التركيبة الخاطئة للرئاسي    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    أين أنت يا أردوغان..؟؟    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    حكومة بن بريك غير شرعية لمخالفة تكليفها المادة 130 من الدستور    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    اعتبرني مرتزق    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    شاب يمني يدخل موسوعة غينيس للمرة الرابعة ويواصل تحطيم الأرقام القياسية في فن التوازن    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    غرفة تجارة أمانة العاصمة تُنشئ قطاعا للإعلان والتسويق    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    عدوان أمريكي يستهدف محافظتي مأرب والحديدة    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    وفاة عضو مجلس الشورى عبد الله المجاهد    أزمة اقتصادية بمناطق المرتزقة.. والمطاعم بحضرموت تبدأ البيع بالريال السعودي    الطيران الصهيوني يستبيح كامل سوريا    قرار بحظر صادرات النفط الخام الأمريكي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    منتخب الحديدة (ب) يتوج بلقب بطولة الجمهورية للكرة الطائرة الشاطئية لمنتخبات المحافظات    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية مشروع الدولة الوطنية
نشر في حياة عدن يوم 13 - 01 - 2011

سيسجل التاريخ الوطني اليمني على صفحاته بأحرف بارزة سوداء يومنا هذا يوم رأس السنة الجديدة 2011م، باعتباره المنعطف التاريخي الأبرز في مسيرة شعبنا اليمني الوطنية، الذي أنجزت فيه السلطة الحاكمة المتمثلة بأسرة عائلية معينة ومحددة مهام وخطوات المخطط الذي رسمته وحددته منذ صعودها إلى سدة الحكم في ظل ظروف وأحداث استثنائية عاصفة قبل حوالي ثلاثاً وثلاثين عاماً متواصلة بإحكام قبضتها الكاملة على السلطة والمجتمع ومصادرة واختطاف مشروع الدولة الوطنية وتحويل مسار وعملية تطورها الطبيعي الموضوعي المفترض نحو الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، دولة المؤسسات الحقيقية وسيادة القانون المحققة لمبدأ المواطنة المتساوية العادلة والمشاركة الشعبية الفعلية في إدارتها وتوجيه مسيرتها على طريق الطموحات والتطلعات الجماهيرية السامية ووضع مبدأ التداول الوطني السلمي الديمقراطي للحكم موضع التطبيق، بالعودة بها نكوصاً إلى الوراء قروناً طويلة من الزمن وانتكاساً بها سيراً على طريق مناقض ومتصادم مع منطق العصر وتحولاته ومتغيراته المذهلة لتصبح "دولة أسرية عائلية" مهيمنة ومتغلبة ومضادة تماماً مع أهداف ومبادئ "الثورة اليمنية" والنظام الجمهوري والأماني والتطلعات والغايات النبيلة والتقدمية والنهضوية لشعبنا اليمني ومسيرته الحافلة وتضحيات أجياله الجسيمة في سبيل صنع الحياة والمستقبل لغد مشرق وعزيز وكريم على أرض وطنه..

