البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    إستشهاد جندي جنوبي برصاص قناص إرهابي بأبين    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات اليمنية، ماَلها وآفاقها
نشر في المصدر يوم 19 - 05 - 2009


وضع سياسي حذر من 1994

منذ قيام الجمهورية اليمنية في 22 أيار/ مايو 1990 وربط الوحدة بالديمقراطية، جرت ثلاث دورات انتخابية نيابية. غير أن أول دورة انتخابية عام 1993 كانت الأكثر نزاهة وحرية، بسبب التوازن السياسي والعسكري القائم يومئذ بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، وبين الشمال والجنوب طرفي تحقيق الوحدة.

اختلال هذا التوازن بفعل الحرب الأهلية عام 1994 قاد إلى جعل كل دورة انتخابية تالية خطوة إلى الوراء لم تعد غايتها التداول السلمي للسلطة، إنما الاحتفاظ بها إلى اجل غير مسمى، مجهول النهاية، الأمر الذي ترتب عليه فقدان الأمل بإمكانية التغيير الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع. وانتقل فقدان الأمل عند الإعداد للانتخابات النيابية التي كان يفترض إجراءها في 27 نيسان/ ابريل 2009 من المواطن العادي إلى قواعد وقيادات الأحزاب. وأقدم الحزب الحاكم – المؤتمر الشعبي - على السير في الإعداد للانتخابات منفردا في ظل مقاطعة أحزاب المعارضة للمشاركة في الإدارة الانتخابية وإجراءات القيد والتسجيل، وفي ظل انقسام حاد، سياسي وجهوي، ومواجهات سياسية وعسكرية، واشتداد نفوذ الجماعات الإسلامية المسلحة، ومواجهة التجمعات السلمية في الجنوب والشمال بالقمع، بما في ذلك التجمعات الاحتجاجية على إجراء العمليات الانتخابية (تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وتعديل جداول الناخبين). ولم يكتشف القائمون على الحكم مخاطر ما أقدموا عليه من إنهاء الحوار مع أحزاب اللقاء المشترك، وسير الحزب الحاكم بالإعداد للانتخابات منفردا في ظل هذه الظروف، إلا بعد أن حان موعد دعوة الناخبين لانتخاب مجلس نواب جديد. وهنا تراجع الحزب الحاكم، وإن كان ذلك متأخرا وبعد فقدان كل خيار عدا تأجيل الانتخابات، إلا انه حسناً فعل لتجنيب البلاد مغامرة إجراء انتخابات كانت ستمثل انقلاباً على الديمقراطية قد يترتب عليه انزلاق البلاد إلى عنف شامل. وكان توافق الحزب الحاكم في 23 شباط/ فبراير 2009 مع أحزاب اللقاء المشترك على تأجيل الانتخابات إلى 27 نيسان/ ابريل 2011، لإجراء إصلاحات سياسية – دستورية – قانونية للنظام السياسي والانتخابي، وتوفير المناخات السياسية التي تتمثل حسب أطروحات أحزاب اللقاء المشترك بإزالة نتائج وآثار حرب1994 وحل القضية الجنوبية وحرب صعده. التوافق هذا عام لم تحدد تفاصيله بعد، ولكنه شكل مخرجاً مؤقتاً من المأزق. أما إخراج اليمن من أزمته الراهنة وتجنيبه مخاطر العنف الشامل، فيتطلب إستراتيجية للإصلاح الشامل، بما في ذلك إصلاح النظام السياسي والانتخابي وإيجاد الحلول لجوهر الأزمة وهي الشراكة في السلطة والثروة، وإنهاء آثار الصراعات السياسية. محام - باحث في مركز الدراسات والبحوث

التفاوض على آجال الانتخابات الديمقراطية

يتم إعلان الديمقراطية في اليمن عامه الثامن عشر في 22 أيار/ مايو 2009. جرت خلاله ثلاث دورات انتخابية نيابية في 1993، 1997 و2003، وتم إجراء إستفتائين على الدستور، الأول عام 1992، لإعلان القبول الشعبي بالوحدة ودستورها، وإن بعد قيامها، والثاني عام 2001 تم بموجبه تعديل الدستور. وكان قد تم تغيير الدستور بعد حرب 1994 بدون استفتاء. ورافق الاستفتاء الأخير انتخاب أعضاء المجالس المحلية. تمت دورتان انتخابيتان مباشرتان لانتخاب رئيس الجمهورية عام 1999 وعام 2006، والرئيس يتولى السلطة منذ عام 1978. ومع الانتخابات الرئاسية الأخيرة تم انتخاب أعضاء المجالس المحلية، وتولت هذه انتخاب محافظين ورؤساء مجالس من غير أعضائها.

