انتهى موسم «اللطم على الخدود» والبكاء على اللبن العربي المسكوب، وعاد زعماء ورؤساء الوفود العربية الذين شاركوا في القمة، التي احتضنتها مدينة سرت الليبية، إلى بلادهم، وكادت وسائل الإعلام والصحف العربية تبحث عن ملف آخر لتنشغل به، أو تشغل به الناس، بعدما أدت مهمتها في السخرية من القمة وقراراتها، وإطلاق النكات على بعض المواقف التي جرت فيها بالتوازي مع ابتكار عبارات الأسى والحزن على التضامن العربي الذي ضاع، والموقف العربي الذي انهار، والقضايا العربية التي لم يعد العرب قادرين على حلها، والخلافات حول بعض البنود، والتي رحّلت إلى قمة استثنائية تعقد قبل نهاية العام الحالي للبحث فيها، وكذلك بالطبع بعض العبارات الحادة ضد هذا الزعيم أو ذاك أو هذه الدولة أو تلك. لكن بقي السؤال يدور في الأذهان: كيف عقدت القمة وانتهت من دون أن تكون للزعيم الليبي معمر القذافي مفاجأة تجذب الأضواء والمصابيح وتركز عليها العدسات؟ المتابعون لمسيرة القمم العربية من السياسيين والإعلاميين ألفوا خلال السنوات الأخيرة طباع «الأخ العقيد» وصاروا دائماً ينتظرون مفاجآته التي تأتيهم في موسم كل قمة عربية. في المقابل، لا يخفي بعض السياسيين العرب مخاوفه من أن تتسبب واحدة من تلك المفاجآت في «ضرب» قمة أو إغضاب دولة أو انسحاب زعيم. وعادة ما يكون المكان الذي يقيم فيه «الأخ العقيد» أثناء القمة مزدحماً بعشرات الصحافيين والمصورين المتلهفين إلى مادة يسخّنون بها صحفهم أو نشراتهم أو برامجهم. والحق أن الرجل لم يخذلهم وقدم لهم في كل قمة ما يتمنونه، كما أنه كان حريصاً دائماً على التنويع «من باب التغيير» فلا يكرر ما يقوله أو يفعله. والوقائع في القمم السابقة تتحدث عن نفسها ولا يمكن نسيانها. فلماذا كان في قمة سرت هادئاً؟ وكيف بدا راضياً وليس غاضباً كما كان حاله في كل القمم السابقة؟ عودنا «الأخ العقيد» على أن يلقي كلمة في الجلسة الافتتاحية المعلنة وهو دائماً يصر على ذلك ويرفض أن يتحدث في الجلسات المغلقة، وكثيراً ما أطال وزاد وعاد وشرح وفسر رؤاه وآراءه ونظرياته، ما كان سبباً دائماً في أن تطول الجلسة الافتتاحية، ويؤثر في «الوقت الثمين» للزعماء. في سرت لم يتحدث «الأخ العقيد» غير دقائق معدودة في بداية الجلسة الافتتاحية برغم أنه رئيس القمة وصاحب الأرض التي عقدت عليها. هل انشغل بأمور أخرى؟ أم إنه حرص على عدم إغضاب أي من الحضور؟ لم يبدُ الأخ العقيد مشغولاً بالترتيبات أو التجهيزات، فأماكن إقامة الوفود الرسمية كانت على أحسن حال، أما الصحافيون والإعلاميون فسلّموا أمرهم لله، بعضهم أقام في بواخر، وآخرون في شقق، وعدد منهم فشلوا حتى في الوصول إلى سرت، وغطوا القمة من طرابلس، ولم يشعروا أن شيئاً فاتهم. كما أن الأمور البروتوكولية سارت من دون معوقات. على الجانب الآخر إذا كان رئيس القمة يعرف أن كلامه في القمم السابقة يغضب «إخوانه» وفضل هذه المرة ألا يغضب أحداً منهم فلماذا كان يغضبهم أصلاً في القمم التي عقدت في عواصم أو مدن أخرى؟ عموماً سيظل الأخ «قائد الثورة» وهو اللقب الذي يحب أن ينادى به، إضافة إلى لقبي: ملك ملوك أفريقيا وعميد الزعماء العرب، رئيساً للقمة العربية سنة كاملة، وهو سيترأس قمتين سيشارك فيهما «إخوانه» من القادة العرب، الأولى هي القمة العربية الأفريقية والتي ستحتضنها مدينة سرت أيضاً في أيلول (سبتمبر) المقبل، والأخرى قمة عربية استثنائية اتفق على عقدها لحل قضيتي «رابطة الجوار» وإعادة هيكلة الجامعة العربية، بعدما فضل القادة العرب ترحيل القضيتين إلى قمة استثنائية. وإذا لم تعقد تلك القمة على هامش القمة الأفريقية العربية فعلى الأرجح أن تعقد في مصر باعتبارها الدولة التي تحتضن مقر الجامعة العربية، وعندها سيكون الأخ قائد الثورة رئيساً للقمة من دون قيود تتعلق بحرجه من انتقاد الزعماء الآخرين أو سياسات الدول العربية. عندها بكل تأكيد سيعود الأخ قائد الثورة إلى عادته، وسيجد الصحافيون والإعلاميون ما افتقدوه في سرت، وستعود إلى القمة العربية.. مفاجآتها.