في هذا اليوم المشئوم بالنسبة لنا نحن اليمنيين يوم رأس السنة الجديدة التي يحتفل به العالم بالأفراح المتأججة والبهجة الغامرة، أقدمت "السلطة الحاكمة"، وقد تعرت تماماً وانكشفت وأسقطت قناع الشعارات الزائفة واللافتات البراقة المخادعة، على دق أكبر مسمار في نعش دولتنا الوطنية، بعد أن عملت طوال سيطرتها على الحكم فيها منذ ثلاث وثلاثين عاماً متصلة، على خلخلتها واهترائها وإفراغها من قيم ومبادئ وأسس ومضامين الدولة المحترمة المستقيمة، حين دفعت بنواب "مجلس النواب" التابعين والموالين لها، والذين يمثلون حوالي 80% من مجموع نواب المجلس عبر انتخابات لا تتوفر فيها أدنى معايير وشروط النزاهة والأمانة والشفافية والمصداقية، إلى إقرار "تعديلات" على الدستور الحالي الذي أنهكته وأعيته وأسقمته كثرة "التعديلات" عليه منذ ما بعد حرب صيف 1994م على نحو عشوائي وانتقائي ومتخلف تتطلبها وتفرضها أهواء ومطامع السلطة الأسرية الحاكمة وتتناغم خطواتها ومقاصدها مع هدفها النهائي بتحويل مسار دولتنا الوطنية وتغيير مضامينها وغايتها لتتطابق في المحصلة الأخيرة مع مطلب جعلها "دولة أسرة عائلية متغلبة ومهيمنة" عودة بها وبمنطقها ورسالتها إلى أوضاع وأعراف القرون الوسطى، تعديلات تشرعن وتقونن وتعبد الطريق وتؤمنه، بدون أية منغصات أو تقلبات أو مفاجآت غير متوقعة أو مشاكل وحوارات واتفاقات مع المعارضة بين فترة وأخرى لسيطرة الأسرة الأبدية على الحكم والدولة والبلاد بلا منازع، بجعل فترة الرئاسة مفتوحة دون تحديد بما يمكن الرئيس الحالي من البقاء في الرئاسة مدى الحياة إن رغب في ذلك أو نقل الحكم والرئاسة إلى أحد أبنائه بالتوارث إن أحب الخلود للراحة بسبب أواخر قبل أن توافيه المنية! وهذا هو في حقيقة الأمر الهدف الاستراتيجي المحوري والوحيد لما سمي بالتعديلات الدستورية الجارية مؤخراً، أما غير ذلك من التعديلات كزيادة عدد مجلس النواب من 301 إلى 345 تقريباً ليقترب مجلسنا النيابي بذلك في قوامه من قوام مجلس نواب الصين الشعبية، وما سمي بنظام المجلسين أو الغرفتين النيابيتين، وزيادة عدد النساء فيه إلى أربعين نائبة في خطوة شكلية لا تخفي مقاصده ومراميه في مجرد مغازلة العالم العربي ودغدغة مشاعره، وما أطلق عليه الحكم المحلي الذي لا زال يطرق مسامعنا منذ ما بعد حرب 1994م وحتى اليوم وهو يراوح في مكانه دون أي تقدم حقيقي، وتخفيض فترة الرئاسة التي أصبحت بدون حدود من 7 سنوات إلى 5 سنوات، في ظل رئيس يراد له أن يظل رئيساً مدى الحياة، فهي كلها ليست أكثر من ذر للرماد على العيون وتغطية بلهاء، للهدف الاستراتيجي المركزي المحوري بتأبيد حكم الفرد وضمان انتقاله من بعده بسهولة ودون عائق، إلى أحد أبنائه بالوراثة، وتلك التعديلات الدستورية الانفرادية الانقلابية تأتي تتويجاً لإقرار وإصدار قانون انتخابات وتعيين لجنة عليا للانتخابات بشكل أحادي انفرادي أيضاً، وهي جميعها، وفي مجملها، تفضح وتعري وتكشف بما لا يدع أي مجال للشك أو الالتباس أو سؤ الفهم، الدافع الحقيقي والغاية التي حركت ودفعت السلطة الحاكمة إلى اتخاذ الخطوة المفاجئة وغير المتوقعة بإعلان وقف الحوار الوطني وإنهائه بعد ساعات قليلة من اتفاق هيئة رئاسة لجنة الحوار المشتركة، بين المعارضة والسلطة، على ورقة الإطار المحدد للمهام والخطوات المطلوب اتخاذها وجداولها الزمنية المحددة، لتتنصل السلطة العائلية الحاكمة بذلك عن الاتفاقيات والالتزامات والتعهدات الموقعة بين الطرفين، وعلى رأسها اتفاق فبراير 2009م الذي يمثل أساس شرعية مجلس النواب والحكومة وتمديد صلاحيتها عامين كاملين عبر ما سمي بالوفاق الوطني!! ولتفرض أمراً واقعاً جديداً يتمثل بالتحديد المسبق للإطار العام أو السقف غير المسموح بتجاوزه للمطلبين الرئيسيين الوحيدين للحوار الوطني المحددين في اتفاق فبراير 2009 وهما إصلاح النظام السياسي أولاً ثم تطور النظام الانتخابي بما في ذلك القائمة النسبية.