كل دورة انتخابية تأتي اقل سلامة ونزاهة من سابقتها، إذ صار بمقدور الحزب الحاكم التحكم بنتائج الانتخابات النيابية سلفاً وتحديد مقدار الفوز الذي يرغب به، والذي تدرج من الفوز "بالأغلبية المريحة" عام 1997، إلى الفوز ب "الأغلبية الكاسحة" عام 2003. واتجهت رغبته إلى إخراج أحزاب المعارضة من نتائج الانتخابات في دورة 2009 التي أجلت، ولعل ذلك يرجع إلى عوامل رئيسية منها :

1- إن حرب 1994 قد أعادت إلى الواجهة نمط حكم ما قبل الديمقراطية، بما في ذلك قواه وشخوصه، والحفاظ على نتائجها فرض العودة إلى نمط الممارسة في ظل الحزب الواحد. وفي العملية الانتخابية تعبر هذه الحالة عن نفسها بتوحد الحزب الحاكم مع أجهزة الدولة وإمكانياتها، ويشمل ذلك استخدام المال العام والوظيفة العامة – المدنية والعسكرية - واستخدام وسائل الإعلام العامة لصالح الحزب الحاكم. ويتم ذلك في ظل استمرار ما ترتب على الحرب من إخلال في التوازن، وإخراج الحزب الاشتراكي من السلطة بالحرب، واستمرار التضييق عليه بإجراءات استثنائية تم اتخاذها أثناء الحرب.

2- غش السجل الانتخابي، وفشل محاولات تصحيحه. ومن تلك المحاولات اتفاق الحزب الحاكم مع أحزاب المعارضة – أحزاب اللقاء المشترك عام 2001- على إلغاء السجل وإنشاء سجل جدي. وتم ذلك من خلال تعديل قانون الانتخابات، لكنه سرعان ما جرى تزوير سجل الناخبين الجديد. وقبيل الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006، اتفق الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك على تشكيل فريق من الطرفين، وبمشاركة اللجنة العليا للانتخابات، لفحص سجل الناخبين وإحالة المخالفات إلى النيابة العامة. ومع بدء التفحص، تبين أن حجم التزوير كبير، فأوقفت اللجنة العليا للانتخابات عمل الفريق، مما جعل سجل الناخبين غير موثوق به وغير مقبول لدى أحزاب المعارضة.

3- تظهر نتائج الانتخابات النيابية المتتالية، أن النظام الانتخابي القائم على الدائرة الفردية والفوز بالأكثرية أو الأغلبية النسبية، قد قاد إلى إعادة إنتاج سيطرة البنى التقليدية وقواها، وإعادة إنتاج نظام الحزب الواحد المختلط بأجهزة الدولة والقبيلة. وصار مجلس النواب ممثلا للقوى التقليدية، وللأغنياء وللرجال، وهي حالة تقود إلى أيلولة التعددية الحزبية إلى الزوال وانسداد آفاق التحديث وبناء دولة القانون.

4- يظهر مسار العمليات الانتخابية منذ ما بعد حرب 1994 ضعف احترام حكم القانون، مما جعل تدخل مسئولي السلطة التنفيذية في العملية الانتخابية غير مستتر، وخاصة عند جمعهم بين مهام انتخابية مناطة بهم من قبل اللجنة العليا للانتخابات وتولي الحملات الانتخابية للحزب الحاكم .

ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة تسجل مخالفات متكررة في كافة الانتخابات، ومنها : التلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية، إكراه الناخبين، شراء الأصوات، غش سجل الناخبين، إعاقة تسجيل مرشحي أحزاب المعارضة وإسقاط أسمائهم، واستخدام المال العام والوظيفة العامة ووسائل الإعلام العامة في الحملات الانتخابية لصالح الحزب الحاكم، الخروج على القواعد القانونية للدعاية الانتخابية، توزيع بطاقات الاقتراع خارج مراكز الاقتراع، تغيير النتائج، طرد أعضاء لجان إدارة الانتخابات ومندوبي المرشحين، منع المقترعين من الوصول إلى مراكز الاقتراع، التصويت العلني...

