتفاء ب 'دعوة' الرئيس الأمريكي والرباعية الدولية، وكان ينبغي أن تكون هناك إجراءات يمكن اتخاذها تجاه العدو الإسرائيلي أو الصديق الأمريكي والأوروبي إذا لم تجد الدعوة أذنا. وفي الملف الإيراني جاء اقتراح الأمين العام بإنشاء رابطة العرب مع دول الجوار، وهو اقتراح يأتي من باب إحساس عمرو موسى بورطة عدم الفعالية. الرجل يريد أن يحلل مرتبه على الأقل. لكن هل تكون الرابطة بديلا لجامعة العرب أم معها؟ هل يعاني اليوتيوب نقصا في الكوميديا نريد أن ندعمه بوحدة جديدة لا يغلب فكاهة خطاباتها غلاب؟! الحد الأدنى من الاقتراح، كانت الدعوة إلى الحوار مع إيران، وكانت تبدو اقتراحا معقولاً، ولكن تم رفضه من بعض الدول، على رأسها مصر طبعا، ولا نعرف مبررًا لرفض 'دعوة الحوار'. المبرر الذي تسوقه الدبلوماسية المصرية دائما، وساقته في القمة من أغرب المبررات: 'هل نحاورهم كمكافأة واعتراف بلعبهم في لبنان وفلسطين واليمن؟'. الطريف أن لعب إيران الحالي في العراق، وهو الملف الأكثر سخونة؛ فبينما كان الزعماء العرب يتفاكهون في سرت، كانت إيران تعمل على توحيد صفوف الشيعة لتغيير موازنة الحكم، وبمعنى أدق تسعى إلى سلب العراقيين نتيجة انتخابات ديمقراطية جاءت بعد ثمن باهظ. وما تريده إيران هو لبننة العراق، بحيث تكون هناك انتخابات حرة وجماعات تحمل كلها صفات وطنية، ديمقراطية المظهر وطائفية الجوهر. كان لا بد من الحوار مع إيران بشأن لعبها في العراق، الذي يتقدم الملفات الأخرى الآن. أما الامتناع عن الحوار معها حتى لا يكون مكافأة لها، فهو مبرر عجيب لم نسمع بمثله من قبل. القاصي والداني يعرف كم حفينا ولم نزل نحفى سعياً للتفاوض مع إسرائيل، فهل الإصرار على أن السلام خيار استراتيجي للعرب هو مكافأة لإسرائيل؟! هذه المفارقة هي الفكاهة التي تسر الأعداء، ولن نجد لها تسجيلاً على اليوتيوب!
span style=\"color: #333399\"* نقلا عن القدس العربي