إن السلطة الحاكمة تخاطر بل إنها تقامر إن هي ظنت أن بمقدورها السير قدماً في خطواتها وقراراتها الانفرادية غير المشروعة وذهبت بموجبها –منفردة- لإجراء انتخابات نيابية مشكوك بنزاهتها وغير معترف بشرعيتها، وفي اعتقادي أن ما أقدمت عليه، انفرادياً برغم إدراكها لعدم شرعيته، ربما كان إجراء تكتيكياً تفاوضياً، يكفل أولاً تأزيم الوضع السياسي بما فيه الكفاية، ثم التعامل مع الاحتمالات الأكيدة للتأثيرات والضغوطات والوساطات السياسية الدولية والتفاعل معها بما يجعلها في المحصلة النهائية تظهر وكأنها استجابت أو خضعت، لها وتبدي استعدادها واستجابتها للعودة إلى طاولة الحوار ومواصلته، مدركة ومتيقنة أنها حتى وإن أعلنت استعدادها للتراجع أو مراجعة ما أقدمت عليه من خطوات وقرارات انفرادية، أنه لن يكون هناك حينها سوى خياران رئيسيان متاحان وممكنان:

الخيار الأول: تفرضه حقيقة كون الفترة الزمنية المتبقية لموعد الانتخابات قصيرة جداً ولا يكفي لإنجاز جولات الحوار ووضع ما يخرج به من نتائج واتفاقات موضع التنفيذ، بما في ذلك افتراض صيغة جديدة للتعديلات الدستورية وقانون الانتخابات، ومع تكبيل المعارضة وتقييدها بسقف مسبق ومحدد سلفاً لسقف وإطار تلك التعديلات والإصلاحات، وأهمها وأولها وأبرزها هدف إطلاق فترة الرئاسة وإلغاء تحديدها بفترتين كما كانت سابقاً وهو هدف يستحيل أن تتنازل عنه السلطة الحاكمة مهما كان الثمن، ولهذا الغاية المعتمرة لها تتمثل بالدفع في اتجاه تأجيل الانتخابات لعامين آخرين جديدين حيث ترى السلطة أن إجراءها في موعدها في ظل اتفاق سياسي مسبق مع المعارضة، ليس مواتياً لها بما فيه الكفاية بالنظر إلى سيطرة الحوثيين على محافظات شمال الشمال من ناحية، وتصاعد حدة ونطاق الحراك الشعبي الجنوبي السلمي في المحافظات الجنوبية والشرقية، ناهيك عن تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي العام، وقبل أن تضخ أموال مجموعة "أصدقاء اليمن" في أعقاب مؤتمرهم المزمع في "الرياض" وتأخذ سبيلها في إمكان التحسين النسبي للوضع الاقتصادي، وقبل تمكن السلطة من حلحلة وتسكين الأوضاع المتأزمة مع حركة الحوثيين وقيادات الحراك الجنوبي.. إذن فإن تأجيل الانتخابات لعامين آخرين وفقاً لهذا الخيار هو مطلب السلطة وهدفها التكتيكي الملح وإن لم تبده.

الخيار الثاني: وفي حالة عدم تحقق الخيار الأول، وهو المتوقع على نطاق واسع، فإن السلطة الحاكمة ستجد نفسها مجبرة ومضطرة إلى المخاطرة بالإقدام على إجراء الانتخابات منفردة، وفي ظل مقاطعة المعارضة لها، وعلى أساس قانون من وضعها ولجنة عليا ولجان انتخابية أصلية وفرعية وإشرافية من تعيينها واختيارها الكاملين يجري سلقها والتحكم المسبق في مسارها ونتائجها وسيضمن لها ذلك تحقيق سيطرة نيابية كاملة ومطلقة، لكن الانتخابات التي أقرتها ستبقى مطعونة في شرعيتها وغير ذات مصداقية أو قيمة يعتد بها، وسيترتب عليها آثار وعواقب قد لا تتوقعها السلطة الحاكمة أو تحسب حسابها، إلا أنها ستدفع إلى هذا الخيار دفعاً حيث لا بديل عنه لأن عدم الإقدام عليه من شأنه إحداث فراغ سياسي دستوري خطير يجعلها قائمة على أساس غير شرعي أو دستوري وهو خيار في الواقع أكثر خطورة من حيث تبعاته وعواقبه من المضي قدماً في الانتخابات المنفردة والأحادية الطرف، ويبدو أن السلطة إذا قامرت وأجرت مثل هذه الانتخابات فإنها تعتقد من واقع ممارساتها وتجاربها العديدة السابقة، أنها تملك من الأساليب والتكتيكات المراوغة والمخادعة ما يمكنها من التعامل الفعال مع مثل تلك العواقب والتبعات واحتواء آثارها وتداعياتها وإبطال نتائجها عبر التلاعب بورقة الإرهاب أو من خلال إغراء واستمالة قيادات المعارضة سياسياً في إطار ما قد يسمى بالوفاق أو المصالحة التي تعيد لتلك الانتخابات قدر من الشرعية والمصداقية الفاقدة لهما، والاعتراض الوحيد على تصور السلطة واعتقادها بمقدرتها الدائمة على احتواء وإبطال تبعات وعواقب وآثار انتخابات غير مشروعة يتمثل بأنه "ما كل مرة تسلم الجرة"!