وبسبب هذا المسار الذي جعل تكرار الدورات الانتخابية عملية غشية لا توصل إلى شيء عدا الاحتفاظ بالسلطة إلى اجل غير مسمى، تطرح المعارضة منذ عام 1996، ممثلة بتحالف "أحزاب اللقاء المشترك"، المطالبة بتوفير الشروط القانونية والسياسية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتطورت هذه المطالب من الإصلاحات القانونية الفنية إلى المطالبة بإصلاحات ديمقراطية:

1- تغيير النظام الانتخابي من نظام الدائرة الفردية والفوز بالأكثرية إلى نظام التمثيل النسبي.

2- تشكيل الإدارة الانتخابية من الأحزاب الممثلة بمجلس النواب بالتساوي وتوفير الشروط القانونية الأخرى التي تكفل حيادها وشفافية عملها.

3- ضبط الموطن الانتخابي بإلغاء موطن العمل.

4- توصيف الضمانات الفنية لسلامة السجل الانتخابي، باعتماد نظام البصمة والتوثيق الالكتروني، والاعتماد على السجل المدني.

5- إيجاد الضمانات التشريعية والمؤسسية لحياد أجهزة ومؤسسات وممتلكات الدولة . هذا علاوة على المطالب المتعلقة بالجانب السياسي وهي كما ذكرنا حل القضية الجنوبية وإنهاء حرب صعده وإزالة ما ترتب عليها من آثار.

لقد حاصر الحزب الحاكم الحوارات التي تمت بينه وبين المعارضة، سواء مباشرة أو عبر وسطاء دوليين، باعتماد تعديلات قانونية فنية جرى التخلي عنها في نهاية كل جولة من الحوار، وعلى امتداد أكثر من عقد. ولكن، ولأسباب وعوامل خارجية، توصل أطراف العملية السياسية إلى توقيع اتفاقين بين حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك هما: اتفاق المبادئ لضمان انتخابات حرة ونزيهة بتاريخ 18-6-2006، واتفاق إنفاذ توصيات بعثة الاتحاد الأوروبي بتاريخ 11-12-2006. لكن مسار الإعداد لانتخابات 2009 النيابية التي كان اظهر إن الحزب الحاكم والحكومة قد قبلا بالاتفاقين لتطمين المانحين الدوليين، إذ تم توقيع الاتفاقين قبيل عقد مؤتمر لندن للمانحين في كانون الأول/ ديسمبر 2006، وكان للاتحاد الأوروبي دور خاص في مسعى توقيع الاتفاق الثاني، حيث تولت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي للرقابة على الانتخابات، مهمة تقريب وجهات النظر بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة وشهدت على توقيع الاتفاق .

وقد تركز الاتفاق الأول حول توفير الشروط التقنية لسلامة الانتخابات، واشترط الحزب الاشتراكي توفير الضمانات السياسية. بينما جاء الاتفاق الثاني، الخاص بإنفاذ توصيات بعثة الاتحاد الأوروبي وتحويلها إلى نصوص دستورية وقانونية، شاملا تقريبا كل المطالب الرئيسية لأحزاب اللقاء المشترك خاصة: الأخذ بالنظام الانتخابي العادل أي التمثيل النسبي، وتشكيل الإدارة الانتخابية من الأحزاب بصورة متوازية وتوفير الآليات المحققة للفصل بين الأحزاب وأجهزة الدولة وإمكانياتها. وفيما يتعلق بالضمانات السياسية، اوجد الاتفاق إلى جانب التوصيات أسس أخرى لتلك الضمانات بإجراء إصلاحات سياسية تعزز العملية الانتخابية خصوصا والديمقراطية عموما.

ومع إن ما حدث من توافق كان محدوداَ، إلا أن الحزب الحاكم تراجع عنه بعد أن كان البرلمان قد ناقش وصوت على التعديلات القانونية مادة مادة. وترافق مع إيقاف إجراءات إقرار التعديلات القانونية انتخاب أعضاء اللجنة العليا للانتخابات من قبل كتلة الحزب الحاكم وحده، وعدم مشاركة المعارضة، وبإجراءات مخالفة للائحة مجلس النواب، وقانون الانتخابات. وترتب على ذلك رفض من تم تعيينهم كممثلين لأحزاب المعارضة تولي مهامهم.

راهن الحزب الحاكم على أن سيره في الإعداد للانتخابات منفرداً سوف يجبر أحزاب اللقاء المشترك على اللحاق به، أو على الأقل انه سيكون بمقدوره تفكيك اللقاء المشترك بالتحاق حزب أو أحزاب منه بالعملية. وبسبب هذه التقديرات الخاطئة، أقدم ممثلو الحزب الحاكم في اللجنة العليا للانتخابات على إجراء مراجعة وتعديل السجل الانتخابي دونما اعتبار لإعلان أحزاب اللقاء المشترك مقاطعة هذه العملية والاحتجاج عليها. وبهذا، وكما يتبين لاحقا، وضعت ليس العملية الانتخابية، بل والحالة السياسية في البلاد، في مأزق.

أسباب تأجيل الانتخابات

خلال الثمانية عشر سنة التي مرت على إعلان الديمقراطية في اليمن، لم يتحقق أي مستوى للتحول الديمقراطي على الصعيد الكلي، وذلك بعدم حدوث تداول سلمي للسلطة، وعلى الصعيد الجزئي بعدم تحقيق أي مستوى من الشراكة في السلطة والثروة أو تحقيق المصالحة الوطنية أو الاندماج السياسي. وهو أمر حول الأقلية المتبنية لعدم المشاركة في الانتخابات في بعض أحزاب المعارضة إلى قوة ضاغطة على أحزابها، وأوصل قيادات في هذه الأحزاب إلى الدعوة إلى رفض الانتخابات، خاصة من بين القيادات الجنوبية في الحزب الاشتراكي والتجمع اليمني للإصلاح. وصارت أحزاب المعارضة ومعها الحزب الحاكم مهددة بالانقسامات الجهوية في حالة إجراء الانتخابات دون توفير شروطها القانونية والسياسية. بل صار اليمن مهدد بمخاطر جديدة جراء هذا الانقسام الوطني - الجهوي الحاد.

وهكذا يتبين أن إقدام الحزب الحاكم منفردا على الإعداد للانتخابات كان مخاطرة غير محسوبة النتائج، في ظل معاناة البلاد من حالة انقسام جهوي وإيديولوجي ومذهبي حاد، ورفض واسع في المحافظات الجنوبية لشرعية السلطة القائمة على نتائج حرب 1994. وعبرت تلك المحافظات عن هذا الرفض من خلال التجمعات السلمية التي امتدت إلى المحافظات الشمالية وبلغ عددها 755 تجمع تعرض 110 منها للقمع، وكان من ضحاياها سقوط 7 قتلى و124 جريحا و994 حالة اعتقال لقيادات سياسية وميدانية وإحالة 95 شخصا للمحاكمة. واستخدمت أحزاب اللقاء المشترك الاحتجاج بواسطة المسيرات والمظاهرات والاعتصام، ورفضت المشاركة في التصويت على تعديل قانون الانتخابات دون إطلاق قيادات الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية وبعض المعتقلين من المحافظات الشمالية.

وفي الوقت ذاته أعلنت حركة الحوثي المتواجدة في عدد من محافظات شمال الشمال، عدم قبولها بشرعية السلطة الحاكمة لأسباب أيديولوجية مذهبية وعرقية، أدت إلى مواجهة عسكرية مستمرة منذ عام 2004 بين قوات هذه الحركة والقوات الحكومية، تعرض خلالها آلاف المواطنين للتشريد، وهناك المئات في السجون بالإضافة إلى القتلى والجرحى من الطرفين، وشيوع الدعوة إلى الكراهية العرقية ومعاناة المدنيين من سلالات السادة أو الهاشمية من الإجراءات الانتقامية ضدهم. وكان الخيار الوحيد المتاح أمام الجميع للخروج من مأزق هذه المخاطرة – هو رجوع الحزب الحاكم عن الاستمرار فيها واتفاقه مع أحزاب اللقاء المشترك على تأجيل الانتخابات حتى تتاح الفرصة للإصلاحات، وهي فرصة يترتب على إهدارها عظيم الخطر على اليمن.