ومن جانب آخر، وبالمقابل، وعلى صعيد الوجه الآخر لصورة المشهد السياسي الراهن في اليمن، ما هو وضع المعارضة السياسية وموقعا ورؤيتها والخيارات الممكنة أمامها؟ على ضوء استعراضنا السابق لوضع السلطة الحاكمة وموقعها ورؤيتها وسياساتها والخيارات المتاحة أمامها؟

ولعله من الضروري قبل البدء في حديثنا حول هذا الجانب الآخر والمقابل للصورة السياسية الراهنة، أن نوضح بأن حديثنا هذا لا يشمل ولا يغطي كل أشكال وصيغ وكيانات المعارضة في اليمن، بل يدور تحديداً، حول المعارضة المتمثلة بتكتل أحزاب اللقاء المشترك ومع اللجنة التحضيرية للحوار الوطني أو بالأصح ما تبقى من مكوناتها وقواها بعد اتفاق المشترك الأخير مع السلطة في 17 يوليو 2010م الماضي، ونستثني بذلك كل من المعارضة الحوثية في محافظات شمال الشمال ومعارضة قوى الحراك الشعبي الجنوبي في المحافظات الجنوبية، وبناء عليه فإنه لمما يؤسفنا أن نسجل هنا حقيقة ملموسة ومعاشة تشير إلى أن تلك المعارضة تبدو اليوم في وضع أضعف وأقل تأثيراً وحضوراً مما كانت عليه خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأيضاً عقب خطوتها الهامة والكبيرة بالإعلان عن إقامة اللجنة التحضيرية للحوار الوطني كإطار سياسي وطني معارض واسع وعريض يستوعب وينظم ويؤطر فعاليات سياسية واجتماعية واسعة من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات اجتماعية بارزة من المستقلين ومن الحزب الحاكم أيضاً ورجال قبائل ومعارضة حوثية وقيادات جنوبية في الخارج والداخل الخ، وتبدو في نظر الشرعية الأوسع للرأي العام المحلي، أنها عاجزة وغير قادرة وأنها غير راغبة ولا تريد أن تمسك بزمام المبادرة وتطرح نفسها للجماهير قوة أو أداة طليعية تعبئ طاقات الشعب وقواه الكامنة وتقودها وتوجهها نحو إحداث التغيير السياسي الجذري والشامل والمنشود للسلطة الحاكمة والأوضاع المتردية السائدة في البلاد، مقتنعة بدور يقتصر على البيانات والتصريحات الإعلامية السياسية وإطلاق التهديد والوعيد دون وضعه موضع التنفيذ، وإنها استمرأت وقنعت بما يتيسر من تفاهمات واتفاقات جزئية وباهتة وصفقات بائسة مع السلطات الحاكمة بين فترة وأخرى! مقارنة بالدور المتزايد والمتنامي القوة والتأثير والنفوذ السياسي والشعبي والميداني الملموس والمشاهد الذي حققته كل من المعارضة الحوثية والحراك الشعبي السلمي الجنوبي وامتلاكهما لوسائل وأدوات وقوى ضغوط سياسية وشعبية فعالة ونافذة في معارضتها للسلطة الحاكمة وهيمنتها، وتلك هي رؤى ومشاعر وأحاسيس قطاعات واسعة من الرأي العام المحلي وأيضاً أوساط سياسية ومراقبين في الداخل والخارج، تجاه هاتين القوتين المعارضتين الرئيسيتين، ولا يخفون شعورهم العام بضعف قوة وتأثير معارضة اللقاء المشترك، والواقع أن على قيادة المشترك أخذ هذا الواقع بعين الاعتبار وإجراء عملية مراجعة وتقييم شاملين لمسيرتها، ممارسة أقصى درجات النقد والنقد الذاتي لتحديد أسباب وعوامل ودواعي ذلك الواقع الذي تعيشه بشجاعة دون تحسس أو مكابرة سلبية فالاعتراف بالأخطاء طريق تصحيحها وتجاوزها.. لقد أخطأت قيادة المشترك في البدء حين استدرجتها السلطة بسهولة إلى التوقيع على اتفاق فبراير 2009م بتأجيل الانتخابات وهو مطلب السلطة الملح، دون أن تتيقن وتتأكد من