يقع اليمن أمام مشكل خطير وهو اصطدام الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة دستورياً بموقف مناهض لهذه الغاية. إذ أن القائمين على الحكم غير قادرين على تجاوز ديمقراطية الواجهة والقبول بنتائج الديمقراطية وابرز مظاهر ذلك هي حرب 1994 واستمرار نتائجها، وعدم تحقق التسامح السياسي، وعدم ازدهار ثقافة التعددية في وسائل الإعلام العامة، وإنما استمرار الدعوة للكراهية ضد الأخر، وصناعة الفراغ، وتمدد السلطة فيه من خلال تشكيل أحزاب لمعارضة المعارضة، وإصدار صحف حزبية أو أهلية بدعم الحكومة لمواجهة صحافة المعارضة، وزيادة عدد أجهزة الأمن السياسي، ودعم تسييد التعددية القبلية وثقافتها، واستدعاء الموروث القبلي والديني واستخدام الإسلام السياسي المسلح ضد المعارضة، ورفض مطالب أحزاب المعارضة بتوفير الشروط القانونية والسياسية لإجراء انتخابات تعددية حرة ونزيهة... وهو كله ما عبرت عنه أخر وثيقة صدرت عن أحزاب اللقاء المشترك، تحت عنوان "الإطار السياسي لرؤية اللقاء المشترك لمتطلبات إجراء انتخابات حرة ونزيهة".

مما تقدم، يتبين أن القائمين على السلطة قد أدركوا تآكل شرعيتهم أخلاقيا وسياسياَ، علاوة على انعدام الشرعية الاقتصادية بالأصل، وهم وضعوا إستراتيجية انتخابية تقوم على عدم المجازفة في مواجهة أحزاب اللقاء المشترك مجتمعة، واستخدموا بالتالي أساليب تظهر حرص السلطة على مشاركة أحزاب المعارضة، ولكنها تدفع بهذه الأحزاب إلى فقدان مبررات خوض الانتخابات. وتبين أن الحزب الحاكم كان قد وضع سيناريوهين للانتخابات: الأول، خوض بعض أحزاب اللقاء المشترك كالتجمع اليمني للإصلاح الانتخابات على انفراد، ومقاطعة البعض الأخر، كالحزب الاشتراكي اليمني. لكن حان موعد دعوة الناخبين للاقتراع وكان موقف أحزاب اللقاء المشترك لا زال موحداً. ففشل هذا السيناريو. أما الثاني، فاستبدال الأحزاب بالنقابات المسيطر عليها حكوميا أو التي للحكومة تواجد فيها، بترشيح أعضاء المؤتمر الشعبي العام والقائمين على هذه المنظمات أو المتواجدين في قيادتها باسمها، أي استبدال الأحزاب السياسية التي هدفها الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، بالمنظمات غير السياسية التي لا تقوم أهدافها على الوصول إلى السلطة، وتحقيق المشاركة بمشاركة القائمين على السلطة لأنفسهم، الأمر الذي جعل هؤلاء الموعودين بإحلالهم محل الأحزاب يظهرون رفضا صارخا لعودة حزبهم – المؤتمر الشعبي - إلى مسعى التوافق مع أحزاب اللقاء المشترك والاتفاق على العودة للحوار لتوفير الشروط السياسية والقانونية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وهذا يظهر بوضوح أن فكرة الحزب لا تجمع المنتمين إليه، ولا تحكمهم إستراتيجية وطنية، وأن المصالح الفردية تستغرق كل إستراتيجية الحزب الحاكم. ومرد ذلك اعتماد النظام على الزبائنية. أن تراجع الحزب الحاكم عن تنفيذ هذه الإستراتيجية انطلق من مدرك أنها كانت ستقود إلى اعتبار إجراء الانتخابات من قبل الحزب الحاكم منفردا انقلاب على الديمقراطية أو على ما تبقى من مظاهرها.

ومن السابق لأوانه التعويل بان القائمين على السلطة قد أدركوا فعلا، وان كان ذلك أملا، أن محاصرة الأحزاب السياسية وعدم تمكين المعارضة من تحقيق انجازات على الصعيد الديمقراطي وإيصالها والمواطن معها إلى اليأس من إمكانية التغيير السلمي، يضع الجميع أمام خيار واحد – هو العودة إلى البحث عن الوسائل غير الديمقراطية للتعبير عن معارضته، وإحداث تغيير للحكام. لكن المؤكد أن الاتفاق على تأجيل الانتخابات مثل مخرجا ضد العنف الشامل، وأوجد أفقاً جديداً للحوار وإيجاد الحلول لإخراج اليمن من حالة الانقسام الحاد والانسداد السياسي والتدهور التنموي المريع وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. لكن هذا المخرج سيظل مؤقتا ما لم يتم التوافق على رؤية إستراتيجية عامة تندرج الانتخابات في سياقها كأحد وسائل الحل.

ولكن، الم يكن بالإمكان حل المشكلات المطروحة بالحوار قبل أن يحين موعد إجراء الانتخابات؟ أليست مدة التأجيل طويلة؟ وهل التوصل الآن إلى توافق صار في إطار الممكن؟

تعيش البلاد حالة اضطراب واسع ومواجهة متعددة الأسباب، بما في ذلك المواجهات العسكرية، والظروف القاهرة المنصوص عليها في المادة (65) هي الظروف التي يمكن أن تؤثر على إجراء انتخابات تعددية حرة ونزيهة، وهي في جميع الأحوال ما دون القوة القاهرة المتمثلة بقيام الحروب أو الفتنة الداخلية أو الكوارث الطبيعية، التي تكون سببا لإعلان حالة الطوارئ بموجب المادة (121) من الدستور. مما يعني أن إجراء الانتخابات من طرف الحزب الحاكم ومن قبل لجنة الانتخابات لا تتمتع بالشرعية السياسية والقانونية، ورفض المعارضة للانتخابات ونتائجها، يمثل ما هو أكثر أو اخطر من الظروف القاهرة التي بسببها يجوز تأجيل الانتخابات. في كل الأحوال، فإن تأجيل الانتخابات اقل ضررا من الانقلاب على الديمقراطية.

وفيما يتعلق بالمدة، فأن العودة إلى المهام الواجب إنجازها خلال فترة التأجيل، وهي مهام كبيرة توضح الصورة، ومنها: 1- إزالة آثار حرب 1994. وبهذا الصدد بدأت السلطات بإجراءات تمكين الحزب الاشتراكي اليمني من استعادة مقراته وأمواله وأرشيفه من أجهزة الدولة ومسئوليها ومن الشراكات والأفراد. لكن الإعادة لن تكون بالسهولة التي تقبلوا بها توجيه السلطات للاستيلاء على هذه الأموال. وليس من اليسير على مسئولي الشركات والأفراد إعادة هذه الأموال ما لم تكن ثمة إجراءات رادعة تجبرهم على ذلك. مما يعني أن كل إجراء من الإجراءات مهما كان بسيطا، يتطلب الكثير من الوقت والجهد، إذا افترضنا أن السلطات جادة في ذلك.

الوقت والجهد، إذا افترضنا أن السلطات جادة في ذلك.

2- تطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي من خلال التعديلات الدستورية – يعني التوافق على إصلاح النظام السياسي. واهم قضايا الإصلاح تتمثل في تغيير شكل نظام الحكم، والبديل بالنسبة للمعارضة الأخذ بالنظام البرلماني، وبالنسبة للسلطة الأخذ بالنظام الرئاسي الكامل. إصلاح الهيئة التشريعية بتعزيز سلطات البرلمان، ومن ذلك استحداث غرفة ثانية – مجلس الشورى - وبالنسبة للمعارضة يتم انتخابه مباشرة وبالتساوي من كل وحدة إدارية، أما بالنسبة للسلطة فيتم انتخاب جزء منه بانتخابات غير مباشرة عبر المجالس المحلية، ويتم تعيين الجزء الأخر من قبل رئيس الجمهورية. إصلاح السلطة القضائية، ورؤى الإصلاح للطرفين متباينة. تحقيق توزيع السلطة والثروة باستحداث نظام لامركزية الحكم. استحداث نظام انتخابي جديد، يقوم على التمثيل النسبي. وهذه المسائل يحتاج التوافق على مضامينها جهد كبير ووقت كاف ، ويتطلب تعديل مواد الدستور المتعلقة ببعض الإصلاحات إجراء استفتاء عام .

3- إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، وهو يعني الإقرار بعدم شرعية اللجنة الحالية، ويترتب على ذلك عدم شرعية ما قامت به.

السؤال المهم هنا هو، هل التعويل على الفترة المتاحة للحوار لإحداث هذه الإصلاحات أمر يقع في دائرة الممكن؟ والإجابة على هذا السؤال في غاية الصعوبة، على ضوء تجربة الحوارات الماضية. ولأن التفاؤل خطر والتشاؤم اخطر، غير انه لا خيار لإخراج اليمن من أزمته وتجنيبه مخاطر الانزلاق إلى المواجهة بالعنف الشامل، غير تقديم التنازلات المتبادلة بين السلطة والمعارضة للتوصل إلى رؤية أو إستراتيجية شاملة للإصلاح، ومباشرة تحقيقها، فتكون الانتخابات النيابية والمحلية القادمة في 27 نيسان/ ابريل 2011 خطوة عملية للانتقال الديمقراطي.
------------------------------------------
- منقول عن موقع: مبادرة الإصلاح العربي 19 مايو 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.