امتلاكها لأوراق ووسائل وأدوات الضغط والتأثير السياسي والشعبي وقدرتها على استخدامها لإجبار السلطة على احترام تعهداتها والوفاء بالتزاماتها الموقعة، فلما أدارت لها السلطة ظهر المجن بعد حصولها على التأجيل، لم تملك معارضة المشترك في مواجهة ذلك التنصل والنكوص سوى إصدار البيانات والتصريحات وإطلاق شعارات وتهديدات نارية وعنترية إعلامياً وكلامياً فقط دون وضعها موضع التنفيذ على نحو منهجي ومتصاعد ومتسع، ثم أخطأت كرة أخرى في التوقيع على اتفاق 17 يوليو 2010 المنفذ لاتفاق فبراير 2009 بحجة الضغوط الدولية والإقليمية الشديدة التي تعرضت لها، على حد قولها، دون أن تستوعب دروس وعبر خطأها الأول وتطالب بضمانات تنفيذ دولية أيضاً! فكان أن نسفت السلطة الحوار والاتفاقين معاً على نحو ما فصلناه آنفاً مكتفية أيضاً بالبيانات والتصريحات وإطلاق التهديدات والوعيد دون أن تبدو في الأفق أي بوادر إلى شروعها في تنفيذ وعيدها وتهديدها عملياً! ولا شك أن استمرارها وبقائها على هذا الموقف السلبي والعاجز إلى حد ما من شأنه تعريض رصيدها من ثقة الجماهير بها وبمصداقيتها إلى التآكل والتناقص المستمرين.. وخاصة في ظل ما بدا مؤخراً، وقد شرحناه في مطلع حديثنا هذا، من نجاح السلطة الحاكمة في مصادرة واختطاف الدولية الوطنية وتحويلها تماماً من "دولة الوطن والشعب" إلى "دولة الأسرة والعائلة" وهو وضع يمثل ذروة التناقض والتنافر في الصراع التاريخي بين الشعب وقواه الحية والفاعلة من جهة وقوى الارتداد والتخلف المسيطرة والمتغلبة، صراع مفرز ومتبلور، سياسياً واجتماعياً وتاريخياً، على قيادة المشترك أن تختار وتحسم وضعها وموقفها وموقعها ودورها بشكل نهائي وحاسم مع هذه القوة أو تلك ولا خيار ثالث بينهما.. ولقد آن الأوان أن تعي وتدرك على وجه اليقين ومن واقع تجاربها الطويلة والمتراكمة والدروس المستخلصة منها على مدى ثلاث وثلاثين عاماً مع هذه السلطة الحاكمة، أن الحوار معها حوار عقيم وغير مجدٍ، وفق ما تؤكده وتبرهن عليه جملة مواقفها وسياساتها وأساليبها وإجراءاتها وتكتيكاتها الملتوية، والتي تؤكد قطعاً ودون أدنى شك أو مواربة، استحالة قبولها وتسليمها بأية إصلاحات أو تغييرات ضرورية وملحة وجوهرية إن على صعيد إصلاح وتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي ناهيك عن الاقتصادي والمالي والإداري والعسكري.. الخ، لأنها تعتبره ماساً وتهديداً لسيطرتها واحتكارها المطلق للحكم والدولة والمجتمع ونسفاً لاستراتيجيتها في ضمان أبدية تلك السيطرة والاحتكار وتوارثهما في نطاق أسرة أو عائلة مهيمنة ومتغلبة وقاهرة وهي الاستراتيجية التي من أجلها وفي سبيلها مارست السلطة الحاكمة الاغتيالات والتصفيات الدموية السياسية، بدءاً بالرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي ورفاقه وسلطان أمين القرشي وعلي محمد خان وعبدالعزيز عون والدكتور عبدالسلام الدميني وأخوته، مروراً بحرب صيف 1994م وحروب صعدة الستة المدمرة وغيرها من الممارسات التي دفع شعبنا ويدفع أثمانها الباهظة حتى اليوم، ولهذا فهي لن تقبل سوى حوارات واتفاقيات صورية شكلية تعزز سيطرتها وتقوي قبضتها الحديدية ولا تضعفها أو تحد منها أبداً، لأنها سرعان ما تنقضها وتتنصل من التزاماتها وتعهداتها فيها.

وإذن، وإذا ما اقتنعت قيادة المشترك بهذه الحقيقة الساطعة، وهو ما يجب عليها أن تقتنع به تمام الاقتناع، فلا يبقى أمامها سوى إنزال وعيدها وتهديداتها الكلامية من التحليق في الفضاءات العالية إلى ميدان الواقع العملي الميداني المعاش وتشرع بأقصى سرعة، وبدون أي إبطاء أو تراخ، إلى التلاقي والاتفاق والوفاق والتماسك والتحالف والوحدة بينها وبين المعارضة الحوثية والحراك الشعبي الجنوبي وسائر القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والمنظمات المدنية، ضمن إطار جبهوي تحالفي واحد واسع وعريض ويقوم ويتأسس ويتحرك على قاعدة هدف استراتيجي محوري واحد يتمثل بحشد وتعبئة وقيادة وتوجيه ثورة شعبية سلمية عارمة وشاملة لإسقاط السلطة الحاكمة الراهنة وإنهاء سيطرتها واختطافها لدولتنا الوطنية واجتثاث فسادها وانحرافها واسترجاع مشروع الدولة الوطنية المصادرة.. وبناء أو إعادة بناء الدولة أو الكيان السياسي الوطني الجديد والبديل الذي يكفل ويحقق المواطنة المتساوية والعدالة وسيادة القانون والمشاركة الشعبية المباشرة والفعالة في إدارتها وضمان مبدأ "التداول الوطني" للسلطة والحكم دون تفرد أو احتكار لفئة أو طائفة أو أسرة أو منطقة تهيمن على مقاليد ومقدرات البلاد والعباد معاً!

إنه هدف استراتيجي واضح ومحدد وجلي وجامع وطني للجميع، يحقق الهدف والغاية الكبرى ولا يغرق نفسه في تفاصيل وجزئيات البرامج والنظريات وتشعباتها التي يأتي دورها بعد التغيير الجذري والشامل وليس قبله، هدف يجمع ولا يفرق يوحد ولا يمزق يقوي ولا يضعف.. ذلك هو الدور والمهمة والموقع الطليعي الذي يليق بمعارضة اللقاء المشترك ويمنحها الريادة والقيادة والشرف الوطني، وبدونه وبأقل منه فإن قطار الزمن والتاريخ لا ينتظر أحداً ولا تتوقف حركته عن الاندفاع قدماً وإلى الأمام دوماً وأبداً.. وذوو الوعي والبصر والبصيرة النافذة وأصحاب الرؤى الاستشرافية البعيدة للمستقبل وآفاقه، هم من يلتقطون اللحظة التاريخية ويمسكون بزمام المبادرة والريادة وينسجمون مع حقائق التاريخ وحركته وقوانينه وليس الكسالى والمتباطئين والمترددين والمتهيبين أي دور أو مكان لبلوغ أسمى الغايات الإنسانية وأنبلها وأشرفها.


span style=\"color: #333399\"*المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.